في حديث الجمعة الأخير تناولنا موضوع الدين والحقيقة عند الزعيم الهندي «غاندي» وكان الهدف من ذلك رغم الاختلاف الأساس بين عقائد الإسلام وقيمه ومبادئه والتوجه العام لغاندي في مجال الدين والعقيدة، ولكن الإيمان بأن الدين أساس في حياة الإنسان وان ممارسة أي عمل مهما كان إذا غابت عنه العقيدة والروح الأخلاقية المنبثقة عنها يكون عملا ناقصا، كان عملا سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا فالروح الدينية هي التي تعطي لكل عمل قيمته المعنوية وهي التي تجعل الحياة جديرة أن يكدح فيها الإنسان ويشقى. وفي حديث اليوم نعود مرة أخرى لنفس الموضوع وهذه المرة مع مفكرين عظيمين أحدهما من الغرب والآخر من الشرق والهدف لا يزال هو الهدف وهو التأكيد على أهمية الدين في حياة الناس وأن مقولة إبعاد الدين عن السياسة معناه إبعاد الدين عن الحياة العملية للناس ومعناه فتح الباب أمام الجانب الحيواني غير المهذب من الإنسان ليفترس ويتلاعب بحياة الناس ومصالحهم بممارسة كل أنواع القهر الاجتماعي والاستغلال والاحتكار وجعل التخلف سمة ثابتة لدى الناس وإبعادهم عن الروح الحضارية الحق والتقدم والرفاهية، ويجب التأكيد أن الأفكار الواردة لا يعني إيرادها الأخذ بها فلنا من ديننا وعقيدتنا ما يغني ولكن فقط لتذكير من يتجاوز الحدود في علمانيته انه خارج سرب التفكير السليم المبني على الاعتدال في كل شيء من المفكرين والباحثين من يستطيع ان يفرض نفسه على الناس وعلى الساحة العلمية والفكرية بجهده وعلمه، ومنهم من تخدمه الظروف رغم قلة الزاد المعرفي وضآلة البضاعة العلمية، ومن الذين كان لهم زاد علمي ومعرفي في ميدانه ويضرب به المثل المؤرخ الانجليزي (ارنولد توينبي) الذي استطاع بما قدمه من دراسة في التاريخ وبمنهاجه ان يحتل الصدارة بين العلماء والباحثين في التاريخ وتاريخ الحضارات، واستطاع بما أوتي من أفق واسع ان يلامس بعمق المشاكل السياسية والثقافية والحضارية في العالم، وكتابه دراسة في التاريخ شاهد على ذلك وليس هذا مقتصرا على الماضي فقط ولكن حتى بالنسبة لقضايا العصر وقضايا العرب بالذات، وكان من المتفائلين بتحقيق الوحدة بين العرب، كما كان متنبئا حتى قبل ظهور مقولة صراع الحضارات على ما يمكن ان يحصل في هذا السياق. وليس هدفنا من خلال هذا الحديث ان نتكلم عن دوره وكتاباته ولكن الهدف من هذا الحديث شيء آخر اننا في هذا الحديث نود ان نعرف رأيه بجانب رأي مفكر وفيلسوف ياباني في قضايا من صميم معاناة الإنسان والإنسان العربي المسلم بالذات رغم مرور قرابة نصف قرن على هذا الحوار بيم مفكرين احدهما من الغرب توينبي مسيحي والآخر من الشرق من اليابان وهو (دايساكو إكيدا) بوذي فإنه لا يزال يحافظ على أهميته واختار المترجم ان يقدم الكتاب تحت عنوان »التحديات الكبرى: الحياة والدين والدولة« ترجمة محمد منقذ الهاشي ونشر وزارة الثقافة السورية. وفي تقديم الكتاب والترجمة يقول المترجم: »وبين 1971 و 1974 اجتمع