سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف يحول المغاربة أحلامهم ومخاوفهم إلى شائعات؟ الإشاعة في أدبيات علم الاجتماع وعلم النفس عادة بأنها تلك المعلومات أو الأفكار،التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها
إذا كان الخبر مقدسا والتعليق حرا، كما تقول القاعدة الإعلامية الشهيرة فإن الشائعة فاقت حدود الحرية والقداسة في أذهان الجماهير. إنها ذلك السلوك التواصلي الاجتماعي الذي ننتقده جميعا وننبذه ونبغضه ونتضرر منه أحيانا، لكننا لا نتورع عن المساهمة فيه وممارسته إما تصديقا أو نقلا أو تأويلا وتفسيرا. الإشاعة عنوان للصفة الاجتماعية للإنسان ولفضوله الدائم من أجل معرفة ما يحدث من حوله، إنها تملأ ذلك الفراغ الذي تتركه وسائل الإعلام التي تتمتع بقدر من المصداقية والمهنية. فعندما يغيب الخبر اليقين والموثوق تحضر الإشاعات بكل تلاوينها وأشكالها لتستجيب لتلك الحاجة الملحة لدى الجمهور. وتعرف الإشاعة في أدبيات علم الاجتماع وعلم النفس عادة بأنها تلك المعلومات أو الأفكار، التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، أو هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له، أو يحتوي جزءاً ضئيلاً من الحقيقة. وفي أدبيات الإعلام والصحافة تعتبر الإشاعة واحدة من أشكال الخبر ومصادره التي يجوز في كثير من المدارس الإعلامية اعتمادها كمادة صحفية. الأدبيات المذكورة تميز بين أنواع عديدة ومختلفة من الإشاعات كالإشاعة الزاحفة وهي تلك التي تنتشر شفويا وببطء شديد بين الناس، والإشاعة الطائرة وهي تلك التي تنتشر بسرعة مثل تلك المتداولة اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الحديثة. وإلى جانب هذين النوعين تبرز الإشاعة الراجعة وهي تلك التي تظهر وتختفي باستمرار ولها مواسمها ومناسباتها الدائمة والقارة كتلك الإشاعات المتعلقة بالزيادة في أسعار بعض المواد أو المرتبطة ببعض الأعياد والمناسبات أو تلك المتعلقة باحتمالات الزيادة في الأجور، أو الخاصة ببعض الأمراض الموسمية. كما يتحدث الخبراء عن الإشاعة الهجومية أو الاتهامية التي يكون الهدف من ورائها الإساءة لشخص بعينه والتقليل من شأنه أو حظوظه، وأبرز مثال عن هذه الإشاعة هي تلك التي تظهر قبيل الانتخابات حيث كثيرا ما يتناقل الجمهور إشاعات عن مرشحين بعينهم تسيء لصورتهم الشخصية والأسرية وتهدف إلى الحد من احتمالات فوزهم، وغالبا ما يكون وراء هذه الإشاعات مرشحون منافسون. أما أشهر الإشاعات المدروسة والمحبوكة التي قلما يتنبه الجمهور إلى أبعادها فهي تلك المعروفة ببالونات الاختبار أو الإشاعة الاستطلاعية التي يكون الهدف من ورائها جس نبض الجماهير وتحري مدى استعدادهم لتقبل قرارات معينة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية تهم حياتهم اليومية. هذه الإشاعة يمكن اعتبارها إشاعة ممأسسة على اعتبار أنها تصدر في الغالب عن هيئات رسمية أو حكومات أو أجهزة تنفيذية وتقريرية بغاية استطلاع حرارة المواقف الشائعة داخل المجتمع من أجل المساعدة على اتخاذ القرار السليم والمناسب. في هذا السياق تلجأ الحكومات مثلا إلى إطلاق إشاعات عن فرض بعض الضرائب أو خفض بعض المساعدات أو خصمها، أو التراجع عن بعض المشاريع حتى إذا وجدت الشارع متجاهلا أو غير مهتم أو مستعدا لقبول هذه القرارات بادرت إلى اتخاذها بسرعة وبنوع من الثقة الكاملة في احتمالات نجاحها. هذه الأنواع من الإشاعات هي التي استطاع العلم والدراسات الأكاديمية تصنيفها وحصرها، لكن هذه الدراسات تؤكد كلها