لطالما كانت العلاقة بين أمراض القلب أو داء البول السكري وبين الغذاء الغني باللحوم الحمراء غامضة أو ملتبسة بعض الشيء، فبعض الدراسات تظهر ارتباطا قويا لهذه الأخيرة بتلك الأمراض، بينما تظهر دراسات أخرى ارتباطا محدودا. لكن فريقا من الباحثين بجامعة هارفرد يعتقدون أنهم عثروا مؤخرا على تفسير لهذا التفاوت في محصلة تلك الدراسات، والأمر باختصار أن معظم هذه الدراسات لا تميز بين اللحوم المصنعة أو المعالجة للاستهلاك الآدمي المباشر واللحوم الطازجة، بحسب تقرير للإذاعة القومية العامة (NPR). قام بهذه الدراسة الباحثة في علاقة التغذية بالأوبئة الدكتورة ريناتا ميخا وزملاؤها من جامعة هارفرد, ونشرت حصيلتها مؤخرا في الدورية العلمية "الدورة الدموية" وفي سياق هذه الراسة أجرى الباحثون مراجعة شاملة لعدد من الدراسات السابقة، حيث جمعوا بيانات ومعطيات من عشرين دراسة سابقة، وأعادوا تحليلها بطريقة جديدة، وتوصلوا إلى اتجاه جديد في التمييز بين اللحوم المصنعة والأخرى الطازجة. خبير الأوبئة بجمعية السرطان الأميركية مايكل ثون يعتبر أن نتائج الدراسة مثيرة للاهتمام بهذه المرحلة لكن لا ينبغي اعتبارها أساسا لأي تحول في المبادئ التوجيهية للغذاء السليم نقطة بداية وجد الباحثون أن الأشخاص الأصحّاء الذين يميلون لاستهلاك الكثير من اللحوم الحمراء المحفوظة هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والنوع الثاني من مرض البول السكري، مقارنة بالذين نادرا ما يقربون هذه الأطعمة. وتقول ميخا إنه كلما زاد استهلاك الأفراد للحوم المصنعة -مثل لحم الخنزير المقدد والسجق واللحوم الأخرى الباردة- ارتفعت مخاطر إصابتهم بتلك الأمراض. فتناول اللحوم الحمراء الطازجة (غير المصنعة) والمحتوية على نفس الكم من الشحوم -مثل شرائح اللحم البقري والهمبرغر وقطع الضأن وغيرها- لم يظهر نفس الآثار الناجمة عن استهلاك اللحوم المحفوظة. وتنظر ميخا إلى هذه المراجعة التحليلية التي أجرتها ومعطياتها باعتبارها نقطة بداية أو منطلقا لمزيد من البحوث في هذا الاتجاه، أكثر من كونها خاتمة أو خلاصة حاسمة بحد ذاتها. بل تعتبرها إشارة لافتة إلى ضرورة توجيه المزيد من الجهود نحو تحديد أضرار الأطعمة المحتملة بالنسبة للقلب، أكثر من مجرد قياس محتواها من الشحوم والكولسترول الضار. لكن اللافت في هذه الدراسة أن نتائجها لا تمكن الباحثين من تحديد موضع المشكلة وهل هي كامنة في كميات الملح المفرطة المضافة إلى اللحوم المصنّعة، أم هي في النترات والمواد الكيميائية الحافظة الأخرى، أم في طريقة طهيها وتجهيزها للاستهلاك، أم هي كامنة في عوامل أخرى مختلفة تماما. ويعتبر خبير الأوبئة بجمعية السرطان الأميركية مايكل ثون أن نتائج هذه الدراسة مثيرة للاهتمام بهذه المرحلة, لكن لا ينبغي اعتبارها أساسا لأي تحول في المبادئ التوجيهية للغذاء السليم. ويعني بذلك التحذير من التساهل في شأن استهلاك اللحوم الحمراء الطازجة غير المصنعة، أو اعتبارها آمنة لصحة القلب. ويضيف ثون أن الأطباء والخبراء قد أمضوا سنوات في حث الناس على الحد من استهلاك جميع اللحوم الحمراء بما في ذلك اللحوم المصنعة، وهذا المبدأ لا يزال قائما ومستمر الصلاحية. ويشير ثون إلى أن هناك الكثير من الأدلة الصلبة على أن النظام الغذائي الغني بأي نوع من اللحوم الحمراء -أطازجة كانت أم مصنعة- يزيد مخاطر الإصابة بسرطان القولون، وربما غيره من السرطانات الأخرى أيضا.