توينبي وإكيدا في لندن وكان بينهما هذا الحوار الذي سجل وأعده ريتشارد ل. غيج للنشر. وقد نقح توينبي نص الكتاب ووافق عليه قبل مرضه الأخير. وظهرت الطبعة الانجليزية الأولى منه سنة 1976 بعنوان »اختر الحياة« وفي السنة نفسها بعنوان »على الإنسان بنفسه أن يختار« عن منشورات »كودانشا العالمية« في طوكيو ونيويورك، ثم تتالت الطبعات والترجمات إلى أكثر لغات الأرض. وإنه لمن دواعي سروري أن أقدمه اليوم إلى القارئ العربي بهذا العنوان: »التحديات الكبرى: الحياة والدين والدولة« وهو عنوان أوحته الاهتمامات الرئيسية في هذا الكتاب وهي نفسها أهم اهتمامات المفكرين العرب اليوم« اه ص:7. وفي المقدمة التي وضعها تونبي للكتاب خرج في موضوع الدين بالخلاصة التالية: »وعلى الرغم من الفارق بين الخلفيتين الدينية والثقافية للمؤلفين، فإن حدا ملحوظا من الاتفاق في وجهات نظرهما وأهدافهما قد ظهر في حوارهما. إن اتفاقهما بعيد المدى، ونقاط اختلافهما هي نسبيا طفيفة. وهما يتفقان في أن الدين هو النابض الرئيس في الحياة الإنسانية. ويتفقان في أن الإنسان ينبغي له أن يكون مكافحا على الدوام للتغلب على نزوعه الفطري إلى محاولة استغلال بقية الكون وينبغي له أن يحاول بدلا من ذلك، أن يضع نفسه في خدمة الكون وبذلك ومن غير تحفظ يصبح أناه متواحدا مع الواقع الجوهري، وهذه هي عند البوذي حالة البوذا. وهما يتفقان في أن هذا الواقع الجوهري ليس شخصية إلهية شبيهة بالإنسان« اه ص:11. هذا الجانب الذي يتفقان فيه هو الذي أردت أن أشرك قارئ حديث الجمعة على بعض ما جاء فيه. وهو الجانب المهيمن في فصول الكتاب كله. لاشك أن الحديث في السنوات التي عاصرت الحوار بداية السبعينات والتي جاءت بعد ذلك اخذ النقاش حول الدين وأهميته في الحياة السياسية للدول والشعوب حيزا كبيرا من اهتمامات المفكرين متدينين وملحدين من كل الأقوام والشعوب ومن المنتمين لمختلف الديانات والحضارات فالدين هو الأمر الذي لا يستطيع أحد ممن يشتغل بالسياسة أو الثقافة أو بهما معا أن لا يخوض فيه وأن لا يهتم بتأثيره على حياة المجتمعات الإنسانية ولاسيما بعد ظهور مقولة صراع الحضارات وما تلا ذلك من عقد ندوات الحوار حول الثقافات والحضارات وتكامل ثقافات الشعوب وحضاراتها مع بعضها البعض أو تضادها وصراع بعضها مع البعض. وفي حديث الجمعة لا نريد ان نذهب بعيدا في هذا الموضوع ولكن نكتفي بما يروج عندنا تبعا لما يروج عند الغير، فقد دأب بعض الناس على قلتهم ومحدودية تأثيرهم في المجتمع ومجرى الأمور يخوضون من غير مسؤولية في قضايا الدين فبدأنا نقرأ ونسمع نغمة بعيدة كل البعد عما نشأ عليه المجتمع المغربي منذ مآت السنين، فنحن نسمع هجوما هنا وطرحا هناك ضد القيم الإسلامية الأصلية في بلادنا فمن تهجم فج ومجاني على القرآن الكريم إلى إصدار فتاوى لحلية الخمر وانه شان شخصي ولا يهم المجتمع أمر تداوله وعرضه على الناس من غير رقيب إلى فتوى بأن لا سياسة في الدين إلى غير ذلك من الأمور