أو جلها أن الإشاعة تجد مرتعها الخصب ومجالها الواسع في المجتمعات التي تعتمد على الثقافة الشفوية بالأساس وتقل فيها الثقافة الموثقة والمكتوبة. هذا النوع من الثقافة التي تعتمد القيل والقال والعنعنة والرواية على لسان الآخرين والتلميح بدل التصريح و»حشيان الهضرة» لا يمكن إلا أن تفتح أمام الشائعات فضاء شاسعا تنتعش فيه وتنتشر وتتطور. يكفي أن نذكر جميعا أنه لا يمر موسم أو فصل أو شهر من شهور السنة إلا وانشغل الرأي العام الوطني بخبر من قبيل الخرافة أو الفرية التي تتحول إلى شائعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم. آخر هذه الشائعات التي فعلت فعلها في الجمهور المغربي هي تلك التي تحدثت عن عصابة توزع فيروس داء فقدان المناعة المتكسبة (السيدا) على المواطنين الذين تزورهم في بيوتهم بدعوى إجراء تحاليل داء السكري. هذه الإشاعة التي لا يختلف اثنان على هشاشتها الخبرية فعلت فعلها وأثرت في أوساط المواطنين المغاربة إلى درجة اضطرت معها وسائل الإعلام والوزارات الوصية إلى التكذيب بصفة رسمية في وسائل الإعلام من أجل طمأنة الرأي العام الذي بدأ يتملكه الرعب والفزع. قس على هذه الشائعة المخيفة مئات وآلاف الشائعات التي تغزونا في كل المناسبات كشائعات السفاحين والقتلة، وعصابات خطف الأطفال والكوارث الطبيعية المدمرة واكتشافات البترول والذهب والكنوز، والشقق التي تسكنها الأرواح والجن وغيرها من الخرافات والأساطير التي ننتجها ونعيد إنتاجها جيلا بعد جيل. الإشاعة التي يتشبث المغاربة بممارستها ويطمئنون إليها أحيانا في ظل تراجع مصداقية وسائل الإعلام الرسمية وحتى المستقلة، هذه الإشاعة تغذي الأحلام والطموحات الخائبة والمجهضة، فيتخيل الناس زيادات وهمية في الأجور، أو مساعدات سخية تتهاطل عليهم من الحكومة، كما تغذي مخاوفهم وقلقهم الدائم بشأن المستقبل فتصنع بعض الظواهر المفزعة ك»التسونامي» الذي سيضرب السواحل ويدمرها أو الزلازل أو الفيضانات، أو حتى بعض الأمراض الفتاكة القادمة من بلدان بعيدة. مخاوف وأحلام المغاربة التي تغذي شائعاتهم أوبئة ومجرمون وكوارث من وحي الخيال تشغل الرأي العام هل يعتبر المجتمع المغربي مجتمع الشائعات بامتياز؟ هناك انطباع شائع لدى المهتمين بالشأن السوسيولوجي بكون الشائعات جزء من العادات الاجتماعية الطبيعية التي أفرزتها المدنية الحديثة. غير أن هذه الظاهرة تتجدر في المجتمعات التي تتميز بثقافة شفوية وتنحسر فيها الثقافة المكتوبة والموثقة. المجتمع المغربي واحد من هذه المجتمعات التي ينتصر فيها الشفوي على المكتوب، وتعتبر الشائعة فيها سلوكا يوميا ومصدرا رئيسيا من مصادر الخبر والإعلام في ظل ضعف وسائط الإعلام المهنية وقلة انتشارها ومحدودية مصداقيتها. المغاربة يطلقون الشائعات عن كل ما يتعلقون به من مخاوف أو أحلام أو طموحات. هذه بعض الانشغالات التي تقف وراء أكبر الشائعات. 1 لغز المنقبات المرأة المنقبة تمثل سرا مكنونا بالنسبة للمخيال الشعبي. هناك الكثير من النكات والنوادر والشائعات التي تنسج من حول هذه الشخصية التي ربما يساهم اختفاؤها وراء نقابها في تناسل وتكاثر هذه الشائعات التي تشغل الرأي العام بين الفينة والأخرى. هذا ما عاشه سكان الرباطوسلا أخيرا إلى درجة دفعت رئيس الحكومة ليطالب وزير داخليته للتحقيق في قضية امرأة منقبة تعمد إلى «شرملة» النساء في شوارع المدينتين. بعض هذه الحكايات مثلا كتلك التي تبين بعد التحقيق فيها أن فتاة لا يتعدى عمرها 20 سنة تقمصت دور المنقبة، بمقربة من شاطئ حي المحيط، وكانت تمزح مع خالتها