ناصر بوريطة: المغرب يرفض الانتهازية وسياسته الخارجية في أفريقيا تقوم على التفاؤل    تطورات التضخم والأسعار في المغرب    منتدى دولي بطنجة يناقش تنافسية واستدامة قطاع صناعة السيارات بالمغرب    ألكس بينفيلد سفيرًا جديدًا للمملكة المتحدة بالمغرب خلفًا لسيمون مارتن    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    الحسيمة.. توقيف مشتبه به في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الثامن وسط مخاوف من رسوم ترامب الجمركية    شكاية ضد ابن كيران بتهمة القذف والسب ومطالبته بتعويض 150 مليون    إطلاق المرصد المكسيكي للصحراء المغربية بمكسيكو    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    أداء مؤشر "مازي" في بورصة البيضاء    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    الجيش الملكي يواجه بيراميدز المصري    أهمية الحفاظ على التراث وتثمينه في صلب الاحتفال بالذكرى ال20 لإدراج "مازاغان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلماء والتعبير عن مواقفهم السياسية في المجتمع وداخل الأحزاب السياسية...
مع المرحوم الأستاذ عبدالله كنون في الذكرى الواحدة والعشرين لوفاته (9 يوليوز1989 9 يوليوز 2010) (3)
نشر في العلم يوم 06 - 08 - 2010

مع الشهور أو السنة الأولى من الاستقلال بدأت بوادر الدعوة «العلمانية « أو اللادينية كما اسماها بعض السادة العلماء تبرز من خلال مواقف بعض الصحف أو الهيآت وكان المجتمع المغربي حينذاك حديث عهد بحرية الصحافة والمجتمعات وإلقاء المحاضرات والندوات وكان العلماء باعتبارهم أغلبية النخبة المثقفة آنذاك والمرتبطة بالحياة السياسية للبلاد، وقد عبر العلماء فرادى وجماعات وداخل الأحزاب من مواقفهم السياسية والوطنية شعرا ونثرا وإصدار بيانات ومواقف مكتوبة .
وقد حاولنا في هذا الحديث الإشارة إلى بعض المواقف المعبرة عنها حينذاك وخصصنا حيزا مهما للنداء الصادر عن المؤتمر التأسيس لرابطة علماء المغرب وهو نداء يدعو للتأمل والمقارنة بين واقعنا منذ خمسين سنة وواقعنا اليوم.
في الحديث الأخير من هذه الأحاديث الجمعية التي خصصناها للحديث عن المرحوم العلامة عبد الله كنون والتي أردنا في مقدمتها تسليط بعض الضوء على المرحلة الأولى من سنوات الاستقلال وحول وضعية العلماء والمعاهد الإسلامية وصولا آنذاك إلى تأسيس رابطة علماء المغرب التي انتخب الأستاذ المرحوم عبد الله كنون أمينا عاما لها، وهذا بالطبع كما أشرنا في سياق التذكير بدور الرجل ومكانته في الدعوة الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين دون إغفال دوره الريادي في دعوة التجديد الإسلامي فكرا وأدبا وتوجيها.
الدفاع عن الحرية والفوضى:
إن العلماء وهم جزء من الأمة يشعرون بشعورها ويحسون إحساسها إذ هم في كل الظروف والأحوال كان مركزهم ومكانهم بين الشعب في السوق والمدرسة والمسجد وإذ كان نصيبهم من العلم والمعرفة أكثر من غيرهم فإن شعورهم وإحساسهم بما تعانيه الأمة يكون أكثر فالأمر كما قال الشاعر العربي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
واخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وإذا كان الناس مع تباشير العهد الجديد عهد الحرية والاستقلال انطلقوا لا يلوون على شيء، إذ هم كانوا في قمقم الاستعمار وانطلقوا إلى ميدان الحرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي انطلاقة لا تخلو من فوضى فإن العلماء بدورهم انطلقوا كما انطلق الناس ولكنهم في نفس الوقت يسعون لفرض نوع من الانضباط وإن يكن قيودا في بعض الأحيان.
