رمضان والطّهر سيان، لا فرق بين طهارة البدن وطهارة الروح. ومراتبُ الطّهارة تبدأ بالذهاب عند الحلاّق. ويكْفى أنْ تستقرّ فوق كرْسي الحلاّق الدّوّار، ليبدأ هذا الأخير، أي الحلاّق، في الإشتغال، ف «حلاقة» رمضان أشهر من نارٍ على علم. وقبل أن نعرف تسريحة «إلْفيس» و«جيّمس دين» وبموازاتهما تسْريحة «الخنافِسْ» أو «البتْلز» الشهيرة، قبل أن نعرف حلاقة «الكوبّاس» أي جزّ شعر الرّقبة بخطّ مستقيم يرتفع إلى أعلى بخطّين متوازيين على الجانبين، وينْتهيان بزعانف قد تقْصُر أو قد تطول حسب الرّغبة أو الموْسم، قبل أن نعْرف كل ذلك، كانت حلاقة رمضان دائرية تشْطر الرأْس إلى شطرين، الشطر الأعلى بِشعْرٍ خنيفٍ، والشّطْر الأسفل يكْشف عن جِلْدة الرأسِ المزْروعة بمنابِتِ الشعر السوداء. مصْدر هذه الحِلاقة متعّددٌ. وأوّلها أصوله البدوية التي مارستْ «الفِعْل الإبداعي عن طريق تغْيير وظائف الأدوات وتحْويلها و «الزّلافة» أو «الجْبّانية» لم تعد محْصورة في الأكل والّشرب ، بل أصبحت أداةً من أدواتِ الحلاقة بعد وضْعها على قُنّةِ الرأس، وأداةً من أدواتِ الشّفاء من أمراض مسْتعصية بعد أن يخُطَّ الفقيه بقلمِه الْقصبي جداوِل عديدة يتيهُ بين دُروبِها الإنس والجن!! وقد يكون مصدرُها «زلافة» رمضان الشّهيرة بمستوياتها المختلفة التي سيأتي الحديث عنها في حينها. وقد يكون مصدرُها البدْرُ في تمامِه، والأمر ليس بعيدا عن الشهر الكريم. وهناك مصادر أخرى. الحمّام هو المحّطة الثانية بعد الحلاّق. وفي ليلة رمضان يتحوّلُ إلى يوم الحشر الذي يفرض علينا اقتناء سطل واحد لا غير، والحرارة تزْداد ارتفاعاً اخْتصاراً لزمن الإستحمام، ومطارقة للمقيمين، لفسح المجال أمام المستحمين الجدد. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة ارتداء البياض. طقْمٌ ، حسب الإمكان، كاملٌ مكوّن من الجبّة والجلباب والنّعل والطاقية.. بياضٌ في بياضِ. كل ذلك في مكان أمين في انتظار اليوم الأول من رمضان.