وابنها، دون أن تبالي بأن الأمر سيقودها إلى التحقيق. لم تكن تدرك أن هذا المزاح العابر سيخلق حالة من الهلع والذعر بعد أن تحولت قصتها إلى إشاعة عنوانها «المنقبة» حيث تلقت دوائر الأمن بلاغا عن وجود سيدة منقبة تتجول وتشوه وجوه النساء بشفرة حلاقة، وهو ما دفع عناصر من فرقة المداومة وعناصر الاستعلامات العامة إلى التأكد من صحة الموضوع. وقد أسفرت التحقيقات التي باشرتها عناصر الأمن عن كون الفتاة المتهمة باعتراض سبيل المواطنين ليست منقبة وإنما ترتدي فقط عباءة سوداء، ووضعت غطاء أسود على رأسها، وأنها لم تكن تهدد أحدا، كما أنها لم تكن تحمل أي أداة، بل فقط كانت تمازح خالتها وابنها. القصة نفسها والرعب ذاته عاشته نساء مدينة سلا عندما تحولت قصة اعتداء عابرة في فبراير الماضي إلى أسطورة محبوكة حول شخصية فتاة منقبة تعتدي بالسلاح الأبيض، في حين أن الحكاية لا تعدو كونها حالة امرأة أوقفتها مصالح الشرطة القضائية بسلا بعد اعتدائها على ثلاث نساء من جاراتها، تحت تأثير حالة السكر الطافح التي كانت عليها، فتم توقيفها من طرف عناصر الشرطة القضائية في حينه. 2 قتل الفنانين لا يوجد فريق أكثر تضررا من الشائعات مثل الفنانين على اختلاف مجالاتهم الفنية أو حتى درجات شهرتهم. بل إن البعض يعتبر الشائعات في المجال الفني بمثابة حرب لها أهداف وغايات معينة تكون في الغالب تجارية وفنية. قتل الفنان قد يعيده مرة أخرى إلى الأضواء وهذا ما يفسر أن بعض الفنانين قد يتورطون هم أنفسهم في نسج شائعات وأساطير حول حياتهم وشخصياتهم. وتساهم المنتديات الاجتماعية على شبكة الإنترنت بشكل فعال في تناقل هذه الشائعات ونشرها بسرعة. بعض هؤلاء الفنانين والمشاهير يقتلون بالشائعات وهم في كامل عنفوانهم وصحتهم، وبعضهم الآخر تقتلهم الشائعة بعد دخولهم في حالة من المرض أو تدهور حالاتهم الصحية. وفي حالات الفنانين تنوعت الأسباب والشائعة واحدة، زواج، طلاق، موت، انتحار، حادثة سير، جرعة مخدرات زائدة… كل هذه العناوين تبرز في أخبار تتناقلها بعض الأحيان حتى وسائل الإعلام الموثوقة، التي قد تقع تحت إغراء الشائعة باعتبارها شكلا من أشكال الخبر. بعض الفنانين الناشئين يستاؤون في البداية من كم الشائعات التي تثار من حولهم، لكن سرعان ما يتعودون ويدركون أن استمرار توارد أخبارهم في الشائعات دليل على استمرار شعبيتهم وانتشارهم. لذلك يعتبر بعض الفنانين أن تعرضهم للشائعات ضريبة طبيعية للشهرة التي يتمتعون بها وربما دليل على حب الناس واهتمامهم. لكن هذا لا ينفي أن بعض الشائعات قد تدمر حياة الفنانين وتؤذيهم سواء على المستوى المهني أو الأسري. 3 الزيادة في الأجور إذا صدقنا كل الإشاعات التي تحاك حول الخبر السعيد المتعلق بالزيادة في الأجور يمكن أن يصبح الموظف أو العامل المغربي أغنى من كل نظرائه في العالم. الإشاعة لا ترتبط إذن بالأخبار المفزعة والسيئة بل حتى بالأنباء السارة وبما يحلم به الناس. خلال هذه السنة وبالضبط شهر الكذب أبريل الماضي استبشر الكثير من الموظفين والعمال في القطاع العمومي بعد أن تناقلت وسائل الإعلام الإلكترونية خبر اعتزام الحكومة الزيادة في أجور الموظفين بعد مراجعة منظومتها. هذه الشائعة السارة سرعان ما تحولت إلى خيبة أمل في نفوس الكثيرين الذين صدقوا لوهلة أن الحكومة الحالية يمكن أن تفكر في بعض العطاء بدل الاكتفاء بالاقتطاع. شائعة الزيادة في الأجور التي لم تصدق يوما على عهد أي من الحكومات غالبا ما يتم تداولها على مشارف عيد العمال فاتح ماي. ولا ينفي البعض أن تكون هذه الشائعة