اتساع دائرة التأطير:
مما لاشك فيه ان تأطير الحركة الوطنية للمواطنين كان قويا وشاملا أثناء النضال ضد المستعمر، ولكن التأطير بعد الاستقلال مباشرة أصبح شاقا وعسيرا لأن الأعداد الضخمة التي أمت الحركة الوطنية للعمل والانخراط كانت أكثر من أن تستوعبها الأطر التي كانت تقوم بهذه المهمة قبل ذلك، مع ملاحظة ان الكثير من هذه الأطر اتجه نحو الإدارة المغربية الوليدة مع الاستقلال، وهذا ما جعل أحزاب الحركة الوطنية نفسها تعرف مشاكل داخلية من نوع جديد لم تكن معروفة من قبل، ولم يكن أولئك الذين كانوا متشبعين بها أو يميلون إليها قادرين على البوح بها في أثناء المعركة ضد الاستعمار، ولكن الأمر مختلف وقد تحررت البلاد والأمر مختلف. فقد بدأ البعض يعبر ولو على استحياء عن ذلك حيث يتم استعمال أسئلة وهمية او حقيقية موحى بها حول قضايا من صميم العقيدة والشريعة.
العلماء يعبرون عن مواقفهم:
وإذا كان العلماء مباشرة بعد عودة محمد الخامس وإعلان الاستقلال قد أسسوا جمعيات في مختلف الجهات ذات المراكز العلمية وقد عبرت بعض هذه الجمعيات عن مواقف سياسية واجتماعية فإننا سنورد هنا بعض هذه المواقف فجمعية علماء سوس التي كانت تشتغل في الخفاء تمكنت من التعبير عن رأيها فيما ينبغي ان يكون عليه مغرب الاستقلال في الملتمس الذي قدمته لجلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وعن هذا الاستقلال والموقف كتب المرحوم عمر الساحلي في كتابه «العهد الإسلامي بتارودانت» يقول:
ملتمس علماء سوس :
في دجنبر 1955 توجه وفد كبير من علماء سوس إلى الرباط لتهنئة الملك محمد الخامس بالعودة إلى أرض الوطن بعد أن أزيلت الحواجز التي أدت بالعلماء إلى الانزواء في عهد الاحتلال بحيث لم يسبق أن سنحت لهم الفرصة بمثل هذا اللقاء التاريخي الذي كان إلى الأمس القريب ضربا من الأحلام فقد تم أول لقاء عام لهم بسلا بدار مولاي الطاهر الزكري رحمه الله برئاسة الأستاذ المختار السوسي وزير الأوقاف. وقد استضافهم الحزب ضيافة تكريم تناسب مقام العلماء الذين قيل حينذاك أنهم جميعا في حضيرة الحزب.
وفي مقابلتهم للملك قدموا له ملتمسا يتضمن مطالب اجتماعية وسياسية وتعليمية وقضائية، وفيما يلي نص بنوده:
1/ أن يكون دستور المغرب المنتظر مستمدا من كتاب الله وسنة رسول الله مع الإعلان عن تضامن علماء سوس مع علماء فاس في مطالبتهم بذلك.
2/ أن يكون من أسس المفاوضات المغربية الفرنسية إلغاء الأنظمة الاستعمارية القائمة في المقاطعات التي تحت النفوذ الفرنسي والاسباني في أقصى جنوب المغرب وإرجاع هذه المقاطعات إلى المملكة الشريفة ونفوذ جلالة الملك.
3/ إلغاء المحاكم العرفية عاجلا واستبدالها بمحاكم شرعية على النمط الذي يجري به العمل في المغرب.
4/ إصلاح التعليم في مدارس سوس العتيقة ويتطلب هذا الإصلاح ما يلي:
أ أن تكون موارد المدارس المالية مضبوطة وتشرف عليها إحدى الوزارات المختصة بواسطة لجان موثوق بها.
ب أن ينظم التعليم فيها فيوضع له برنامج موحد معترف به من لدن الوزارة التي تشرف على تطبيقه بحيث يهيئ التلاميذ لشهادات تخول لحاملها الالتحاق بالمعاهد الدينية.
ج فصل المدارس عن كل سلطة محلية ومنع الشيوخ والقواد وأعوانهم من التدخل في شؤونها.
د تأليف لجنة علمية لإجراء بحث نزيه حول المدرسين الحاليين وعمداء المدارس فيكون إقرار الأساتذة ذوي الكفاءة في مقاعد التدريس وعزل غيرهم على ضوء تقريرها.
ه إجراء مباريات بين المرشحين لاختيار من يشغل المقاعد الشاغرة في المدارس ويعفى من هذا الإجراء أساتذة معروفون بالكفاءة والإخلاص للمهنة.
و إنشاء مكتب فني يسهر على تفتيش المدارس وإصلاح أساليب التعليم وتجديدها تدريجيا.