التي أصبحت نبرة أصحابها عالية بل تحاول ان تأخذ المجتمع والدولة نحو أطروحاتها الغربية وفكرها النشاز داخل المجتمع المغربي وقيمه الإسلامية والحضارية لهذا رأيت أن اطرح بعض قضايا تتعلق بالدين كما طرحها المتحاوران وذلك في فصل بعنوان: الأدوار التي يؤديها الدين: الدين يوصفه مصدر الحيوية: إكيدا: يعلّم التاريخ العالمي أن الحضارة، كالكائنات الحية، تمر بدورات متكررة من النشوء والنمو والأفول. وقد أظهرت مصر عدة حضارات وثقافات خلال تاريخها القديم والحديث: عصر الفراعنة، حيث بنيت الأهرامات؛ وعصر الحكم الروماني، حيث نشأت الكنيسة المسيحية القديمة القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح؛ والعصر الإسلامي؛ والجمهورية الحديثة. وفي مراحل متعددة من الزمان، تُنْجِزُ الخصيصة الحضارية لشعب من الشعوب مراحل متعددة من النمو، ولكن في مجرى الزمن العام، تُظهر كل حضارة عملية النشوء والنمو والأفول. وبهذا الصدد يخطر في الذهن سؤالان. أولا، ما هي الحيوية التي تسبّب الحضارة؟ ثانيا، ما مصدر هذه الحيوية في الشعوب التي تنتج هذه الحضارة؟ والجواب عن السؤال الأول هو المجتمع، والعيش الجماعي، ووقت الفراغ. وهذه الأمور الثلاثة وثيقة الاتصال بازدياد الإنتاج، الذي بخلقه فائضا في السلع يشجع على ولادة الفنانين والمهندسين المعماريين والشعراء واللاهوتيين والإداريين وتطورهم. والجماعات المنظمة هي المصدر الذي يبلي الحاجة إلى تركيز القدرة البشرية المطلوبة لإنجاز أنواع المشاريع التي تُقضي إلى الآثار التاريخية الباقية. والوقت الخالي يساعد الناس على الإبداع. الرابط الروحي هو الدين: توينبي: كان الشرط الذي يتيح قيام الحضارة هو الفائض في الطعام والسلع المادية الأخرى التي تتعدى ضروريات الحياة المادية المجردة. وإنتاج هذا الفائض جعل في الممكن خلق أعمال غير اقتصادية ركامات التراب فوق القبور في المنطقة الخلفية من »ساكي« Sakai في اليابان، والأهرامات المصرية والمكسيكية، ومعابد ألمانيا والخمير Khmer. والفائض جعل من الممكن كذلك شنّ الحروب والمحافظة على الأقلية التي كانت معفاة من تمضية الوقت في إنتاج ضروريات الحياة ولذلك تمضيه جزئيا في العبث والترف، ولكنها، ولكنها تمضيه جزئيا كذلك في المناسك الدينية والاهوت والإدارة وفن العمارة والفن البصري والأدب والفلسفة والعلم. وكانت كل حضارة مدينة في نشوئها ونموها والمحافظة عليها للعمل الإبداعي لقلة من الأقلية ذات الامتياز. وأتاح تعاون الجماهير لهذا العمل أن يثمر. وكان الإيمان الديني المشترك هو الرابطة الروحية التي جعلت هذا التعاون ممكنا، على الرغم من التفاوت الجائر في توزيع نتاج الجهود المشتركة لكل طبقات الجماعة وبرغم سوء استخدام الجزء الأكبر من فائض الإنتاج لشنّ الحروب وتوفير وسائل الترف للأقلية ذات الامتياز التي لم تقدم للمجتمع مقابل ذلك أية خدمة مكافئة في أغلب الأحوال. الفلسفة والدين: إكيدا: أنا لا أرى أن فائض الإنتاج هو وحده الذي