المعتادة بالون اختبار تطلقه النقابات لجس نبض الحكومة والتعرف على مدى استعدادها لمناقشة الملفات المطلبية المعروضة. في حين تعمد النقابات بسرعة إلى الرد على مثل هذه الإشاعات واتهام الحكومة باستغلالها لأغراض دعائية تشغل الطبقة العاملة عن ملفاتها ومطالبها الأساسية ومعاركها النضالية. شائعة الزيادة في الأجور تعتبر نوعا مختلفا عن الشائعات السابقة، فهي ترتبط بالحلم والطموح نحو الرخاء الذي يشغل المواطن ويبحث عنه باستمرار. في حين أن الشائعات الأخرى مرتبطة بالمخاوف والهواجس الأمنية والنفسية التي قد تسيطر عليه. هناك قانون إذن يحكم الشائعات ويجعلها تتأرجح بين الخوف والأمل، بين الحذر والطموح، وهذا هو حال الرأي العام. إضافة إلى الزيادة في الأجور، كثيرا ما تثير المخاوف من احتمالات الزيادة في أسعار بعض المواد وخصوصا الأساسية منها كثيرا من الشائعات. لا يمكن أن تحصر عدد المرات التي تمت فيها الزيادة في سعر الخبز، أو الوقود أو تذكرة الحافلة قبل أن تتم الزيادة الفعلية. الخوف من هذه الزيادة يغذي باستمرار الشائعات حولها. 4 تسونامي وأخواتها هناك خوف أزلي من الطبيعة توارثه الإنسان عبر عصور طويلة من الاحتكاك بها ومواجهتها ومحاولة ترويضها. الكوارث الطبيعية كانت دائما ولا تزال خطرا داهما يهدد البشرية بالفناء ولطالما اعتبر الإنسان هذا الخطر عدوا حقيقيا، فالزلازل والفيضانات والبراكين الثائرة كلها تسبب في القضاء على حضارات ومدن وشعوب وترسخ ذلك في أساطير وتاريخ هذه الشعوب. قبل سنتين وبالضبط في أواخر سنة 2013 نشرت صحيفة مصرية خبرا مفاده أن المغرب سيتعرض في نهاية دجنبر لموجة «تسونامي» مدمرة في سواحله الأطلسية على الخصوص. لقد بدأت هذه الشائعة هامسة ثم أصبحت هادرة بعد أن نمتها البهارات والإضافات التي عملت على تضخيمها وتحويلها إلى حقيقة لا تناقش في أذهان كثير من المواطنين البيضاويين على الخصوص. حينها ساد لدى الكثير من السكان شعور بالرعب والهلع إلى درجة أن بعضهم صدق هذه الشائعة وبدأ النقاش حول الاستعدادات اللازمة لتجنب الهلاك بسبب هذه الكارثة البحرية وفكر الكثير من سكان المدن الساحلية في سبل النجاة بأنفسهم، بل إن بعضهم بادر إلى السفر في عطلة نهاية السنة إلى المدن الداخلية البعيدة عن السواحل نجاة من «التسونامي» المدمر. ورغم أن صوت العلم والعقل كان حاسما في استبعاد أي احتمال لهذه الكارثة في السواحل المغربية باعتبار أن الحديث عن «تسونامي» لا يستقيم علميا ومنطقيا دون وقوع زلازل أولا، كما أن «عواصف «تسونامي» لا يمكن التنبؤ بها، لارتباطها بالزلازل بدرجة معينة من القوة، كما أن العلم لحد الآن لم يستطع توقع الزلازل مدة زمنية كافية. رغم كل هذه الحقائق العلمية فقد تمكنت شائعة التسونامي من الرأي العام الذي انقسم بين مكذب ومصدق، ومتوجس حذر. 5 توزيع الأموال هناك حلم يدغدغ مشاعر المغاربة باستمرار هو أن ترق لهم حكومتهم وتوزع عليهم العطايا والأموال والمساعدات، أو نصيبهم من الثروات الوطنية من فوسفاط أو أسماك. هذا الحنين الجارف إلى حنان الدولة وعطفها الذي افتقده المغاربة منذ دخول حقبة التقويم الهيكلي في مغرب الثمانينيات. ويبدو أن الحكومة الحالية التي رفعت بعض شعارات التكافل والتضامن الاجتماعي أصبحت عرضة لموجة من الشائعات الخاصة بتوزيع المساعدات أو مبالغ من الدعم المالي للفقراء ومنعدمي الدخل. وربما تتغذى هذه الشائعة من بعض المبادرات التي أطلقتها الحكومة وعلى رأسها صندوق دعم الأرامل الذي شرع في تسجيل المستفيدات منه خلال الشهور الماضية. لكن