ز العمل على تأسيس معهد ثانوي لمدارس سوس في أكادير تخول شهادته لحاملها الانخراط في الأقسام النهائية بكليتي القرويين وابن يوسف.
هذا ولاشك أن جل بنود هذا الملتمس كان من فكرة الأستاذ المختار الذي حنكته التجارب، وتشبع بالروح الوطنية الدينية.
أجوبة عن أسئلة مغرضة:
والمؤكد تأثر هذه الجمعيات بالواقع الحزبي انخراطا والتزاما وهذا يتضح مما يأتي.
ذلك أن بعض العلماء المنتمين لحزب وطني في حينه ثاروا ضد سياسة الحزب ومواقفه وتوجيهاته التي رأوا فيها توجها لا دينيا، والأسئلة التي أشرت إليها إنما كانت تعبر عن هذا التيار العلماني في الحزب لأن الصحيفة » الديمقراطية« التي كانت آنذاك تصدر باللغة الفرنسية التي كانت تطرح الأسئلة عن الإرث وعن الشهادة وعن غيرها من قضايا وشبهات كان أعداء الإسلام ولا يزالون يثيرونها، وكان الزعيم علال الفاسي باعتباره واحدا من علماء القرويين يجيب عن هذه الشبهات والقضايا في جريدة « العلم « في الركن اليومي الذي كان يكتب فيه وهو(رأي مواطن) ويمكن العودة إلى باب شؤون المرأة في هذا الكتاب للاطلاع على نوعية الأسئلة والأجوبة ولم يكن الزعيم علال وحده الذي تولى الرد عن هذه الأسئلة بل إن علماء آخرين تولوا الرد والتوضيح مثل المرحوم العلامة المختار السوسي.
المغرب واللادينية:
والمهم في هذا هو أن أحد العلماء الذين كان لهم وضع محترم تنظيميا ونضاليا في هذا الحزب بعث رسالة تحمل توقيع مجموعة من العلماء إلى زعيم الحزب المذكور ونحن هنا لا يهمنا الجانب السياسي أو التنظيمي في الرسالة ولكن الذي يهمنا هنا هو تسجيل موقف علماء ابت عليهم غيرتهم الدينية وإخلاصهم لدينهم ووطنهم ان يسكتوا على ما اعتبروه انحرافا من بعض قادة الحزب عن القيم والمبادئ الدينية وقد جاء في هذه الرسالة المثبتة في كتاب ( المغرب المسلم ضد اللادينية) للدكتور العالم إدريس الكتاني وجاء في موضوع اللادينية حيث يقول موجها الكلام إلى الأمين العام للحزب:
وفي 7 شوال 1377 حمل إليك ثلاثة من علماء فاس نسخة من رسالة وقعها 16 من العلماء والأساتذة، وتتضمن اقتراحاتنا العملية لإصلاح الحزب وتطهير صفوفه، وتأكيد مبادئه الإسلامية من جديد. وجاء من بين حيثيات الرسالة ما يلي:
»ونظرا لكون هذا التعطيل المتعمد لأجهزة الحزب الحساسة، كان من نتائجه تعطيل المبادئ والأنظمة الديمقراطية داخل الحزب تعطيلا كاملا، وظهور سلطة استبدادية بيد بعض أعضاء المكتب السياسي، عبثت بمقررات المجلس الوطني، وتنكرت لمبادئ الحزب الجوهرية، وسارت بالمعارضة سيرا منحرفا عن قواعد المنطق والحكمة«
وبعد هذه الحيثيات قدمنا لك اقتراحاتنا » باسم الطبقة الواعية المثقفة التي يقوم عليها الوجود الروحي والوطني لحزب الشورى والاستقلال منذ سنة 1937« وكان يمثل هذه الطبقة موقعو الرسالة وهم العلماء والأساتذة عبد الله الداودي وحماد العراقي وعبد القادر ابن شقرون وعبد الحي العمراني ومحمد ابن محمد العراقي ومحمد اليوسفي والفاطمي الإدريسي ومحمد بن علي الإدريسي ومحمد الوزاني وعبد اللطيف ابن موسى. كما وقع نسخة اخرى زيادة على السابقين الأساتذة عبد العالي المنوني واحمد سحنون وعبد الله الحبابي وعبد العزيز الحوات والحبيب البخاري، وهؤلاء جميعا يمثلون مختلف فروع الحزب. وقد وقعت انا النسختين يصفتي عضوا في المكتب السياسي، وفي النسخة الأخيرة جملة زائدة على ما جاء في الحيثية السابقة وهي: » وفسرت الديمقراطية تفسيرا لادينيا يتعارض مع الشورى الإسلامية...، «