أحدث الحضارات. ومن الواضح أن جانبا من النشاط الإنتاجي قائم على غاية هي خلق وفرة من أفضل سلع الحياة اليومية، ولكن هذا لا يفسر الهدف الذي يحرض الإنسان على محاولة وضع الفائض من وقته وطاقته موضع الاستخدام ذي المعنى. وأعتقد أن الدين يشكل الأساس لذلك الهدف. ومع أن الفائض في القدرة الإنتاجية والتنظيمات الاجتماعية والجشع البشري قد تكون العناصر التي منها تُبتى الحضارات فهي لا تشكل الروح التي يجب أن تسري في الحضارة لتحييها. وأنا مقتنع أنه، لكي يتم ذلك، ينبغي للناس الذين يبدعون الحضارة أن يدركوا غاية أعمالهم. فجهود بناة الحضارة وخطط المصممين يجب أن تبدأ من هذا الإدراك. والشيئان اللذان يعطيان الناس القدرة على فهم مع معنى هدفهم والاتجاه الذي يجب أن يسيروا فيه هما الفلسفة والدين. إن الأهرامات تخبرنا بما هو أكثر من مجرد أن مصر في عصرها امتلكت فائض الطاقة البشرية، والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية، والتكنولوجيا الهندسية الكافية للقيام ببنائها. إنها تكشف قوة الرؤية المصرية للحياة والموت التي أوجبت تشييد النصب المأتمية الهائلة. وبكلمات أخرى، كانت هذه الفكرة الدينية هي التي قوّت رغبة المصريين في إنفاق طاقة العمل الضخمة في هذه المشروعات. وقد ألهم التوهج الديني بناء غيرها من نماذج العمارة الهائلة في العالم. ومنها معابد شعوب »المايا« Maya و» الأزتيك«Aztec و »الإنكا« Inca. أسلوب الحضارة هو التعبير عن ديانتها: توينبي: أعتقد أن أسلوب الحضارة إنما هو التعبير عن ديانتها. وأوافق كل الموافقة على أن الدين كان مصدر الحيوية التي أدت إلى وجود الحضارات وحافظت على وجودها خلال أكثر من ثلاثة آلاف سنة في حالتي مصر الفرعونية والصين منذ قيام ال »شانغ« Shang حتى سقوط ال »تشينغ« ِCh_ing سنة 1912. وقد نشأت أقدم الحضارات على الأراضي ذات الإمكانية الخصبة في مصر والعراق الجنوبية الشرقية. ولكن هذه الأراضي كان لا بد من جعلها إنتاجية بتصريف المياه والسقاية على نطاق واسع. وكان تحويل البيئة الطبيعية الوعرة إلى بيئة اصطناعية واعدة يجب أن يحققه الجهد المنظم لجماهير الشعب العاملة من أجل عائدات بعيدة . وهذا يتضمن بروز القيادة والاستعداد واسع الانتشار لاتّباع توجيهات القائد. ولا محالة أن الحيوية الاجتماعية والتوافقية اللتين جعلتا هذا التعاون ممكنا قد نشأتا من الإيمان الديني الذي يشترك فيه المقودون مع القواد. ولابد أن هذا الإيمان كان القوة الروحية التي جعلت بالإمكان إنجاز الأعمال الاقتصادية الأساسية العامة التي أنتجت الفائض الاقتصادي. فقد الايمان الديني سبب التفكك الاجتماعي: وكانت الآفتان الاجتماعيتان الموجودتان منذ البداية في الحضارات هما الحرب والظلم الاجتماعي. وكان الدين هو القوة الروحية التي جعلت كل مجتمع متحضّر يتماسك زمنا على رغم هذين المرضين المهلكين اللذين سببا استنزاف حيويته. وأنا أعني بالدين الموقف من الحياة الذي يمكن الناس من التغلب