قبل ذلك لم يستسغ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في فبراير الماضي الإشاعة التي انتشرت كالنار في الهشيم بين المحتاجين والمهمشين ومعدومي الدخل بكون الحكومة تستعد لتقديم الدعم المالي المباشر للمواطنين. ولم يتردد الكثير من المواطنين في اجتياح دور الضريبة لملء الاستمارة التي قالت الإشاعة إنها خاصة بالراغبين في الاستفادة من الدعم المالي المذكور. هذه الإشاعة تعتبر نموذجا للإشاعات المزمنة في أوساط الرأي العام المغربي الذي ينسج باستمرار مبادرات خيالية خاصة بتوظيف العاطلين مثلا كتلك التي أعقبت احتجاجات 20 فبراير وتزامنت مع تفاعلات الربيع العربي عندما روجت إشاعات عن شروع مصالح العمالات والولايات في استقبال ملفات العاطلين وطلبات الباحثين عن الشغل. 6 السيدا وإيبولا والأنفلونزا… لا يزال الرأي العام يلوك شائعة العصابة المتخصصة في نشر فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) رغم التكذيب الذي قامت به مصادر أمنية في مختلف المنابر الإعلامية، وكذا التكذيب الرسمي الذي عممته وزارة الصحة حول رسالة «الواتساب» التي نشرت الشائعة. هذه الشائعة التي بدت محبوكة جدا وهي تتحدث عن عصابة تزعم إجراء الكشف عن مرض السكري وهدفها الحقيقي هو إصابة المواطنين بفيروس السيدا. هذه الإشاعة ورغم سذاجتها الواضحة انتشرت كالنار في الهشيم بفضل وسائط الاتصال الحديثة وعلى رأسها الهواتف النقالة بمختلف تطبيقاتها وكذا نظرا لتزامنها مع حملة وطنية للكشف عن داء السكري والوقاية منه. هذه الحملة الوطنية التي أطلقتها وزارة الصحة بخصوص مرض السكري، تنحصر في تحسيس وتوعية المواطنين عبر قنوات الإذاعة والتلفزة، حيث لا يتم إجراء أي فحص في المنازل أو البيوت. ويعتبر مجال الأمراض المعدية والفتاكة منجما للإشاعة بامتياز، فيه تنطلق الألسن وتجد حريتها في حبك ونسج القصص والحكايا الخيالية التي رغم سذاجتها الواضحة إلا أنها تلقى كثيرا من الرواج في الأوساط الشعبية وتتناقلها الأذان والألسن بسرعة كبيرة لتنشر حالة من الرعب في عموم الرأي العام. في هذا السياق مثلا تناسلت الإشاعات إبان العام الماضي عندما كان العالم منشغلا بمكافحة فيروس إيبولا الذي انتشر في عدد من الدول الإفريقية، وقبل ذلك تناقل الرأي العام كما كبيرا من الشائعات حول انتشار واكتشاف حالات لأمراض أخرى وأوبئة شغلت العالم مثل أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وغيرها. وغالبا ما يتم تداول الإشاعة ثم إضافة المزيد من البهارات لها أثناء تناقلها، فعصابة السيدا التي تطرق الأبواب لتنشر المرض تم ربطها بسرعة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام واعتبارها واحدة من الأذرع الإرهابية لها في المغرب. 7 السفاح الغامض ما بين 2010 و2011 اجتاحت ضواحي الدارالبيضاء ومدينتي طنجةوالقنيطرة شائعة مخيفة ومرعبة بطلها سفاح قاتل يستهدف أحيانا المحجبات وأحيانا أخرى المنقبات وفي رواية أخرى الأطفال والشابات. الكل يتناقل أخبار سفاح لا يرحم يقطع الرؤوس ويمثل بجثث ضحاياه ويغتصبهن، أحيانا يتنكر في زي متسول وأحيانا أخرى يرتدي ملابس نسائية وفي بعض الأحيان يظهر بمظهر الرجل الأنيق. في طنجة يترصد هذا السفاح الوهمي النساء المحجبات ويقتلهن بأحياء المدينة. هذه الشائعة دفعت نساء طنجة لملازمة بيوتهن، في حين فضلت بعضهن الخروج بشكل جماعي عند الضرورة وعدم مغادرة المنازل ليلا. هذه الشائعة التي زرعت الرعب في عاصمة البوغاز تطلب تفنيدها استدعاء كل المسؤولين الأمنيين والدينيين وعلماء