تفاعل المواقف داخل حزب الاستقلال:
هذه هي الخلاصة التي أوردها المؤلف عن الرسالة التي أمضاها السادة العلماء من الهيأة المذكورة وإذ نورد هذه الخلاصة فمع التأكيد على أن الأمر يسعى بالدرجة الأولى إلى توضيح دور العلماء الذين احتفظوا به لأنفسهم داخل الهيآت التي كانوا ينتمون إليها وهو التوجيه وتذكير المسؤولين بالمواقف التي يرونها تسير مع الالتزام الإسلامي للأمة وليس معنى ذلك ان الحزب الوطني الآخر حزب الاستقلال لا تتفاعل داخله آراء وانه ليس للعلماء موقف من كل ذلك وإنما الفرق ان على هرم قيادة حزب الاستقلال عالم من علماء القرويين وهو احرص الناس على الحفاظ على القيم والمبادئ الإسلامية وان العناصر التي كانت تفكر في توجه علماني او تقدمي كما عبرت عن ذلك فيما بعد لم تكن قادرة على فرض ذلك التوجه داخل الحزب فاختارت لنفسها إعلان الخروج من الحزب في عام 1959 وقد عبر أحد قادة هذا الجناح بذلك في انتقاده لقيادة الحزب لأنها إنما تعلم للمواطنين في خلايا الحزب دروسا في السيرة وتفسير القرآن. وهو ما تصدى له الزعيم علال وأبرز من خلال الرد على هذا الادعاء أصالة الإسلام ومكانته في تحرير الإنسان وتحرير المغرب وان التقدمية الحقيقية هي من صميم الإسلام وشريعته.
اتجاه نحو جمع العلماء في هيأة واحدة:
وعلى أي حال فإن العلماء بعد ما حصل في حزبي الحركة الوطنية أصبحوا بدورهم يشعرون يتعدد التوجهات السياسية داخل جمعياتهم المتعددة فتحركت من بينهم عناصر من اجل تأسيس هيأة بعيدة عن التيارات السياسية والحزبية على ان يحتفظ كل واحد منهم على مبدإه الحزبي أو السياسي.
وقد عبر المرحوم الفاروق الرحالي عن هذا التوجه في الكلمة التي أدرجناها في حديث الجمعة الأخير.
وهكذا تحركت مجموعة من العلماء للدعوة إلى تأسيس رابطة للعلماء انتهت بتكوين لجنة لتهيئة المؤتمرمن السادة العلماء . الجواد الصقلي الفاروق الرحالي عبد السلام الأمراني التهامي الوزاني عمر الساحلي عبد الكريم التواتي علال الجامعي محمد بن عثمان الشامي محمد بن هاشم العلوي محمد الأزرق.
وكل هؤلاء رحمهم قد التحقوا بالرفيق الأعلى ولم يبق منهم على ما أظن إلا الأخير محمد الأزرق . وقد كان جدول الأعمال يتضمن النقط التالية:
الدستور المغربي
القضاء وفصل السلطات
التعليم
الأوقاف والشؤون الدينية
قانون رابطة علماء المغرب
برنامج عبد الله كنون ومسؤولية العلماء:
وفي الجلسة الافتتاحية ألقيت عدة كلمات نذكر من بينها خلاصة ما جاء في كلمة المرحوم الأستاذ عبد الله كنون التي سيحدد فيها في الواقع برنامج العمل الذي يسير على هديه وهو يقود الرابطة لما يقرب من ثلاثين عاما يقول:
إن الدولة المغربية التي كانت منذ تأسيسها قبل اثني عشر قرنا لا تخرج في أعمالها ومشاريعها عن إشارة العلماء ورأيهم يجب أن لا يهمل هذا التقليد ولا تتغافل عنه، وإلا وقعنا في محظورات كبيرة أدناها مخالفة الشرع والقضاء على ما بقي من رمق لهذه العلوم الإسلامية التي تحملونها .
انه إذا كان وقع الانحراف على هذا التقليد فان فسطا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق العلماء أنفسهم .
انا لا أنسى جهود غير واحد من الإخوان في ميدان الإصلاح العام ومواجهة الانحراف الذي نشكو منه.
