الأمن عنوان سيادة الدولة.. إذ لايمكن أن نتصور هذه السيادة بدون أمن ولا أمان حيث يعيش المواطن متوجساً وفي خوف دائم على حياته وممتلكاته وعرضه. وظيفة الأمن هذه تقوم بها فئة من الموظفين ظلت تتجاذبهم قوانين النظام الذي يخضعون له على المستوى الوظيفي مما جعل وضعيتهم يكتنفها الكثير من الضبابية والتداخل حتى لانقول الغبن. إنهم رجال الأمن الذين يطاردون المجرمين والمنحرفين ويساهمون بمشقة في استتباب الأمن ويحرسون مرافق الدولة وينظمون المرور ويسارعون إلى النجدة.. وهم يقومون بذلك رغم الحيف الذي يعانونه على مستوى المردودية في ظل هزالة الأجور والتعويضات وغياب التغطية الاجتماعية ولاشيء غير تنفيذ الأوامر. وكانوا أحوج مايكونون إلى مبادرة مهمة وجريئة على شكل القانون الأساسي لموظفي الأمن الذي أعلن جلالة الملك، يوم الاثنين الماضي، عن بدء تنفيذه. الأمر وما فيه يتعلق أساسا بنساء ورجال الأمن، ويحدد بدقة درجاتهم وترتيب أسلاكهم، كما يحدد شروط توظيفهم وما يتعلق بالترقية والأجور والتعويضات.. هذا النظام يمكن اعتباره جامعا وإن لم يكن مانعا بحكم أن نساء ورجال الأمن الوطني يستحقون كل الاهتمام المطلوب وأكثر على اعتبار الدور الحيوي الذي يقومون به والتضحيات الجسيمة التي يبذلونها. وأول ما يسترعي الانتباه في هذا النظام الأساسي هو التغيير الشكلي الذي جاء به، إذ أنه يحذف مصطلح الإدارة العامة للأمن الوطني ليتحول الى المديرية العامة للأمن الوطني.. وهي مديرية تتوزعها مجموعة من المديريات ويرأس كل واحدة منها مدير مركزي يعين بظهير. ويتضمن النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني شبكة أجور أصبحت موزعة على ثلاثة أصناف: الراتب الأساسي زائد التعويضات العائلية زائد التعويضات الخاصة.. وهو ما من شأنه أن يضفي على أجور نساء ورجال الأمن منحى تصاعديا وارتفاعا يوازي الخدمات الجليلة التي يبذلونها.. كما من شأنه أن يساهم في انعاش وتحسين القدرة الشرائية والمعيشية لأسرة الأمن خاصة وأن رجال الأمن ظلوا يعانون من هزالة الأجور التي لم تكن تفي بالكاد لتلبية مطالب حياتهم وحياة أبنائهم. ثم هناك الترقية التي حسب الظهير الشريف، لم تعد مرهونة بغياب أو توفر المنصب المالي، بل سيتم تنفيذها مباشرة حين توفر شروط الترقي.. فيما نجد الترقيات الاستثنائية يؤخذ بها كحافز وتشجيع تمنح لمن قاموا بأعمال استثنائية جريئة أو تعرضوا لمكروه حين مباشرتهم لمهامهم. ولأول مرة في المغرب، نجد، حسب النظام الاساسي الجديد، ان بإمكان نساء ورجال الأمن تنظيم أنفسهم في جمعية أو الانخراط فيها، شريطة موافقة المدير العام للأمن الوطني والالتزام بالوفاء لثوابت الأمة والوطن. إضافة إلى ما سبق ينص النظام الاساسي في مجال التعويضات على أحقية رجال الأمن في التعويض عن الأعمال الاضافية وعن السكن في حالة عدم توفر المعني على سكن وظيفي. ويبقى أنه بالاضافة الى كل ذلك ستحدث مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني لبلورة المزيد من المكاسب الاجتماعية لنساء ورجال الأمن وأفراد أسرهم.. وإذن فإن تصديق جلالة الملك وإصداره أمرا مولويا شريفا بتنفيذ الظهير الشريف الخاص بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، يعتبر في حد ذاته بادرة مولوية كريمة تعيد الكثير من الاعتبار، لفئة ونساء رجال الأمن الوطني، وهي بادرة تستحق منا كل استحسان وتنويه بالعطف المولوي السامي الذي أولاه ويوليه جلالة الملك للساهرين على الأمن ولكافة شرائح هذا الشعب الوفي.