ساهم الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب في دورته الأخيرة في تنمية مفهوم الفلاحة التضامنية والتنمية المستدامة وهي الشعارات نفسها التي اعتمدها ملتقى هذه السنة الذي شهدته مدينة مكناس،، ومما لاشك فيه أن الشعارات المذكورة ليست بمهزوزة وبدون جذور، بل هي نتاج مركز لحزمة من المعطيات الموضوعية التي تنسجم مع روح التصورات التي يبني عليها المغرب استراتيجيته الخاصة: مخطط المغرب الأخضر الممتد الى سنة 2020، فالفلاحة التضامنية تشكل تصورا رئيسيا ضمن النشاط الفلاحي المتداخل مع النسيج الاقتصادي المغربي. كما أن التنمية المستدامة والإشكالات المطروحة بين متطلبات التنمية والمحافظة على البيئة أضحت تشكل عنصرا رئيسيا ضمن روح تصورات المغرب. فبعد مضي فترة زمنية على تنزيل مخطط المغرب الأخضر، شهدت مختلف الأحواض الزراعية ديناميكية غير مسبوقة من أجل تحقيق تحول نوعي في التعامل مع الأنشطة الزراعية المرتبطة بالمنتجات المحلية التي تشكل صلب الفلاحة التضامنية، وذلك في انسجام تام مع ما تم تسطيره في إطار المحططات الجهوية للمغرب الأخضر وهو ما يكاد يقترب من ما يمكن تسميته بفلاحة القرب. وكمثال على ذلك ما عرفته جهة سوس ماسة درعة من خلال خلق «جمعية التكنولوجيا الزراعية» (اكروتيك) والتي تضم في عضويتها عدة فاعلين في الحقل الزراعي بالجهة من منتجين وباحثين وهيئات مهنية من القطاعين الخاص والعام، وطرق الجمعية الى صياغة تصورات مستقبلية حول آفاق تطور النشاط الزراعي سواء في شقه المتعلق بالفلاحة العصرية أو الفلاحة التضامنية، إضافة إلى ذلك تم تأسيس الجمعية المغربية للمؤشر الجغرافي لزيت أركان (أميغا) والتي تولت مهمة الحصول على علامة المنشأ بالنسبة لزيت الأركان ومشتقاته وهو من بين أهم ركائز الفلاحة التضامنية في المنطقة حيث كان هذا النشاط الزراعي يتم التعامل معه بطرق تقليدية وأصبح اليوم من ضمن أهم مصادر الدخل لفئات عريضة من الساكنة التي تكتلت في تعاونيات وجمعيات إنتاجية ومجموعات ذات نفع عام وبنفس جهة سوس تم الاهتمام بفاكهة الصبار التي تشتهر بها منطقة أيت باعمران. إضافة الى الزعفران الحر الذي تشتهر به منطقة تاليوين في إقليمتارودانت. فبعدما كان منتوج فاكهة الصبار يستغل بالطرق التقليدية في ما مضى أصبح اليوم يستخدم في جزء منه على الأقل كمادة أولية لصناعة المربى. كما أن منتوج الزعفران الذي كان يخضع للتسويق بالطرق التقليدية التي تدر أرباحا مضاعفة على الوسطاء أصبح منتجو هذه المادة الغذائية النادرة التي تنعت باسم «الذهب الأحمر» يتطلعون إلى حدوث تحول فعلي في نمط استغلال وتسويق الزعفران وذلك بعدما أقدم مجلس جهة سوس ماسة درعة على إنشاء «دار الزعفران» التي عهد إليها بمهمة تثمين هذا المنتوج المحلي، هذا إضافة الى تطوير مجال إنتاج التمور من خلال إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشهرة الأركان.. وإذا كنا أعطينا أمثلة من جهة سوس وإن كانت أمثلة عامة ومحدودة، فإن ذلك لا يعني أن جهات المملكة الأخرى لا تعرف مستجدات