نشرت الزميلة الاتحاد الاشتراكي في عددها الصادر يوم الثلاثاء 4 فبراير 2010 مقالا عن الأستاذ عبد الجبار السحيمي (شافاه الله) بقلم الزميل طالع السعود الأطلسي نعيد نشره فيما يلي: الرجل الذي غاص اليوم في «صمته» عميقا... الرجل الذي تلفف بخيوط شرنقة كثيفة... الرجل الذي انسل منسحبا من «الكراسي» حولنا الى التمدد في محبتنا له. ذلك الرجل، هو من ملأ حياته، بلا دوي، بالوقوف هادئا في مواجهة الصخب... صخب البحر يعارك موجه ليلا ونهارا... صخب السياسة ينفر منه سرا وجهارا... صخب الصحافة يلطفه إذا شاء أو ينفثه شرارا... صخب الأدب يحوله لحنا يدمع الأحاسيس مرات أو يعلن النفير في الحماس للأمل مرارا. إنه الجمع في صيغة مفرد، فريد، وليس أحدا غيره.... العلم عبد الجبار السحيمي أو كما في اللغة الحسية للهنود الحمر«الرجل الذي حمل أحزاننا على ظهره»، حين يقول الواحد منهم عن الآخر: الصديق. الأديب، مهندس الخيال، كاتب «القصة القصيرة التي تحولت لديه الى القصة العميقة، الدسمة، السميكة، «العريضة» الصارخة بحقنا في تليين «المستحيل» وانتزاع «الممكن» منه. وقد كتب ممكنه منها وليس غزيره، بما انتج نوعا شامخا في جغرافية الأدب المغربي، يقف على «رقعة» محدودة الكم... كما هو أصلا في «عقيدة» حياته... لايزاحم أحداً على «مساحة» ولا على «تفاحة». يكفيه ما يتواجد فيه وعليه لكي ينسج بأنوال الكتابة المغربية... نسيجه المميز. يتميز بأنه متعدد المميزات. ولافرق بين مميزاته. فعاليته النوعية في حزب الاستقلال أنه يعترض و لايعارض، يقول ولايتحدث، يواكب ولايساير... ينضبط ولايخضع. ضمير لايدعي الحكمة، رافض لايدعي الثورة استقلالي خام، وفي للمؤسس الزعيم الوطني والمفكر الفذ علال الفاسي.... وفي للعقيدة للقسم وللنشيد... بقدر وفائه للاستقلالية في التفكير والتعبير وبقدر حرصه على استنباط تطرق الحد الأدنى من أقصى الاعتدال في التعاطي مع الشأن السياسي العام، الذي كان «يعترف» أنه «لايفهمه. مفضلا أن «يحتل» موقعا نوعيا في القيادة «المعنوية» للحزب.... تلك التي تتنفس عبق تاريخ كفاحي ، مشترك، كبحت تمدده تضاريس نتأت في جغرافية السياسة، ولذلك كان له موقعه المميز في ساحات «العمل» المشترك بين فصائل الحركة الوطنية والديمقراطية المغربية، من نوع اتحاد كتاب المغرب... والأهم.... الأهم أنه كان فاعلا في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و كان لي شرف أن أكون في «الخلية» الأولى التي عهد لها بالتفكير في إمكانية تجميع «الجهد» الحقوقي الوطني في حركة واحدة... وكنا نجتمع في جريدة العلم بمبادرة من عبد الجبار السحيمي. نفس عبد الجبار الذي كان يمدني بجريدة «23 مارس» التي كانت تصل من باريس إلى العلم ويطلع عليها الأستاذ والأخ الأكبر محمد العربي المساري ليوجهها نحوي... وتلك واحدة من التواطؤات التي تعج بها العلاقة الاستثنائية بين العربي وعبد الجبار... في حالتي «تواطئا على ضمي للعمل في جريدة حزب الاستقلال سنوات 76 - 77 و78 وهما يعرفان أني معتقل سياسي سابق من حركة 23 مارس الماركسية - اللينينية «تعادي» الحزب أصلا وفعلا... وأبدا لم يتحدث أحد منهما أمامي عن مناقب الحزب ومزاياه و... بل اقترح علي مرة العزيز عبد الجبار أن أختفي في بيته «الذي لن تجرؤ الشرطة على تفتيشه» كما قال لي ساعة توصلت باستدعاء من شرطة الاستعلامات العامة بالرباط في واحد من أيام 1977. وكنت قد أجبته بأن الاستدعاء الأزرق اللون لا يفيد بأن وراءه مكروها... أيامها «المصالح الخاصة» لا تستقبل الاستدعاءات الزرقاء لاعتقال الناس... تستعمل «الفاركونيت» كما في أروع ما كتب عبد الجبار السحيمي سنة 1973. انصهاره في صوغ تاريخ، ما فوق وما وراء صفحات - جريدة العلم - ميزة بطعم النقش على جدران الذاكرة الوطنية، لنقل إن إدارته لجريدة العلم، حاليا، وهي تحصيل لمستحق، ليست هي أبرز ما ستحفظ له الجريدة - الرمز في الصحافة المغربية»... منجزاته في سجلها الصحافي عامة وفي الثقافي منه خاصة وفي المشترك ما بين الثقافي والسياسي وعلى امتداد أزيد من أربعة عقود... منجزاته غزيرة، كثيفة ومتنوعة. بحيث تشكل لوحدها بكمها ونوعها «العلم» أخرى... ويكفي أن نستحضر منها اليوم إشرافه على «الملحق الثقافي» سنوات جزر الحركة التقدمية المغربية الذي لم يتقيد قط بالاعتبارات الحزبية، إن سلبا أو إيجابا، في إنتاج إبداع مغربي غني، مفعم بنبض الحياة المغربية، ومعبر عن ما اعتراها من آلام وتولد فيها من آمال... وأبرز الأسماء المرتبطة بذلك الإنتاج وبذلك الرصيد المعنوي للوطن هي اليوم أكثرها من غير حزب الاستقلال، مناجم إبداع ونجوم متألقة»... أول ما أشعت وأدركها الضوء... في «الملحق» الذي أشرف عليه عزيزنا المتألق عبد الجبار السحيمي. له أن يختار الإصغاء لذاته... أن يعزل ذاته عن موضوعها... غير أن الصمت لن يمتصه... ما أنجزه ينشده كل يوم ويذكره، بل ويغنيه ويتصاعد في تناغم مع صخب حياة اسمها عبد الجبار السحيمي... هي أصلا في مبناه ومعناه تشكلت ونمت ضد الصمت.