ولكن هذه الجهود المبعثرة لا تعطي نتيجتها المطلوبة، فيجب إذا توحيدها وتعزيزها ليكون لها تأثير وفعالية.
إنه لمن العجيب أن يكون لكل ذي حرفة ومهنة صوت مسموع واثر ملموس في توجيه سياسة البلاد إلا العلماء فإنهم وحدهم الذين بقوا بمعزل عن التحكم في التيارات المختلفة التي تتضارب في معمعة السياسة العامة للبلاد.
ان صوتا مدويا مجلجلا يجب أن يسمع وصحيفة أسبوعية على الأقل تنير السبيل. وترشد وتوجه. وتنشر رأي العلماء فيما يحدث كل يوم من قرارات وما يروج من أراء لاسيما ما يتعلق بالثقافة الإسلامية واللغة العربية وشريعة البلاد الذين هم ممثلوها وحماتها وأنصارها . ان الشعب المغربي المسلم يلح في سماع صوتكم وقد حار بين كثرة الدعاء.
وانتهى المؤتمر بصدور النداء التالي وانتخاب المرحوم عبد الله كنون أمينا علماء للرابطة.
نداء من علماء المغرب إلى الشعب سنة 1960:
أيها الشعب المغربي الكريم إن علماء الدين بما حملهم الله من أمانة توجيهك إلى الصراط المستقيم وحماية تراثك الروحي العظيم قد درسوا في مؤتمرهم المنعقد بالرباط يومي 26و27 ربيع الأول سنة 1380 الأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية في البلاد وساءهم ما صار إليه الأمر من الاستهتار بأمور الدين وانتشار الفسق والفجور وتفكك أواصر المجتمع المغربي المسلم بسبب الترويج للمذاهب الهدامة التي تهدف إلى بلبلة الأفكار وزعزعة الكيان العام للأمة المغربية النبيلة وهم لوخامة العواقب التي تترتب على هذه الأوضاع يدعونك إلى التشبث بمبادئ دينك الحنيف والتخلق بأخلاقه الكريمة ونبذ جميع الأفكار الضالة والعوائد الأجنبية التي تنزلق بك نحو الإلحاد والانحلال، يحذرونك من مخلفات الاستعمار الفكري والخلقي التي يتمسك بها أذناب المستعمرين ومريدوهم الناشئون على أعرافهم وتقاليدهم ناصحين لك بعدم الاغترار بهذه الحريات الكاذبة التي هي عبارة عن إباحية صرفة لا يقرها دين ولا مروءة ، لما تجر إليه من الانفصام عن عرى الأخلاق والتنكر للقيم العليا التي هي سياج كل مجتمع طاهر ينشد الحرية الحقيقية ويقدس الحق والفضيلة.
ولقد اتخذ المؤتمر مقررات لحماية الدين والشريعة والأخلاق وتوجيه السياسة العامة للبلاد في طريق إسلامي واضح يدعم كيان الدولة المغربية الشريفة ويضمن العدالة والطمأنينة الفكرية والروحية للمواطنين فأنت أيها الشعب الكريم مدعو بصفتك شعبا مسلما صادقا للقيام بواجبك الديني والتمسك بشريعة الإسلام والدفاع عن دعوة القرآن والتهدي بهدى رسولك الأعظم صلى الله عليه وسلم ومساندة علمائك فيما يقومون به من عمل إصلاحي جليل والابتعاد بالمغرب وطنك العزيز عن هذه المزالق الخطيرة التي يوقفه على شفيرها سوء التوجيه والتقليد الأعمى الذي سمى لأجل التضليل بالتجديد والتطور
أيها الشعب المغربي:
كن مطمئن البال على مستقبل الإسلام بهذه الديار مدام على عرش المغرب محمد الخامس الملك الصالح الذي ضحى بعرشه وكل عزيز عليه في سبيل الإسلام والعروبة والاستقلال، يده الله بروح من عنده وأبقاه الحارس الأمين على الثروة الإسلامية بهذه البلاد.
فلنتحد جميعا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك المعظم ولنعمل بقول الله تعالى:( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه والسلام.
إنه نداء في مرحلة معينة كان فيها المغرب كغيره من الدول التي نالت استقلالها حديثا يعيش فترة غليان وتحول، ومع ذلك فإن مضمون النداء يطرح أكثر من سؤال ومقارنة بين واقع مضى وواقع نعيشه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.