مرتبطة بتفعيل آليات الفلاحة التضامنية بل بالعكس هناك ديناميكية عامة على مستوى الاهتمام بالواقع والوسائل المؤثرة فيه علاوة على العنصر البشري الفاعل، هذا الأخير الذي أصبح مقتنعا بأهمية التكتل في تعاونيات وجمعيات انتاجية ومجموعات ذات نفع عام، والأمثلة على هذا الصعيد هي كثيرة في مختلف جهات المملكة. كما أن هناك عدة آليات متداخلة تساهم في تفعيل مخطط المغرب الاخضر منها مهمة البحث في ميدان الفلاحة والزراعة والبيطرة الذي يباشره المعهد الوطني للبحث الزراعي الذي تم إحداثه سنة 1914 لهذا الغرض، حيث يساهم حاليا في مواكبة الهياكل التنموية لتفعيل المخطط من حيث تعزيز قدرات الفاعلين والبرمجة الجهوية للبحث التي تهتم بالصعوبات والمؤهلات التي تميز قطاع الفلاحة على مستوى كل منظومة فلاحية. وهناك أيضا العديد من الآليات التي تعتمدها الدولة لمواكبة طموحات مخطط المغرب الأخضر من بينها صندوق التنمية الفلاحية الذي يهدف الى تشجيع الاستثمارات في القطاع الفلاحي والذي تمت مراجعة نظامه بغرض مواكبة المخطط، حيث تم اعتماد نظام فعال للتحفيز والدعم اضافة الى تشجيع البرامج المتعلقة بسلاسل الانتاج وتشجيع أشكال جديدة بالقطاع الفلاحي وخاصة التجميع... الخ كما أن الدولة من خلال صندوق التنمية الفلاحية تسعى الى المساهمة في تطوير التهيئة الهيدروفلاحية والتحسينات العقارية للضيعات الفلاحية وتجهيزها بالمعدات وتمكينها من كل ما هو مرتبط بسلاسل الانتاج النباتي والحيواني (البذور، غراسة الاشجار المثمرة، حماية زراعة الخضراوات تحت البيوت المغطاة، تحسين نسل الماشية، اقتناء معدات تربية الماشية، إنشاء بنايات تربية الماشية، مراكز جمع الحليب...) فمخطط المغرب الاخضر الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس سنة 2008 يهدف لكي يصبح محركا أساسيا للنمو الاقتصادي خلال العشر سنوات القادمة، حيث يتوخى مضاعفة الناتج الفلاحي الخام ورفع نسبة فرص العمل في الوسط القروي بحوالي 5،1 مليون منصب شغل قار مع مضاعفة مدخول حوالي 3 ملايين قروي. وترتكز استراتيجية المخطط على دعامتين أساسيتين، تخص الأولى منها الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة العالية والتي تخص المشاريع الكبرى، أما الدعامة الثانية فتهم الفلاحة التضامنية والموجهة خاصة لفئات صغار الفلاحين عبر تمكينهم من جميع الوسائل الضرورية لإنجاح وتوجيه نشاطهم قصد الحصول على منتوج فلاحي أفضل وجودة عالية. وحسب التوقعات الرسمية فإنه من المرتقب انجاز حوالي 961 مشروعا تهم الدعامة الأولى المتعلقة بالفلاحة العصرية باستثمار يصل الى حوالي 75 مليار درهم بنسبة 75 في المائة من طرف القطاع الخاص ونسبة 25% من طرف الدولة. أما فيما يخص الفلاحة التضامنية فمن المتوقع في إطار الدعامة الثانية إنجاز حوالي 545 مشروعا لفائدة الفلاحين الصغار في المناطق الهامشية الفقيرة. ويستلزم إنجاز هذه المشاريع حوالي 20 مليار درهم ممولة بنسبة 70 في المائة من طرف الدولة أو الهيئات الممولة وبنسبة 30 في المائة من طرف المستفيدين.