لا يمكن أن نختلف في كون برنامج «حوار» من حيث المبدأ والجوهر، هو برنامج مطلوب، ومثل هذا البرنامج يعطي الانطباع على نجاعة أي مشهد إعلامي مرئي، وقد كنا في أشد الحاجة إليه، كما أن القناة الوطنية الأولى كانت في حاجة إليه لتبرهن أنها تتحرك بالفعل نحو الحداثة وترسيخ قيم الديمقراطية واحترام شعب من طينة الشعب المغربي المثقل بالحقب التاريخية الزاهرة، والمتميز بحمولة حضارية زاخرة بهوية التعدد والانفتاح على الآخر، ولاينسي التاريخ ريادة القناة الوطنية الثانية في مجال الانفتاح المشهد الإعلامي على ثقافة الحوار السياسي، وقد حققت بذلك في بدايتها طفرة نوعية حازت إعجاب المغاربة، وأثارت اندهاشهم للمهنية المتقدمة التي أبدتها حينها قدرات بشرية مغربية، ومهارات تقنية غاية في الحرفية، وحينها أدرك المغاربة أن صفة البلادة التي كانت تراد لإعلامنا المرئي، ماهي في الواقع إلا صفة مفروضة، بحكم عوامل سياسية واجتماعية، هي في صلب التاريخ اليوم، ولا سبيل الى ذكرها في هذا السياق. ونعود الى برنامج «حوار» الذي شكل أولى قطرات الغيث في سماء القناة الوطنية الأولى، والتي كانت حتمية المنافسة تفرض عليها مجاراة رياح الحداثة التي افتتحت بها القناة الوطنية الثانية بداية مسارها الرائعة، إلا أنه ومع مرور الحلقات والزمن، تأكد عدم فعالية العدوى التي أصيبت بها القناة الوطنية الأولى، وتبين للجميع عدم صدقية هذا البرنامج، وعلى الرغم من ذلك، لاننكر أن برنامج «حوار» سجل نقلة نوعية في مسار القناة الوطنية الأولى، وأنه في كثير من المحطات لامس طموح المغاربة ورغبتهم في الارتقاء بمستوى مشهدهم الإعلامي، وسد حاجتهم الى برامج حوارية تعالج قضاياهم السياسية والاجتماعية بعمق، وفي هذا الصدد، حقق معد البرنامج «السيد مصطفى العلوي» بعض الصولات التي تحسب له، وحقق البرنامج بحكم نوعيته وتيرة استقطاب عالية، إلا أنه ومع مرور الوقت تبين أن برنامج «حوار» يتجه نحو اغتيال نفسه ببطء، بعدما تبين أنه يسير في نمطية رتيبة، ويدور في دوامة مغلقة، يمكن تحديد ملامحها في ثلاثة عوامل أساسية: العامل الأول، ويتعلق بمعد البرنامج نفسه «السيد مصطفى العلوي» حيث سجن نفسه ومعه البرنامج، حين حدد لنف سه منهجية تدبيرية قارة، تتحكم فيها مقاربة التوجيه والمراقبة الذاتية، لينضبط البرنامج وفق النسق الرسمي، حيث لوحظ أن جميع حلقات البرنامج تخلص في النهاية إلى مغالطة الرأي العام وتعويم الحقائق، بإرسال كل رسائل الفشل وخطابات التقصير إلى عناوين الأحزاب، كما أن توجه الانتصار لجهة سياسية على حساب جهة سياسية أخري، كانت من خلفيات المنهجية التي خُططت للبرنامج، هذا بالإضافة إلى ابتذال المحاور، التي أصبحت معروفة سلفاً لدى الجميع، الأمر الذي خفَّض من وتيرة الاستقطاب بشكل ملحوظ. العامل الثاني، ويتمثل في الانحسار البشري الذي اختاره البرنامج لنفسه، حيث حصر منذ انطلاقته الأولى لائحة الوجوه التي تتناوب على حلقاته، وكأنها الوحيدة التي تمتلك مفتاح السر السياسي في بلادنا، على الرغم من أن الطفرة السياسية التي يعرفها مغرب اليوم، قد كشفت وبالملموس عن محدودية الرؤية السياسية لدى هؤلاء، وعن ابتذال خطاباتهم، وأن لغتهم الخشبية لم تعد تُجدي مع رياح التغيير وتحولات المجتمع المتسارعة، بل والأكثر من ذلك أن بعض الوجوه التي تختفي وتظهر على واجهة البرنامج، والتي يعرف الجميع ظروف نشأتها وتعدُّد معاطفها ومراكزها وأدوارها باختلاف المراحل السياسية، هي التي يُصر البرنامج على تداولها، رغم ملامح الأزمة التي تغزو قسماتها، وكأن البرنامج يسعى من خلال هؤلاء على تحريض ذاكرة المغاربة واستفزازها لتستحضر من خلال هذه الوجوه، كل ما يثير مشاعر اليأس والبؤس وفقدان الثقة في المستقبل السياسي. العامل الثالث، ويبدو في كون البرنامج أصبح يندرج في تصور الضيف، وكأنه فرصة من فرص حملاته الانتخابية، أو كأنه مجرد اجتماع من اجتماعات حزبه، فيستقطب من حوارييه من يؤمِّنُ له التأييد لأطروحاته بالتصفيق من جهة، ومن جهة أخرى يشكل له الدرع الأمين، للتصدي لكل ما قد يزعجه من أسئلة الصحفيين المحاورين، وقد يتعدى الأمر الى التهديد والاستفزاز، كما هو شاهد من بعض الحلقات. والخلاصة، نؤكد للسيد «مصطفى العلوي» على أن برنامج «حوار» برنامج نحن في أشد الحاجة إليه، وأن مساره لايخلو من فائدة رغم هفواته التي تبدو متعمدة وغير عفوية، ونأسف أن يستمر هذا البرنامج على نفس النهج، لأن ذلك سيؤدي به لامحالة إلى إقبار نفسه، وهذا ما لانتمناه له، ولذا على السيد «مصطفى العلوي» أن يغير رؤيته في المشهد السياسي، ويدرك أن المغرب يتجدد، وأن فك الحصار على الشأن السياسي وتحرير قطاعه من الوجوه والأسماء المكرورة التي تحتكره، هو السبيل الى إعادة الروح الى البرنامج، وفي هذا السياق أسأل السيد «مصطفى العلوي» : هل الشأن السياسي ومناقشته حكر على أصحاب الأحزاب فقط؟ وما سبب القطيعة التي يقيمها البرنامج بينه وبين المثقفين، وبينه وبين الفنانين، وبينه وبين مكونات المجتمع المدني..؟ أليس هؤلاء من يشكلون ظاهرة القرب من الواقع، والسياسة هي فن تدبير الواقع؟ ذات حلقة من حلقات البرنامج، طل علينا عميد الأغنية المغربية «عبد الوهاب الدكالي»، فأمتع بحلمه وإبداعه ورؤيته المشاهدين، فمن حاصر هذه المحاولة ومنعها من الاستمرار..؟ الطاهر جوال