أما الرَّاوي الثاني، فهو «بّا أحمد» الذي كان يعرفه الكبير والصغير. سيُصبحُ، في وقتٍ لاحق بَائع بخُور بعربةٍ صغيرة، ولباسُه الذي لم يتغير: العمامة المشجَّرة بالأصفر، والجبةُ البيضاء القصيرة الأكمام، والشارب الْهتليري موضةالخمسينيات، وبداية الستينيات من القرن الماضي، والنَّعل الجلدي بصفرته الحائلة بعد أن أضفيت إليه طبقة أو طبقتين من «الكاوتْشُو» الأسود فأصبح مثل قذيفة مهملة. يبدأ«با أحمد حلقته» بالصلاة والسلام على خير الأنبياء، وهو يحرك رأسه في كل الجهات، دون أن تتوقف أصابعه عن إصلاح وضع العمامة، أحيانا، ووضع الجبَّة أحيانا أخري. كانت حلقة «با أحمد» تعقد خلف المقبرة التي جمعت بين الأموات والأحياء. ف «الأموات يسمعون أيضا» كما ردد مرارا عند كل بداية صلو على النبي العربي. في هذه الأثناء تبدأ الطلائع الأولى في الالتحاق بالحلقة، ومعظم أفرادها من الشباب قبل الشيوخ. وفي هذه الأثناء أيضا يتقدم بخطوات محسوبة بدقة، وعينه الخبيرة تتفحص الوجوه والملامح، وهو يرسم بعصاه الرفيعة نصف دائرة عند أقدام المتحلقين في الصفوف الأمامية. ثم تأتي المرحلة الثانية، يبدأ فيها «با أحمد» بملء بياضات الحلقة بصغار الملتحقين، بعد أن يتم التقطاهم، بأصابه خبيرة، من بين ثنايا الصفوف، ولسانه لايكف عن نقدهم، برفق، معرّضا بملابس الموضة والتسريحات الغريبة. .. وطلب شداد من عنترة أربعين ناقة. نصفها أحمر من فوق ايمن، ونصفها أبيض من نوق الشام.. وكان شبوب» في هذه الأثناء، يغمز «عنترة» بعينه فارِداً كفيه مرتين متتابعتين، وهو ينط مثلا القرد النسناس.. غير أن عنترة، وهو ألفارس الشهم، وافق على الأربعين وأتبع ذلك بأبيات من الشعر، وعينه لاتفارق عمه «شداد»: نوق اليمن أو الشام هذا ما حكم به الغرام أربعون حُمْرا وأخرى بيضاً وفوقها أخرى لسيدة المقام