أثار انتباهي الحشود التي غصت بها الطرقات فاعتقدت أن هناك استقبالا رسميا يشهده مسجد الحسن الثاني.. لكنني فوجئت حين علمت أن تلك الجماهير تتجه صوب المعرض الدولي القريب من مسجد الحسن الثاني لحضور معرض الكتاب. افرحني المشهد الرائع لأسراب الفتيات والشبان والآباء والأمهات وأطفالهم قاصدين أروقة المعرض. إنه موكب يبشر بالخير.. والأمل.. والثقة ليس هذا هو الزحام الذي كان يستفزني في مقاهي القمار ولا هو الزحام في القيصاريات والأسواق ولا هو الزحام أمام أبواب الملاعب ولا هو الزحام كلما وقعت حادثة سير أو انفجر صراع بين متعاركين. اذن فزحام البيضاويين يكثر حتى من أجل الثقافة والادب والفن. وعندما ولجت المعرض.. اسعدني أكثر: حضور كل هؤلاء البيضاويين والبيضاويات في مهرجان حضاري غصت به كل أروقة المعرض.. وتزاحمت في ممراته صفوف الزائرين.. انه نفس الزحام الذي طالما عاينته في سهرات »الشيخات« والمسرحيات الهزلية والثنائيات المضحكة.. هو نفس الزحام في المقاهي على مباريات الوداد والرجاء والريال والبارصا. هو نفس الزحام على اقتناء الاثاث المنزلي وأواني الطبخ هو نفس الزحام.. أمام »الفراشة« لشراء الاحذية الرياضية وأزياء النساء وملابس الرجال والأطفال. هو نفس الزحام.. على اختيار الهواتف المحمولة والتجهيزات الالكترونية.. هو نفس الزحام ولكنه هذه المرة.. من أجل الثقافة والفكر والعلم. ما أروعك يا »كازا« وكم فيك من جمال وعواطف ... انسانية.. وأخلاق سامية.. ومواطنين شرفاء ونساء عفيفات ورجال ورعين وأطفال ملائكة ولكنهم لا يصورون في السينما الا لقطات العري والدعارة في عين الذئاب ولايكتبون الا عن مروجي المخدرات واللصوص والعاهرات والمحتالين والمتربصين في شوارع وأزقتك ودروبك وأنت أيتها العزيزة الغالية.. كالبحر.. يخافون من امواجك العاتية.. ويحذرون من الغرق في اعماقك.. فانت كالبحر الذي قال عنه المتنبي: يقذف للقريب جواهرا جودا.. ويبعث للبعيد سحائبا.. وانت كالبدر: من حيث التفت رأيته يهدي الى عينيك نورا ثاقبا.. وأنت كالشمس في كبد السماء وضوئها.. يغشى البلاد مشارقا ومغاربا. فساكنة الدارالبيضاء كلما أتيحت لهم مناسبة سعيدة أبرزوا مافي قلوبهم وعقولهم وأحاسيسهم من حب وذكاء وعاطفة جياشة.. فتراهم في عيد الأضحى يتفنون في اعداد أطباق شهية من لحوم الاغنام وتراهم في عيد الفطر يبدعون في صنع حلويات لذيذة وتراهم في عيد المولد النبوي يفرحون باقتناء ملابس زاهية لأطفالهم وتراهم في الاعيادة الوطنية.. يعبرون عن حبهم الكبير لبلادهم وملكهم. وقد جعل البيضاويون من مناسبة معرض الكتاب عيد الثقافة والفكر.. وأكدوا على مدى شغفهم واهتمامهم بالكتب الدينية.. والمؤلفات الادبية.. والابحاث العلمية.. والدراسات التاريخية. نتمنى أن تلتفت وزارة الثقافة لهذا الاقبال على معرض الكتاب الذي جعل منه البيضاويون عيدا. وتعم فرحته على كل الشعب.. بتقريب المكتبات الشعبية من الاحياء... وطبع الكتب المفيدة وتوزيعها على المدارس والاعداديات والثانويات والمساجد.. وعرضها للبيع بأسعار تراعي القدرة الشرائية للمواطنين.