على الصعاب في أنهم بشر بإعطائهم أجوبة تبعث على الرضا الروحي عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بسر الكون ودور الإنسان فيه وبإعطائهم قواعد سلوك عملية للعيش في الكون. وفي كل مرة فقد الناس إيمانهم بدينهم، خضعت حضارتهم للتفكك الاجتماعي الداخلي والهجوم العسكري الأجنبي. والحضارة التي سقطت نتيجة فقدان الدين قد استُبدلت بها بعدئذ حضارة جديدة ألهمها دين مختلف. والأمثلة على هذه الظاهرة التاريخية هي سقوط الحضارة الصينية الكونفوشيوسية منذ حرب الافيون ونشوء الحضارة الصينية الجديدة التي حلت فيها الشيوعية محل الكونفوشيوسية؛ وسقوط حضارة مصر الفرعونية والحضارة اليوناينة الرومانية وحلول حضارات محلها أوحت بها المسيحية والإسلام. أما التخلي عن المراكز الخاصة بشعائر » المايا « في غواتيمالا الجنوبية فهو لغز لا يفسَّر. وليس لدينا دليل من الوثائق عليه. ولكن التخمين الأكثر إقناعا هو أن الفلاحين قد سحبوا دعمهم الاقتصادي للكهنة في آخر الأمر لأنهم فقدوا ثقتهم بقدرة الكهنة على جعل الحياة ممكنة الاحتمال. الامتزاج والامتصاص بين الحضارات: إكيدا: ما تزال هناك نقطة أخرى للنقاش فيما يتعلق بالحيوية التي تمكن الناس من ان يبدعوا حضارة. فقد أنتج بعض الشعوب حضارات سرعان ما افلت وزالت؛ وتشرب وتمثل غيرها العناصر الثقافية من حضارات أخرى لمجاراة الزمن ومنح ثقافاتها حياة جديدة والأمثلة الجيدة على الفئة الأولى هي هي شعوب » الإنكا« و »الأزتيك« و»المايا« في أمريكا؛ والخمير Khmers، الذين وصلت ثقافتهم إلى أوجها في » أنكوروات« Ankgor Wat، والأندونسيون الذين ابدعوا أعجوبتهم المعمارية في » بوروبُدور« Borobudur. والمصريون واليابانيون هم ممن ينتمون إلى الفئة الثانية. ومع أن الأوربيين لم تكن بهم هذه التجربة في الماضي، فقد تكون أحد الاختبارات التي يجب أن يجتازوها في العصر الحاضر من تاريخهم. توينبي: أوافق أن ثمة قيمة عالية وميزة كبيرة في الامتصاص الناجح لعناصر من الحضارات الأجنبية. وقد واجهت اليابان هذا التحدي بنجاح مرتين في تاريخها. ففي القرن السادس والسابع للميلاد تمثّلت الترجمة الصينية للبوذية الهندية ومعها الحضارة الصينية نفسها. وفي مائة السنة الأخيرة استوعبت اليابان الحضارة الغربية الحديثة. وتمثلت شعوب آسيا الشرقية القارية وإندونيسيا الهندوسية والبوذية. وتمثل الفييثناميون الحضارة الصينية، وتمثل الإندونسيون الحضارة الإسلامية بعد أن تمثلوا الهندوسية والبوذية. والحضارات في الأمريكيتين قبل اكتشاف كولومبوس والحضارات الأفريقية جنوبي الصحراء قبل التأثير العربي والأوربي في المنطقة قد زالت حقا. فبعد أن عزلتها الحواجز الجغرافية انقض عليها على حين غرة غزاة مزودون بأسلحة متفوقة لا تقاوم. ولكن هذه أحوال استثنائية. تساؤلات حول المصير والاستثناءات: إكيدا: إن شعوب إندونسيا حالما تبنت الهندوسية والبوذية كانت قادرة على إبداع حضارة عظيمة تمثلها الخرائب الرائعة