منذ بداية موسم الأمطار في المناطق الاستوائية،شرع الفريق المغربي المتخصص في مجال الاستمطار الاصطناعي في العمل بأجواء السنغال،مترصدا السحب فوق مختلف المناطق الفلاحية والغابوية والرعوية لاستمطار الغيث وإعادة الحياة والخضرة في الأرجاء القاحلة والجافة الواسعة. ويشتغل الفريق المغربي للأمطار الاصطناعية «الغيث»،الذي ذاع صيته على مستوى القارة الإفريقية،على قدم وساق منذ أسبوع في إطار برنامج «باوان» (الأمطار الوفيرة بلغة الولوف). وسيتدخل الفريق،الذي يضم 50 مهندسا ومختصا في الأرصاد الجوية وتقنيا وطيارا،في الشق الحاسم جدا في هذا البرنامج والمتمثل في تخصيب السحب الاستوائية عن طريق الجو في جميع أرجاء البلاد. ويتضمن برنامج الاستمطار الاصطناعي في السنغال شقين يتمثلان في التخصيب انطلاقا من الأرض عبر مولدات متراصة على طول ممر السحب،والعمليات الجوية التي يقوم بها الفريق المغربي بواسطة طائرتين مدفعيتين لتخصيب السحب. معرفة عالية الدقة وتعتبر العمليات الجوية،التي تتطلب لوجيستيكا أكثر أهمية ومعارف عالية الدقة،الأكثر حسما لأنها تخول تدخلات دقيقة في أماكن مستهدفة مع نتائج غالبا ما تتجاوز التوقعات. وأوضح رئيس البعثة المغربية لدى برنامج «باوان» العقيد محمد عميمي أنه بعد السنوات الأولى للبرنامج التي همت فيها العملية مناطق محدودة وبالنظر للنتائج الواعدة مع فائض في التساقطات المطرية،أضحى التدخل الجوي للتخصيب يشمل اليوم مجموع التراب السنغالي،دائما مع نتائج جيدة في الموعد. ويتبين ذلك بالفعل من خلال تحليل مقاييس الأمطار،ما بين 20 يوليوز و27 شتنبر 2009،حيث تجاوز تراكم الأمطار خلال هذه الفترة أحيانا 200 في المئة المستويات العادية بالمناطق الفلاحية مثل لينكير (657 ملم مقابل المتوسط السنوي 270) وملبور (783 ملم مقابل متوسط 377 ملم ) وبادور (305 مقابل 152 ملم). اصطياد السحب ويعد تخصيب السحب،حسب العقيد عميمي،عملية معقدة تتطلب خبرات المختصين في الأرصاد الجوية ودقة تدخل الطيارين لتوزيع المواد المخصبة. وأوضح أنه بعد مراقبة توقعات الأحوال الجوية،تتم عملية التخصيب من خلال نمطين للتدخل الجوي،يتم الأول بواسطة طائرة خفيفة تترصد السحب الخفيفة والمتفرقة،في حين أن طائرة مدفعية مزودة بمختبر للأرصاد الجوية تترصد كتل السحاب الكبرى المتلاحمة والموحدة. وذكر الكولونيل عميمي بأن فعالية العمليات الجوية لبرنامج «باوان 2009» خولت الوصول مبكرا لفائض في التساقطات المطرية،حيث تم إنهاء العمليات مبكرا قبل نهاية موسم الأمطار الذي يتزامن مع شهر أكتوبر. من جانبه،أشار المسؤول عن فريق الأرصاد الجوية في برنامج «باوان» السيد كرانا لايدي،أن مظهر حالة الطقس،الذي يخول استشعار مختلف العوامل المناخية بدقة بفضل التكنولوجيات وأدوات الرصد الحديثة،يكتسي أهمية خاصة في عمليات الاستمطار الاصطناعي. ويتعلق الأمر بالخصوص بتحديد موقع السحب «القابلة للتخصيب» بدقة وتوقع الوقت المناسب للتخصيب الجوي الذي يأتي في المرحلة الثانية لتشكيل السحب. وأوضح السيد غرانا،وهو أيضا مؤطر علمي لبرنامج «الغيث» أنه إضافة إلى المعطيات التي توفرها الردارات الأرضية أو صور الأقمار الاصطناعية،يمكن مختبر الطائرة القاذفة من تحليل المكونات الميكروفيزيائية للجو بهدف تحديد الوقت المناسب لنشر المواد المخصبة فوق السحب. وأكد مسؤول الأرصاد الجوية بعملية «بوان» أن عملية الاستمطار الاصطناعي تفضي إلى نتائج فورية وجد مرضية في المناطق الاستوائية،موضحا أن التدخل في هذه المناطق المناخية يهم السحب ذات الانتقال الحراري والتي تتميز بطاقة مطرية قوية بسبب كثافتها القوية وسمكها الذي قد يصل إلى 20 كيلومتر. وحسب المسؤولين المغاربة عن عملية «بوان» فإن النتيجة شبه فورية،فبعد نشر المخصبات انطلاقا من الأرض أو الجو،تفتح السماء أبوابها وتدر السحب،التي يفترض أن تمطر في المحيط ،أمطارا على المناطق الفلاحية. وأوضحوا أن رؤية عبر الجو تكفي لملاحظة التغير الملموس الذي يقع على الأرض،حيث تتحول السهول التي تكون جافة ورمادية قبل بداية العمليات إلى مناطق خضراء بعد عمليات تخصيب قليلة. ومن جهته،أبرز مدير الأرصاد الجوية السنغالي السيد مطار ندياي في مداخلة حول موضوع برنامج «بوان» أن تأثير الاستمطار الاصطناعي تأثير حقيقي في السنغال،وأن من شأن هذا المشروع المساهمة في تغيير السياسة الاقتصادية للبلاد في مجال استراتيجية تعبئة الموارد المائية. الخبرة المغربية أصبحت مطلوبة أكثر فأكثر وتحظى التجربة المغربية في مجال الاستمطار الاصطناعي بشهرة كبيرة في أفريقيا،يشهد على ذلك العملية التي تمت في بوركينا فاصو خلال ست سنوات. ويتذكر العقيد عميمي الذي عمل في بوركينا فاصو منذ سنة 1998،أن تقنية تخصيب السحب في هذه البلاد،التي كانت تعاني من الجفاف لمدة طويلة ومن أزمات غذائية حادة،عرفت نجاحا كبيرا،حيث استطاع هذا البلد الواقع غرب إفريقيا بفضل تقنية الاستمطار الاصطناعي أن يرى من جديد تساقطات مطرية هامة وتمكن من تطوير قطاعه الفلاحي الكفيل بضمان أمنه الغذائي. كما يعتبر الدعم المغربي بمثابة نقل للخبرة وتكوين لفائدة فاعليين محليين،إذ باتت بوركينا فاصو تتوفر على فريق للاستمطار الاصطناعي . وأبرز رئيس البعثة المغربية لدى برنامج «باوان» أنه بفضل النجاح الذي حققته،فإن الخبرة المغربية في مجال الاستمطار الاصطناعي حظيت بإشادة عدد من بلدان المنطقة ،خاصة موريتانيا،والنيجر،وغامبيا،والرأس الأخضر،والكاميرون. وساهم المغرب،من خلال عملية «باوان»،في البرنامج السنغالي الذي يتوخى ضمان الأمن الغذائي للبلاد وتقليص تابعيتها الغذائية باعتبارها إحدى الأولويات بالنسبة للحكومة السنغالية. وقد تم اعتماد تقنية الاستمطار الاصطناعي في سنوات الأربعينيات بالولايات المتحدة،بينما اعتمدت المملكة المغربية هذه التقنية منذ 1981 ،إذ تقدر عمليات الاستمطار الاصطناعي التي تم تنفيذها في إطار البرنامج الوطني «الغيث» بالمغرب بنحو 17 في المائة من مجموع معدل التساقطات المطرية. وفي إطار التعاون جنوب -جنوب وضع المغرب تقنية الاستمطار الاصطناعي رهن إشارة العديد من البلدان الأفريقية،على الخصوص السنغال،حيث تعتبر برنامج «باوان» حاليا.