كانت فقرة التكريمات من بين الأنشطة المهمة التي شهدتها الدورة السادسة عشرة للمهرجان الدولي لسينما المؤلف بالرباط و التي استقطبت جمهورا غفيرا ملأ كل مقاعد قاعة الفن السابع ،بل إن البعض منه لم يجد مكانا للجلوس خصوصا في حفل تكريم المخرج و المنتج و السيناريست المغربي عبد الله المصباحي ،الذي حضرته زوجته و ابنته المخرجة و الموزعة و المنتجة إيمان المصباحي، و حضره البعض من كبار الفنانين ببلادنا من مختلف الميادين من بينهم؛ الفنان عبد الوهاب الدكالي، و الممثل المقتدر حميدو بنمسعود، و الفنانة الكبيرة حبيبة المذكوري و عدد كبير من الفنانين و السينمائيين الذين اشتغلوا معه في مختلف أفلامه مثل محمد عبد الكريم الدرقاوي و عبد الله الزروالي و غيرهم. سبق لعبد الله المصباحي أن كرم بالخارج و لم يكرم أبدا ببلده ، و هي المرة الأولى التي يكرم فيها بالمغرب بعد نصف قرن من العمل و العطاء في الميدان السينمائي ،علما أن سينمائيين آخرين أقل جدارة حظوا بالتكريم عدة مرات في مختلف المهرجانات و الملتقيات الكبيرة و الصغيرة، وهي التفاتة متفردة و نبيلة و منصفة تحسب لمنظمي هذه الدورة لمهرجان سينما المؤلف بالرباط، و التي يعتبرها (في تصريح للعلم الفني)، بمثابة بداية فك حصار التهميش و الإقصاء و التناسي و النكران الذي كان مضروبا عليه من طرف منظمي التظاهرات السينمائية ببلادنا، و من بعض وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة أيضا ،مما جعل الكثير من المواطنين لا يعرفونه، و لا يعرفون أي شيء عن الإنجازات التي حققها خلال الخمسين سنة الماضية، و التي يصعب تعدادها في حيز هذا العمود ، و هي إنجازات في السينما و المسرح و الصحافة والتلفزيون (أفلام و مسلسلات و برامج)، و إنجازات أخرى موازية لها. يعتبر المخرج و السيناريست و المنتج عبد الله المصباحي من رواد السينما المغربية ، فقد تخرج سنة 1956 من المدرسة العليا للدراسات السينمائية بباريز و هو في سن العشرين، و اشتغل إلى جانب المسرحي الفرنسي المشهور جان فيلار في فرقة المسرح الوطني الفرنسي، و كان من بين أعضاء لجنة تحكيم مهرجان برلين الألماني مع المخرج الأمريكي الكبير كينغ بيدور، و رئيسا للإتحاد السينمائي العربي بالقاهرة، و مديرا لمركز التعاون العربي الدولي في الميدان الثقافي بدبي، و عضوا في الأمانة العامة الدائمة لرابطة العالم الإسلامي بمكة، و رئيسا لمصلحة السينما ،و رئيسا للجنة رقابة الأفلام بوزارة الأنباء، و مديرا بالنيابة للمركز السينمائي المغربي في بداية الستينيات. أنجز عبد الله المصباحي 21 فيلما طويلا من بينها «أحبائي الأعزاء»، «أين تخبئون الشمس؟» ، «سأكتب إسمك على الرمال»، «طارق بن زياد»، «أفغانستان الله و أعداءه»، «أرض التحدي»، «غدا لن تتبدل الأرض»، «الصمت اتجاه ممنوع» و غيرها من الأفلام التي تجاوزت حدود المغرب و شاركت في إنتاجها عدة بلدان عربية و إسلامية من بينها مصر ، ليبيا ، تونس، الإمارات العربية، العربية السعودية و الكويت. كان عبد الله المصباحي صديقا لجل المخرجين المصريين عامة، و كانت له صداقة أكثر حميمية مع المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين الذي أعاره طاقمه التقني بكامله لإنجاز أفلام «أين تخبئون الشمس» و «أفغانستان الله و أعداءه» و «سأكتب إسمك على المال»، و قد جمع في أفلامه بين عدد كبير من ألمع النجوم العرب المغاربة ( عبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط، عبد اللطيف هلال، محمد حسن الجندي، حبيبة المذكوري، أمينة رشيد...) و المشارقة من بينهم سعاد حسني، نادية لطفي، مريم فخر الدين، أمينة رزق، نور الشريف، عادل أدهم، عبد الله غيت، محمود المليجي، عزت العلايلي، و وظف في أفلامه أيضا نجوما عالميين مثل الممثل الإيطالي جيليانو جيما و الممثلة الكبيرة إيرين باباس والممثل المشهور مارسيل بوزوفي. و قد تنوعت مواضيع أفلامه مع اهتمام خاص بالقضايا الوطنية و الإسلامية و قضية فلسطين و جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي أنجز عنها ثلاثية تم تقديم الفيلم الأول منها « القدس باب المغاربة» خلال حفل تكريمه بالرباط ، حيث وظف عدة لقطات وافعية تعيد إلى الأذهان فظاعة جرائم الإسرائيليين المرتكبة في حق الأبرياء الفلسطينيين من مختلف الأعمار. تجدر الإشارة إلى أن عبد الله المصباحي (الدكالي) كان في كل هذه الإنجازات و المغامرات و في محنته مع المرض أيضا مؤازرا و مدعوما ماديا و معنويا من طرف أبنائه و زوجته (التطوانية) التي نشرت سابقا بعض القصص في مصر، و التي تم تحويل البعض منها من طرف زوجها إلى أفلام سينمائية من بينها ،على سبيل المثال، «أين تخبئون الشمس» .