خلفت أشغال المؤتمر الوطني التاسع للجمعية المغربية لحقوق الانسان ردود أفعال متباينة حول طبيعة تدبير الشأن الحقوقي داخل هذه الهيئة، ووصل الأمر إلى حد انسحاب عدد كبير من المؤتمرين الذين كان من المفروض أن يحتلوا مواقع مهمة في الأجهزة القيادية للجمعية. والواقع أن ردود أفعال هامة لم تكن وليدة المؤتمر، فقد علت، خلال السنوات الأخيرة، أصوات تشكك في مصداقية استقلالية الجمعية الحقوقية، منبهة إلى خطورة غلبة الطابع الإيديولوجي على توجهاتها وأنشطتها، بسبب الهيمنة التي فرضها تيار سياسي له أجندة محددة في الصراع داخل المجتمع. وظهر فعلا هذا التوجه، من خلال كتابات بعض المنظرين الذين يصرون على ربط النضال الحقوقي بالنضال «اليساري الاشتراكي» بدعوى «ارتباطه بهموم المحرومين ومعانقته لمطالب الكادحين والعمال والفلاحين» كلام جميل يوحي بالنبل، ولكنه في الواقع يقفز على حقيقة العمل الحقوقي الذي يجب ألا تستهويه الأحزاب والطبقات والأديان والأجناس والإثنيات... إن العمل الحقوقي ليس بديلا للعمل السياسي أو النقابي، ولا يمكن أن يحل محل المساجد والكنائس والأديرة، والعمل الحقوقي لا علاقة له بالاشتراكية لأن الكثير من الأنظمة التي ادعت في الماضي تشبعها بالمبادئ الاشتراكية، ارتكبت أبشع الجرائم في مجال حقوق الانسان، ولا يمكن أن تكون له علاقة بالرأسمالية، بالرغم من أن فكرة حقوق الانسان بشكل عام انبثقت من التطور الذي عرفته المجتمعات الرأسمالية. كان من المفروض أن ينتصر المؤتمر التاسع لمبادئ حقوق الانسان ولا شيء سوى حقوق الانسان سواء تعلق الأمر «بجزيرة الوقواق أو الثلث الخالي من الدنيا». إلا أن المتتبعين لاحظوا أن أطرافاً داخل الجمعية فضلت الانتصار للمواقف السياسية والايديولوجية.. ألم يكن البيان العام للمؤتمر الذي تضمن 28 مطلبا، بيانا سياسيا بامتياز، ظاهره حقوق الانسان، وباطنه التوجهات السياسية التي يجب أن ينهجها النظام، حسب وجهة نظر من صاغوه؟ لقد ظهر بالملموس أن الهم الأساس بالنسبة للتيار السياسي المهيمن على الجمعية هو الظهور بمظهر المعارضة للحكومة أو بعبارة أدق للنظام السياسي القائم، حتى وإن كان هذا النظام عبر عن التزامه «بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا» وهي العبارة التي نصت عليها ديباجة الدستور المغربي الذي هو القانون الأسمى في البلاد. بل إن هذا النظام بادر إلى اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة كانت محط تنويه من قبل الأعداء قبل الأصدقاء» أين يدخل توجه «النظام» نحو تحقيق المصالحة مع التجاوزات التي ارتكبت ضد حقوق الانسان في الماضي؟ ألا يمكن اعتبار ذلك من المداخيل لتدعيم دولة الحق؟ إن هيمنة تيار سياسي معين على جمعية حقوقية لا يمكن إلا أن يضر بمصداقية واستقلالية التوجه الحقوقي لهذه الجمعية. وقد ظهر هذا التوجه بشكل جلي من خلال الشعارات التي تم ترديدها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كانت سياسية أكثر منها حقوقية، هل تعتبر مثلا شعار: «لا بديل لا بديل عن تقرير المصير» حقوقيا؟ هل يمكن القبول مثلا بوجود جمعية حقوقية فرنسية تضم أشخاصا يعلنون بصريح العبارة أنهم أجانب، وأنهم ضد الوحدة الترابية لفرنسا؟ هذا الأمر لا يمكن أن يوجد في أي دولة في العالم ولكنه موجود في المغرب وبالضبط في الجمعية المغربية لحقوق الانسان. هل بعد ذلك يريدون منا أن نطمئن للتوجهات الحقوقية لهذه الجمعية؟ بطبيعة الحال هناك عدد كبير من الأطر والكفاءات التي تتوفر عليها الجمعية والتي لا يمكن للمرء إلا أن يتقاسم معها مواقفها وانشغالاتها بخصوص الدفاع عن قضايا حقوق الانسان، ولكن بالمقابل لا يمكن إلا أن نعترف بأن هناك أطرافاً أخرى وهي المهيمنة، تسعى إلى جعل الجمعية درعا «حقوقيا» لها وبوقاً دعائيا لتوجهاتها السياسية. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يجب أن تكون الفضاء الأرحب لجميع المهتمين والمدافعين عن حقوق الانسان، كيف ما كانت مواقعهم ومشاربهم السياسية، تحكمهم القواعد والضوابط المعمول بها على الصعيد العالمي في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، ومن المؤكد أن هذا التوجه، سيزيد من مصداقية وموضوعية ونزاهة هذه الهيئة، أما وأن يتم توظيفها كناطق رسمي باسم تنظيم سياسي معين فإن حقوق الانسان ستكون ضحية للهيمنة أو على الأقل للصراعات السياسية.