تفاعلت بعض محاكم المملكة وعلى رأسها الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية مع حدث صدور مدونة السير الجديدة؛حيث تم تنظيم يوم دراسي هام شاركت فيه فعاليات من فضاء رجال العدالة ووزارة التجهيز والنقل وغيرها؛وكانت مناسبة هامة لتسليط الأضواء على أهمية الوظيفة القضائية في إنجاح تطبيق مدونة السير. بداية إن وزارة التجهيز والنقل لعبت دورا أساسيا في إشراك العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية؛في بلورة مضامين مشروع مدونة السير؛بشكل مبكر قبل عرضه على أنظار المجلس الحكومي والوزاري والبرلماني والنقابي والجمعوي المهني؛ومن بين هذه المؤسسات الحكومية وزارة العدل التي ساهمت بشكل هام في إعداد المشروع من خلال ثلاث محطات أساسية؛وهي محطة اللجنة الوزارية للسلامة الطرقية التي يرأسها الوزير الأول؛ومحطة اللجنة الدائمة للسلامة الطرقية كأداة تنفيذية للجنة السابقة ؛حيث أن وزارة العدل هي ممثلة فيهما معا؛ثم محطة تدارس وزارة التجهيز والنقل للمشروع مع مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل بشكل معمق في جلسات ماراطونية مطولة لمدة شهرين تقريبا أسفرت عن نتائج بالغة الأهمية. إن وزارة التجهيز وهي تصدر مشروع مدونة السير إلى حيز الوجود راعت بعين الاعتبار العديد من المرجعيات القانونية؛نذكر من بينها على سبيل المثال: ترأس جلالة الملك للجنة الوطنية للسلامة الطرقية في 18 فبراير 2005؛ والدوريات الصادرة عن وزير العدل الموجهة إلى جهاز النيابة العامة بالمملكة في السنوات الأخيرة؛بشأن الإسهام في إيقاف الارتفاع المهول لحوادث السير؛ من بينها على سبيل المثال كل من دورية يونيو 2004 ويونيو 2006؛ اللتين فرضتا التعامل بنوع من المسئولية والالتزام في عمليتي معاينة الحوادث ومتابعة مخالفي قانون السير؛كما أن المدونة راعت مبادئ وأهداف السياسة الجنائية العامة من خلال سياستها في التجريم والعقاب شكلا ومضمونا في موجبات القانون الجنائي و قانون المسطرة الجنائية. إن أعضاء لجنتي مجلس النواب ومجلس المستشارين اللتين صادقتا على مشروع مدونة السير أسندوا العديد من الصلاحيات القانونية إلى جهاز العدالة؛إلى حد تمتيع القضاة بسلطات تقديرية هامة في مساءلة مخالفي مدونة السير في العديد من المجالات؛كالحكم في قضايا أداء الغرامات و توقيف رخص السياقة و الحكم بإيداع المركبات بالمحجز وفي المخالفات والجنح المؤدية إلى الجرح أو العاهة المستديمة أو القتل غير العمدي أو غيرها بالحكم بالسجن و بالذعيرة المالية أو بإحدى العقوبتين؛عوض ترك البعض منها في يد الإدارة المعنية بالنقل أو في يد أعوان المراقبة؛وهي مسئولية جسيمة تراهن فيها الحكومة والبرلمان على النجاعة القضائية بهذا الشأن؛مما يتطلب معه على القضاء أن يبرهن عن احترافيته وخبرته العالية؛في ظرف يعلم فيه الجميع بأن لا زالت ثمة مآخذ وانتقادات على جهاز القضاء ذاته؛ينتظر فيه بشوق كبير بروز مشروع الإصلاح الجديد للقضاء الموعود به من طرف جلالة الملك. إن رجال القضاء أنفسهم أشادوا في بعض مداخلاتهم بمدونة السير الجديدة لما فيها من فصول وبنود تسد الثغرات والنواقص التي كانت في قانون السير الحالي وتعفي القضاة من تعب البحث والاجتهاد في قرارات المجلس الأعلى بهذا الشأن؛وهي نواقص تم اكتشافها حتى في القانون الجنائي ذاته؛كما هو الشأن في مسألة تحديد المسئولية الجنائية في الجنح المؤدية إلى الجروح والقتل غير العمدي في المواد 432 و433 و434؛إلى حد أن المدونة الجديدة توسعت في سرد المزيد من ظروف التشديد في عقوبات هذا النوع من الجنح؛عوض نوعين اثنين من هذه الظروف يسردهما القانون الجنائي؛وهما:السكر والفرار من مكان الجريمة. ولا تفوت المناسبة دون الإشارة إلى أن من إيجابيات المدونة الجديدة فصلها لثلاثة مستويات من المخالفات حسب درجة خطورتها :مخالفات من درجة أولى وعددها 35 ومخالفات من درجة ثانية وعددها 30 مخالفة منصوص عليها بتفصيل وأخرى من درجة ثالثة وعددها كثير جدا يكمن فيما هو غير منصوص عليه في هذين النوعين؛حيث تبقى فيه سلطة تقديرية لأعوان المراقبة فيما لم يتم احترامه من قواعد خاصة بقواعد السير على الطريق. وعلى صعيد الجنح المعاقبة ميز المشرع في الباب الثاني من القسم الثاني من الكتاب الثاني من مدونة السير بين خمسة أنواع من الجنح:يميز بينها على مستوى الطبيعة؛يتعلق أولها برخص السياقة وثانيها بالمركبات وثالثها بالجروح والعاهات المستديمة ورابعها بالقتل غير العمدي وخامسها بسلوك السائق المتهور في تجاوزاته لقانون السير؛كما أن هذا لا يحول دون الإشارة إلى مخالفات وجنح أخرى حددتها المدونة بنوع من التفصيل في الكتاب الثالث تتعلق بكل من مخالفات تعليم السياقة والتربية على السلامة الطرقية والمراقبة التقنية؛وكذا بالمخالفات المحددة في الكتاب الرابع المتعلق بقواعد المحافظة على الطريق العمومية. [email protected]