في شهر رمضان بكل فضائله و قيمه الروحية و الإنسانية العميقة،كانت الفرصة مواتية للإطلاع على الكثير من المعطيات التي وردت في مذكرات جزء من الساسة وبعض الإعلاميين،ومن أرشيفات فترات تبقى مرحلة مهمة من مراحل وطننا بكل مالها وما عليها،كما كانت الفرصة مواتية لقراءة ما بين السطور في لقاءات صحفية ذات أهمية قصوى بالنسبة لإلقاء أضواء كاشفة على محطات لعبت أدوارا مهمة في صناعة تحولات سياسية و مجتمعية بفعل نضال صادق،ومواقف صنعها رجال مؤمنين بقيمة المبادئ الرصينة،وخطورة المساومة بحاضر ومستقبل الأمة في قضايا جوهرية لا تقبل الانبطاح،بقدر ما تتطلب كثيرا من المسؤولية و الرزانة و الحكمة و الجرأة. ومن معطيات هذه القراءة التي واكبتها كغيري من المهتمين بالبحث عن التقاطعات لنسج خيوط متكاملة تمكن من التمييز بين الحقيقة و الافتراء،ما كتب حول مواقف الحزب من التزوير البشع للإستحقاقات،وصل حد إتخاذ قيادة الحزب لقرار تقديم استقالتها من الحكومة في السبعينات،حفاظا على القيم التي آمن بها الحزب ودافع عنها،وهو قرار جريء،وفي الوقت ذاته مسؤول، لأنه كان يروم الحفاظ على مصداقية العمل السياسي،ومصداقية خطاب الحزب وانسجامه في مواقفه التي يعبر عنها على مستوى الممارسة الميدانية،بالفعل السياسي،وإذا كان هذا القرار قد خلق رجة في دواليب الدولة برمتها،فإنه مكن بلادنا من تطوير الكثير من آليات العمل السياسي و في مقدمتها الدستور المغربي الذي سيعرف تعديلات مهمة بعد هذه المرحلة الحاسمة. ومما استوقفني في هذه المذكرات و اللقاءات الرمضانية، ذلك الموقف الوطني المتميز الذي أعلنه الأستاذ عبد الحفيظ القادري شافاه الله، أحد أبرز قادة الحزب و الإتحاد العام للشغالين بإعتباره من المؤسسين في لجنة الأربعة عشر،بعدما تم إعتقال المرحوم عبد الرحيم بوعبيد بسبب موقفه من قبول بلادنا مبدأ الإستفتاء بنيروبي الثانية،ذلك الموقف الذي أعلن فيه بدون تردد أنه ضد إعتقال شخصية وطنية،ومسؤول سياسي فقط لأنه عبر عن رأيه وقناعته في أسلوب تدبير قضية وطنية جوهرية. وقد إستوقفني هذا الحدث لكثير من الإعتبارات،من ضمنها كون تعيين الأستاذ عبد الحفيظ القادري سفيرا لبلادنا باسبانيا،بعدما غادر وزارة الشباب و الرياضة،كان نوعا من الإبعاد،وهو ما فهمه الإستقلاليون وهم يكرمون الأستاذ الجليل عبد الحفيظ القادري قبل مغادرته المغرب نحو إسبانيا في تجمع كبير بمنزل المرحوم الحاج أفريخ رحمه الله بمنزله بيعقوب المنصور بالرباط،وكان لي شرف إلقاء كلمة بإسم شباب الحزب آنذاك،لا زلت اذكر جيدا وقعها في نفسية سيدي حفيظ في أجواء جمعت بين التأثر بضريبة موقف صلب وعزيمة الإستمرار بإصرار حفاظا على قيم رفيعة تعلمناها في فترات ميزتها حزبية العقيدة،لا حزبية الصفقات ،جيلنا الذي كان يرى في الأستاذ القادري مدرسة من الخصال النبيلة،و الوطنية الصادقة،و المبادئ الرفيعة و الرصينة،ومن خلاله كنا نرى في قيادة الحزب قوتنا التي تعبر عن أحاسيس المناضلات و المناضلين من خلال مواقف تبنى قاعديا،تلك المواقف التي أسست لثقة عميقة،وإلتزام بالنضال الصادق وصل في العديد من الأحيان حد الاستعداد للشهادة في سبيل قيم وتوابث الحزب المنبثقة من توابث و قيم تربت وطننا. ومن القراءات التي كانت ذات فوائد كبرى،الحديث الهام للأستاذ امحمد بوستة حول مرحلة حاسمة في قضية وحدتنا الترابية،ومصير البلاد من خلال العمل السياسي الذي كان موضوعا على الكتلة الديمقراطية بناءه في ظل صراع متواصل مع لوبيات التزوير و التزييف التي اشرف عليها وزير الداخلية السابق المرحوم إدريس البصري. الأستاذ امحمد بوستة الذي قدم صورة لكيفية بناء حزب قادر على العطاء بفتح الآفاق نحو كفاءات تربت داخله وواكبت أحداثه وهو يروى كيف أصبح أمينا عاما للحزب، ويرفض بتواضع العظماء لقب الزعيم ،الذي يحتفظ به الحزب تقديرا و إجلالا للزعيم علال الفاسي رحمه الله رئيس الحزب ،ويصحح الكثير من المعطيات التي لم تكن دقيقة أو زائفة مثل الصورة التي حاول الإعلام تقديمها على أنها حقيقية ويظهر فيه الأستاذ عباس الفاسي يقبل يد الأستاذ امحمد بوستة،وهو ما إعتبره المجاهد الجليل كذبا و إفتراءا لينهي موضوعا كان هدفه الأول و الأخير إستهداف الأمين العام للحزب الأستاذ عباس الفاسي الذي يعتبر الشخصية الوطنية التي تعرضت لكل أنواع محاولات المس بكرامته الشخصية و العائلية،وبكل وسائل الخسة و الدناءة وفق مخطط أصبح واضحا عند عموم الشعب المغربي. وإذا كان هذا الجزء اليسير من المذكرات التي حاولت الوقوف عنده بحكم كثرتها من جهة،ووفرة المعطيات الجديدة فيها،فإن أهم مؤشر إيجابي بالنسبة إلي هو قرار فاعلين سياسيين كانوا يرفضون إلى وقت قريب الخوض في تفاصيل أحداث رويت بكثير من التحريف للتاريخ الوطني بالكتابة عن المراحل التي عايشوها،الشيء الذي سيمكن الأجيال اللاحقة من إمكانية وضع مقارنات تمكن من معرفة الجزء الأكبر من الحقيقة خاصة في ظل تحولات فيها الكثير من الإيجابيات على المستوى التنموي،لكن سلبياتها السياسية لا تزال تعرف مخاضا قد يصل لا قدر الله حد إجهاض ذاك الجنين الذي بدأت ملامحه تتكون من البناء الديمقراطي الذي جاء نتيجة نضالات كبيرة للقوى الحية بالبلاد،و الذي لا نتمنى لبلادنا أن تعود إلى صور يؤمن الجميع أن وطننا أدى فيها ثمنا باهضا من خلال مظاهر كثيرة أساءت لصورته.