الهدم أسهل من البناء، والعدمية أسهل من الإشادة، والكسل أسهل من العمل.. هي معادلة لا خلاف عليها في زمن أصبح فيه إمساك الهاتف النقال في يد واحدة، وأصابع اليد الأخرى تطلع وتنزل لمشاهدة مقاطع فيديو تحفل بها مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن الكثير من المغالطات، والكثير من الشائعات، والكثير من المعطيات التي تفتقد للمصداقية. وهنا أستحضر مقولة مفادها "كل ممنوع مرغوب، وبعيد المنال مطلوب، والإنسان يبحث عما ليس لديه"، حتى إنه لم يعد من العجب أن نسمع في كل حين من يردد "ماذا فعلت لنا الدولة؟"،"بماذا سينفعنا المونديال؟، "ما الفائدة من بناء المركبات الرياضية والمستشفيات والسدود والطرق السيارة و..و..و؟"، "ماذا سنفعل بالقطار الفائق السرعة؟"، "ما حاجتنا بالسياحة والمهرجانات والتظاهرات الكبرى؟" بل إن الأمر لا يتوقف عند هذا بل يصل حد تداول ومشاركة مقاطع فيديوهات تتهم وتمس أعراض الناس والمؤسسات بأشياء تفتقد إلى أي سند أو معطيات حقيقية. قد يقول قائل، إن الأمر لا يعدو أن يكون ضريبة للتكنولوجيا، خاصة أن هناك من يرى في مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الحقيقي والسبق إلى الخبر اليقين والمعلومة الصحيحة، حيث لا يترددون في الضغط على زر " partage" أو "Share" بسهولة في إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي بدون تقصي حقائق الخبر أو صحته وحتى خطورته وآثاره على الأفراد والمجتمع، فيما آخرون يعتبرون سرعة انتشار الشائعات إلى الطبيعة الإنسانية التي تميل أكثر إلى "النميمة"و "القيل والقال"، وخاصة عندما يضيق هامش الوعي في المجتمع. هنا خلصت دراسة علمية أشرف عليها باحثون متخصصون إلى أن فرصة الأخبار الزائفة في المشاركة أكثر بنسبة 70 في المائة، مقارنة بالأخبار الحقيقية، بينما تستغرق الأخبار الحقيقية 6 أضعاف المدة التي تستغرقها الزائفة لتصل إلى 1500 شخص. كما أن الأخبار الحقيقية نادرا ما يُشاركها أكثر من 1000 شخص، بينما قد يشارك بعض الأخبار الزائفة أكثر من 100 ألف شخص. وفي ذات السياق يؤكد البروفيسور جيفري بيتي، أستاذ علم النفس "أن الناس متخمون من الأخبار العادية، لذلك فإن الأشياء يجب أن تكون أكثر إثارة للدهشة أو للاشمئزاز كي تجذب الانتباه". وحتى لا ندخل في خانة اليأس من هذا الأمر، فالأكيد أن الإشاعات رافقت دوما الإنسان منذ بداية خلقه، ومع ذلك لم تمنع البناء والتشييد والتقدم والتحضر، ولم تقف أبدا أمام نجاح أفراد في مسارهم المهني أو السياسي، لكن مع ذلك لابد من الحذر ثم الحذر، من إشاعات ومغالطات تدفع اليوم بعض الأفراد حد فقدان الثقة في كل شيء، في نفسه، محيطه، مستقبله، ووطنه، حتى أنه يرى في الموت خلاصا من واقع كان بالإمكان التغلب عليه بقليل من الوعي والاجتهاد والأمل في غد أفضل، وأن تغيير الأشياء يكون برد فعل إيجابي، لا الاستسلام للعدمية. وهنا لنا مثال في الهجرة السرية الجماعية، التي تحولت إلى "العلنية"، والتي دفعت بالآلاف من الأفراد، قبل أيام قليلة، نحو الارتماء بين أمواج البحر انطلاقا من سواحل الفنيدق لعلهم يصلون إلى "الفردوس الموعود". هجرة غير مسبوقة، شكلا وحجما، كان فيها تداول الأخبار الخاطئة العنوان البارز، حيث تمت مشاركتها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، فحواها أن حالة البحر في تلك الفترة تسمح بالعبور سباحة بسهولة، وأن إسبانيا التي تحتل سبتة السليبة لا خيار لها أمام هذا الحجم الكبير للمهاجرين، سوى تسوية أوضاعهم كمهاجرين قانونيين، وهذه كلها أشياء غير صحيحة، ليبقى اليقين هو أن أمواج البحر كل يوم تلفظ جثث الغرقى، علما أن إسبانيا لها اتفاقية مع المغرب لإرجاع كل مهاجر سري تم توقيفه. فلا خلاف على أن مغربنا قد قطع أشواطا كبيرة في التنمية والبناء والتطور، فمغرب ما قبل 20 سنة، ليس هو مغرب اليوم، ومغرب اليوم لن يكون أبدا مغرب الغد، بفضل الأوراش الكبرى التي تعرفها البلاد بقيادة جلالة الملك، وحكومة ملتزمة. والأكيد، أن ما تم إفساده لدهر من الزمن لا يمكن إصلاحه بين ليلة وضحاها، وبالتالي، فإن التمسك بالأمل ولفظ الكثير من الإشاعات، والبحث عن الخبر اليقين، خيارات لابد منها في زمن كثر فيه الأعداء، والغيورون، وحتى المتربصون.