في » بوروبدور. وبعد ذلك، تبنت الشعوب نفسها الإسلام، ولكنه لم يتح لها أن تنتج أي شيء يمكن أن يقارن بإنجازاتها الماضية. وأنا لا أدري ما جرى للخمير، مع أنهم ربما هم موجودون اليوم بين شعوب الهند الصينية. على أية حال، فكل ما لديهم لتمكينهم من بناء هياكل عظيمة كتلك الموجودة في » أنكولاوات « قد ضاع منذ زمن طويل. وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت التقاليد القديمة لهذه الشعوب تعود إلى الحياة، والفضل في ذلك لنمو الوعي للسيادة الوطنية والعرقية، واشتداد المجابهات بين الأمم المتقدمة، ونهاية الاستعمار. ولكن الإحياء الحالي لبعض الأعراف القديمة في تلك الثقافات التي طال قمعها لا يدل على يقظة ثقافية حقيقية جديدة. وفي الكثير من الأمثلة لا تكون هذه الإحياءات أكثر من تجليات لسياسات الحماية من الأمم المتقدمة، أو نتائج للاهتمام المتنامي بالأنثروبولوجيا الثقافية، أو مجرد معارض للسياح. والازدهار الإبداعي الحقيقي، الذي يتدفق صُعُدا من قلب الشعب، من شأنه أن يكون قوة كافية لإلحاق الهزيمة بالقامعين وللتخلص من الظروف المرهقة. الغرب والحاجة إلى دين جديد: توينبي: كما قلتَ من قبل، إن الشعوب الغربية، التي كانت في القرون الخمسة السالفة تتولى الهجوم على بقية الجنس البشري، قد زُجّت الآن في الموقع الدفاعي وسيكون عليها أن تواجه التحدي الذي واجهته اليابان مرتين. وكانت لليونان والرومان التجربة نفسها. فهجومهم العسكري والسياسي على جيرانهم الشرقيين قد اثار في آخر الأمر هجوما دينيا مضادا. وفي حوض البحر الأبيض المتوسط تم اهتداؤهم في آخر الأمر إلى المسيحية. والفاتحون اليونان لما هو الآن » آسيا الوسطى السوفييتية« والباكستان الغربية قد اهتدوا إلى البوذية. وهذا الحدث في التاريخ اليوناني الروماني، الذي نعلم فيه كيف انتهت القصة يعطينا تلميحا من التلميحات إلى الإمكانات المدخرة الآن للغرب الحديث. إكيدا: ربما كان لابد للثقافة الغربية من أن تواجه الأفول. وإذا كان الأمر كذلك ، وجب علينا أن نعلم المزيد عن الطريقة التي تنمو بها الحضارة الحديثة وتزدهر. وقد اتفقنا أن الدين يتسبب القدرة التي تمكن الشعوب من إبداع الحضارات. فما هو سبب الضعف الذين يمنع الشعوب الأخرى من القيام بإحياءات ثقافية حالما وقعت حضاراتها في أيام مشؤومة؟ توينبي: أنا أرى، كما أشرت منذ قليل، أن نجاح الثقافة أو إخفاقها عميق الارتباط بديانة الشعب. وهذا يعني أن الحضارة تقررها نوعية الدين الذي تتأسس عليه. هذا جزء من الحوار بين المفكرين الكبيرين وهو يوضح إلى مدى ارتباط نشوء الحضارات واستمرارها بالدين وان كل حضارة تختار الدين او تقرر الدين الذي تتأسس عليه، هكذا يرى توينبي والحوار لا يزال مستمرا بين المفكرين في الموضوع وبين غيرهم من الناس والمؤكد أن الدين سيبقى كما كان عنصرا أساسا في حياة الناس وعوض مقاومة الدين ودعوته فلنتعاطف معه ونحتضن قيمه الأخلاقية الكبرى لتلافي الظلم والقهر والاستغلال.