الاجتماع للتعبير عن رأيهم في هذه المسألة على أمواج الإذاعات المحلية. شخصية سفاح طنجة حبكت من حولها أسطورة متكاملة الأركان حيث روى الناس أن السفاح كان يعمل خبازا وذات يوم أحضرت امرأة منقبة طبقا ليطهوه، وأخبرته أن به «سمكة مشرملة»، ثم قالت له إن بإمكانه تناوله في حال تأخرت كثيرا عن موعدها، ليكتشف بعد أن انتظرها لساعات، أن الطبق به رضيع مقطع و«مشرمل» فقرر بعدها الانتقام من كل النساء خاصة المنقبات بمدينة طنجة. الرعب ذاته عاشته مدينة القنيطرة في 2010 بعدما تم تداول خبر وجود سفاح يسفك الدماء ويخطف الأطفال ويغتصب الفتيات على نطاق واسع. ولم يعد للمدينة من حديث إلا عن رجل يتخفى في ملابس النساء، ويرتدي النقاب لتغطية ملامح وجهه وتمويه ضحيته للانقضاض عليها دون أدنى مقاومة، في حين ذهبت روايات عديدة إلى أن السفاح الشبح مختص في سرقة الأطفال واغتصابهم بغابة المعمورة. وفي السنة نفسها انتقلت عدوى الرعب من السفاح الوهمي الذي يقتل النساء والأطفال لتصيب العديد من سكان المدن القريبة من الدارالبيضاء في بوزنيقة وابن سليمان والصخيرات والمحمدية والقرى المجاورة، وتجتاح الأسواق والمؤسسات التعليمية والمعامل. إشاعة السفاح القاتل إشاعة خالدة ولا تنتهي، فهي تسكن في المخيلة الجماعية وتجد جذورها في الأدب الشعبي والثقافة المحلية كما أنها تستعيد حياتها في ظل حالات الانفلات الأمني المسجلة بالمدن الكبرى على الخصوص والتي تقع فيها بعض الجرائم التي يصعب حلها. واتساب، فايسبوك، تويتر.. عالم صناعة الشائعات «صادم» و«لن تصدق» و«معجزة».. عتبات الكذب والافتراء بانتقال العالم إلى المستوى الرقمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة انفتح أمام الشائعات أفق جديد ووجدت مرتعها الخصب الذي تتطور من خلاله وتتخذ أبعادا متجددة مستثمرة المؤثرات الخاصة التي تتيحها المنتديات الاجتماعية على شبكة الإنترنت. في هذا العالم أصبحت الشائعة كتابية بعد أن كانت شفوية، ومدعومة أحيانا بالصوت والصورة والخدع السينمائية وتقنيات «التريكاج» ومعززة بالعناوين المثيرة والمغرية. في فضاء الفايسبوك وتويتر وتطبيقات الهواتف المحمولة مثل «واتساب» تنتشر الشائعات كما تنتشر حبات الرمل التي تذروها الرياح، كم هائل من الكذب والافتراءات والقصص المزعومة والمتخيلة تنشر يوميا على جدران متصفحي هذه المتمنيات. عناوين صادمة تفتح صفحتك على الفايسبوك فتجد عنوانا مثيرا عن وفاة الفنان الفلاني وعن آخر ما قاله قبل وفاته، تضغط على الرابط لتطلع على الخبر فتجد نفسك وقد انتقلت إلى صفحة من صفحات الإنترنت التي تروج لمنتوج أو برنامج معلوماتي أو موقع إلكتروني إخباري مغمور. كثير من متصفحي هذه الشبكة يصطدمون يوميا بهذا النوع من الأخبار، بعضهم يدرك من تجربته أنها مجرد أخبار كاذبة الغرض منها هو الإثارة أو جلب الزوار إلى مواقع إلكترونية معينة، والبعض الآخر يلتقط هذا العنوان ولا يكلف نفسه عناء قراءة الخبر والتحقق من وجوده أو صحته فتبدأ الشائعة في الانتشار كالنار في الهشيم. تقنية «المشاركة» partageالتي تتيحها هذه المنتديات الاجتماعية تساعد على تعميم الشائعات وذيوعها بسرعة كبيرة وفي أوساط الملايين من مستعمليها. هذه القدرة على الربط بين جماعات من المتلقين للأخبار تجعل من فايسبوك وتويتر وواتساب أكبر مروجي الشائعات في العالم المعاصر. وهذا ما يشغل بال المشرفين على هذه المنتديات والذين يدعون بين الفينة والأخرى تطويرهم لبعض البرامج المعلوماتية لمطاردة الشائعات وتنظيف هذه المواقع منها. هذا