لم يكن منتظرا، ولا متوقعا، أن يلتزم خصوم الوحدة الترابية الصمت اتجاه التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الى وسائل الاعلام المغربية، السيد مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود، القيادي في البوليساريو، والمفتش العام لشرطته، أول أمس الاثنين، مباشرة من العاصمة الروحية للصحراء المغربية، مدينة السمارة، اللهم الخرجة المحتشمة التي احتسبت على سفير الانفصاليين في الجزائر، والتي لم تأت بجديد يذكر. ربما لأن الصدمة كانت جد قوية، ولم تكن في الحسبان، أربكت معها الحسابات، و بعترث الأوراق، فالمتحدث هذه المرة، لم يكن شخصا عاديا، بل هو مدير عام شرطة البوليساريو، ولا زال يمارس مهامه بشكل طبيعي، لم يأت الى المغرب فارا من جحيم اسمه مخيمات تندوف، ولكن جاء ليعود؛ جاء الى المغرب في عطلة من أجل صلة الرحم مع الأهل والأحباب، والذين مضى على فراقهم قرابة الثلاثين سنة. فكان أن انبهر بالمستوى المتقدم الذي أصبح عليه المغرب، فاصطدم بواقع آخر، غير الذي رسمته قيادة البوليساريو في مخيلته، وغذت به أفكاره، فصرح بذلك علانية، مؤكدا على أن الأمانة التاريخية والحضارية أملت عليه نقل هذه الصورة، وأخرى، الى اخوانه الصحراويين، وزملائه والى عشيرته هناك، حتى تتضح لهم الأمور، وتنكشف جلية واضحة.. كما أكد تضامنه المطلق مع مشروع الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب كحل نهائي لنزاع اقليمي مفتعل، للصحراء المغربية ، واصفا اياه بأنه هو الحل الأنسب لمصالح الشعب الصحراوي... ولعل الذي أربك خصوم الوحدة، لم يكن تأكيد السيد مصطفى ولد سلمى لمشروع الحكم الذاتي للصحراء المغربية.. فقط لأن المشروع يحمل تأكيده بين يديه، وغير محتاج الى تأكيد.. لكن الدافع الأساسي للارتباك، كان هو عزم هذا القيادي الكبير ، حين عودته الى المخيمات- حث البوليساريو على قبول مقترح الحكم الذاتي، ومحاولة ارغامها على المضي قدما في تحقيقه، ان هي تسعى بالفعل الى مصلحة الشعب الصحراوي.. مفارقة عجيبة، اذن، تلك التي خلفتها تصريحات هذا القيادي الكبير، فهو يشغل مهمة كبيرة في هرم قيادة البوليساريو، والمتصلة أساسا بجانبه الأمني، فجاء الى المغرب كي يقول كلاما من هذا العيار ثم يعود ليستأنف عمله. وكله ثقة وعزم أكيدين في الدفاع عن مقترح، ظلت قيادته ترفضه بل وتحاربه، فهل هذا معناه بداية التصدع الذي أضحى يلوح في أفق قيادة البوليساريو؟ هل هي بوادر الأزمة التي اصطدمت بالباب المسدود، فكانت دافعا أساسيا للعودة الى الوراء..الى المنبع.. الى الأصل.. فتلبي بذلك نداء الوطن: "ان الوطن غفور رحيم"؟ واذا ما نحن استثنينا الخرجة المحتشمة لسفير الانفصاليين، يوم الثلاثاء 10 غشت من الشهر الجاري، بالعاصمة الجزائر، والتي قال فيها بأن الخيانة هي ''ظاهرة اجتماعية وتاريخية ليست مرتبطة بشعب بعينه'' وأكد بأنها ''لن تنال من قناعة الشعب الصحراوي بمواصلة كفاحه لتقرير مصيره''. مضيفا على أن ''الثورة الصحراوية قوية ومستمرة أساسها في ذلك اليقين بحتمية النصر مهما تعالت الأصوات التي لن تغير أبدا من عزيمة الشعب الصحراوي''. واذا ما نحن استثنينا هذه الخرجة الفقيرة والمعدومة، فان رد الفعل لا الجزائري ولا البوليساريو، ظل _ لحد الآن- غائبا، ولم نر له أثرا، مما يذهب في اتجاه تأكيد الفرضية التي قال بها مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود، وقبله العالم بأسره، والذاهبة الى أن قيادة البوليساريو مشغولة تماما بأمور أخرى غير مصلحة الشعب الصحراوي، لا يهمها سوى المصلحة الذاتية، والربح الغير مشروع، والغنى الفاحش، ضاربة بعرض الحائط كل الحقوق والواجبات، ومن هذا المنطلق، فأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قيادة متعالية تمارس ظلمها على شعب برىء ،أم أن الأمر له علاقة بشيئ اسمه الاستسلام، فحين يقاوم الانسان لمدة طويلة ليدرك آخر المطاف أنه انما كان يقاوم شيئا صلبا، لا يمكن النيل منه، وبالتالي لا يمكن الانتصار عليه، خصوصا وأن الأدوات المستعملة في محاربته ومقاومته، هي أدوات مغشوشة، مشبوهة، مزيفة..فانه لا محالة مستسلم وعائد الى جادة الصواب ؟؟؟ من جانب آخر، و في تعليقها على الحدث، قالت الجبهة الشعبية «خط الشهيد» أن قيادة البوليساريو ستجد نفسها في موقف تحدي رهيب و في ورطة ليس من السهل الخروج منها عند عودة هذا الشخص الى مخيم لحمادة. و يقول الخط بأن بوليساريو "إذا اعتقلته او اعطت اوامر للجزائريين باعتقاله، فستجد نفسها في وضعية لا تحسد عليها من حيث الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان...". وسواء رد البوليساريو أو غيره، أم لم يرد، فحتما ستظل التصريحات التي أدلى بها السيد مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود، أقوى وأوزن، وأرفع بكثير، لكونها جاءت في ظرفية استفاق معها العالم أجمع على توالي خروقات البوليساريو، وعلى لاقانونية طرحها المزعوم، في حين تأكد العالم وتيقن بأن الطرح المغريي المتمثل في الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، هو طرح جدي وفاعل، وذو مصداقية، يراعي كافة حقوق ساكنة المناطق الجنوبية من صحرائنا المغربية.. ولأنه كذلك فقد التف حوله الجميع، واليوم أصبح البوليساريو من ضمن هذا "الجميع" .