شهدت القنوات العربية الفضائية تطورا تصاعديا على مدى العشرين الأخيرتين وزادت معه المنافسة على استقطاب أكبر عدد من المشاهدين في العالم العربي وخارجه. ولعل برامج المنوعات أو الترفيه أضحت أكثر البرامج التلفزيونية العربية انتشارا آخذة حيزا مهما وثابتا ضمن شبكات البرمجة. وإذا كان من طبيعة برامج المنوعات استهداف الترفيه والترويح والإمتاع فليس ذلك إلا القالب الذي يتم من خلاله تمرير الرسائل الثقافية و «الحضارية» الضمنية حتى وإن حصل دون «أجندة» مسبقة. وليس من المبالغة في شيء القول إن في حالة الحضور التلفزيوني العربي، فإن التحدي الثقافي والحضاري لبرامج المنوعات ينخرط حتميا ضمن خانة «كن أو لا تكن» في خضم «تسونامي» العولمة الجارف الذي يضطلع فيه الإعلام الغربي دون المهيمن الدائم والواثق من نفسه. وتزداد أهمية برامج المنوعات بمختلف أنواعها وتوجهاتها والقيم التي تروج لها مع توسع شعبيتها ورواجها بين مختلف فئات الجمهور الذي يفترض أنه يسقط «مناعاته» القيمية في مواجهة مثيرات الجمال والإبداع والإبهار البصري التي تزخر بها بعض برامج المنوعات على الأقل. وتبرز من هنا الإشكالية الأساسية المتمثلة في التساؤل عن الأبعاد الثقافية التي تتضمنها برامج المنوعات ومدى توافقها مع حاجة المشاهد في الوطن العربي وقدرتها على القيام بدور في عملية نشر الوعي الثقافي العربي و«تثمينه» في أوساط الجمهور. دراسة الإشكالية المطروحة تقتضي الإجابة عن تساؤلات وفرض أساسية ترتبط بطبيعة برامج المنوعات في مختلف الفضائيات العربية بشقيها الرسمي والخاص وما موقعها من أهداف وعوامل التثقيف والترفيه؟ ويرى الناقد الفني محمد منصور أن برنامج المنوعات هو صيغة برامجية تعتمد على حاملين أساسيين: الأول: التعبير السردي، سواء على شكل قصة أو فكرة يسردها المذيع أو حتى قصة خبرية مصاغة بأسلوب الريبورتاج التلفزيوني، أو قصة درامية مصاغة بأسلوب تمثيلي، والثاني: التعبير الموسيقي (أغنية، مونولوج غنائي، مقطوعة موسيقية، لوحة راقصة) وقد تضاف إلى ذلك أشكال تلفزيونية أخرى كالمقالة التلفزيونية الحية أو المادة الأرشيفية الموظفة» . ويقول دويدار الطاهر رئيس الإنتاج المتميز قنوات النيل المتخصصة معرّفا المنوعات: «المنوعات فن يجمع بين فنون الشكل وفنون الكلمة، وهي فن له أشكاله وقوالبه ويستهدف التسلية الراقية والإثارة والإمتاع الحسي والوجداني والعقلي ومن ثم تصبح إحدى أدوات التشكيل الاجتماعي والثقافي والفني السليم».