الادعاء يبدو مفارقا جدا للواقع، فالظاهر أن هذه المنتديات الاجتماعية تعتبر الشائعات عملتها الرئيسية في الرواج والانتشار، كما كان الأمر بالنسبة للجرائد الصفراء التي كانت تقتات على نشر بعض الأخبار المختلقة والغريبة. خرافات واختلاقات قبل سنوات راجت على صفحات المنتديات الاجتماعية قصة شغلت الرأي العام العربي والمغربي لأيام طويلة. إنها قصة المرأة التي مسخت لتتحول إلى كائن حيواني غريب في سلطنة عمان. كانت هذه الشائعة الغريبة مدعومة ببعض الصور عن المرأة التي أصبحت حيوانا ورغم أن الطابع المصطنع لهذه الصورة كان واضحا إلا أن هذا الخبر لقي رواجا وانتشارا كبيرا في صفحات الفايسبوك. تم تداوله بشكل واسع وتهاطلت التعليقات والمشاركات بخصوصه واستحوذ على الرأي العام بعد أن خرج النقاش حوله من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي. داخل فقاعة العالم الافتراضي بدا أن الجمهور مستلب الإرادة ولا يجد مجالا كافيا للتفكير وإعمال المنطق تحت ضغط التعليقات والمشاركات التي تروج لهذا الخبر وتؤيده وتبرره وتعطيه التأويلات والتفسيرات الاجتماعية والدينية والنفسية اللازمة. الشائعات داخل العالم الافتراضي تعززها قوة الجمهور وسطوة الأغلبية التي لا يمكن أن «تجتمع على ضلالة أو خرافة». تنتمي هذه الشائعة إلى صنف «التضليل المتعمد» فحسب بعض الباحثين الأوربيين فإن الشائعات التي تنتشر على مواقع الإنترنت تُصنف إلى أربعة أنواع، وهى «التنبؤات، والموضوعات الخلافية، والمعلومات الخاطئة غير المتعمدة والتضليل المتعمد». هؤلاء الباحثون المنتمون إلى مجموعة من الجامعات الأوربية وبعض الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات يعملون على تطوير نظام جديد للمعلومات لكشف الكذب على مواقع التواصل الاجتماعي. وهؤلاء العلماء سيقومون بتحليل البيانات لمعرفة مدى صدق الرسائل المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما سيعمل النظام على معرفة ما إذا كانت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في نشر معلومات خاطئة أنشئت خصيصا من أجل ذلك الغرض أم لا. هذا الانشغال العلمي والأكاديمي بعالم الكذب والافتراء في شبكة الإنترنت يظهر الحجم الخطير والمؤثر الذي أضحت تتخذه هذه الظاهرة على المنتديات الاجتماعية بالخصوص. ومن بين مظاهرها في العالم العربي تلك المتعلقة بالشائعات التي يكون من ورائها الترويج لبعض الأخبار المعززة لمكانة الإسلام والقرآن. هذا القرآن الذي يعتبر معجزة بيانية في حد ذاته تعمل بعض الأخبار المروجة في شبكات التواصل الاجتماعي على الترويج لبعض مظاهر الإعجاز العلمي فيه فيتم الحديث عن نظريات علمية حديثة تطابق ما ورد في القرآن ويتبين لاحقا أن هذه النظريات العلمية مختلقة ولا وجود لها. وإضافة إلى هذه المواضيع، يتم الترويج بجهل مطبق لبعض الأخبار عن بعض الشخصيات التي أساءت للإسلام والمسلمين وعن الانتقام الذي تعرضت له كما هو الحال بالنسبة لرسام الكاريكاتور الدنماركي الذي سبق أن رسم رسوما مسيئة للإسلام والمسلمين وأثار ذلك غضب العالم الإسلامي. لا يمكن أن تحصي عدد المرات التي نشرت فيها مواقع التواصل الاجتماعي خبر مقتل هذا الرسام حرقا أو انتحارا أو سقوطا من عمارة شاهقة ليتبين لاحقا أنها مجرد شائعات تسيء للإسلام والمسلمين من حيث تعتقد أنها تدافع عنهم وعن قضاياهم. أخبار تلد الشائعات عادة ما تتناسل الشائعات في محيط بعض الأحداث السياسية والاجتماعية والطبيعية المعروفة. الكوارث والتعديلات الحكومية وقضايا الأجور والأسعار وغيرها ملفات تثير باستمرار شهية صناع الشائعات الذين لا يترددون في التفنن في إطلاق خبر كاذب والترويج له بقصد أو حتى بغير قصد، ولأهداف تخدم مصالح جهات معينة. لكن هناك نوع من الشائعات التي اختصت شبكات التواصل الاجتماعي في صناعتها وتطويرها وإنتاجها بزخم كبير وسرعة فائقة. إنها تلك الشائعات التي تتولد عن خبر موثوق. هذا الخبر الموثوق يثير باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات مفتوحة فتتأسس على هامشه «هاشتاجات» وصفحات في الفضاء الأزرق ثم ينطلق النقاش. وفي خضم هذه المناقشات تبدأ مخيلة بعض مستعملي الشبكات التواصلية في تدعيم الخبر الرئيسي بأخبار جانبية مرتبطة به ويتطور الحدث من حالته البسيطة الأولى لتترتب عنه تداعيات وأحداث إضافية. على سبيل المثال في نسخة مهرجان موازين الماضية أثير الكثير من الجدل حول مشاركة المغنية الأمريكية ونقل الحفل الذي نشطته مباشرة على القناة الثانية مما شكل صدمة للمشاهدين الذين استغربوا من جرأة القناة الثانية في نقل مشاهد السهرة الإباحية. هذا النقاش الواسع الذي اندلع على صفحات الفايسبوك وتويتر أفرز رأيا عاما ممتعضا من هذا الحفل ومن نقله على التلفزيون فتولد عن ذلك قرار يقضي بإنهاء مسؤوليات رئيس جمعية مغرب الثقافات وتعيين بديل له على رأس الجمعية المكلفة برعاية وتنظيم المهرجان. لم يتوقف الخبر عند هذه الحدود فسرعان ما سرت في مواقع التواصل الاجتماعي شائعة أخرى طورت الخبر وحولته إلى قرار بتوقيف نهائي لمهرجان موازين تجاوبا مع الرأي العام الغاضب مما حصل. وبعد أن هدأت عاصفة النقاشات تبين الكل أن خبر توقيف المهرجان لا أساس له من الصحة وأنه ليس سوى اختراعا من اختراعات بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية التي تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من المتصفحين. هناك دائما شائعات كثيرة تدور في فلك الحدث الرئيسي الموثوق، هذه الشائعات قد تكون في بعض الأحيان بالونات اختبار تطلقها الجهات التي يعنيها هذا الخبر من أجل جس نبض الشارع وتحري اتجاهات الرأي العام قبل اتخاذ قرارات معينة. كم من الشائعات تروج هذه الأيام بخصوص مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، وكم من الشائعات تنتجها المخيلة البشرية في سياق الحذر الكبير المتوجس من ضربات إرهابية محتملة. في يونيو الماضي شهدت امتحانات الباكالوريا فضيحة غير مسبوقة تمثلت في تسريب امتحان مادة الرياضيات ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي قبل اجتيازه. كان هذا التسريب بمثابة صدمة للرأي العام الذي يتشكك أصلا في مصداقية الامتحانات الوطنية والشهادات العليا، غير أن هذه الفضيحة تلتها في الأيام الأخرى للامتحان عشرات الشائعات بخصوص تسريب امتحانات باقي المواد في مختلف الجهات والأكاديميات وبدأت الجهات الوصية تتلقف أخبارا لا تكاد تنتهي عن هذه التسريبات الوهمية التي تفرعت عن التسريب الحقيقي الأول. يبدو أن الشائعة كسلوك اجتماعي قد كتب لها أن تتطور وتتعزز أكثر بفضل التكنولوجيات الحديثة التي أصبحت تساهم في تجميل الكذب وإضفاء مساحيق المصداقية المختلقة عليه وتدعيم الافتراء والادعاءات والخرافات بما تتيحه من تقنيات وإمكانيات مؤثرة في الجمهور. فإلى متى ستستمر حبال الكذب والشائعات في تزيين فضاءاتنا الاجتماعية الافتراضية؟ نور الدين الزاهي *: الإشاعة فتنة أشد من القتل خاصة إذا استهدفت شعور المواطنين بالأمن قال إن سيادة الإشاعة وامتدادها يضرب في العمق الحق العام والعمومي في المعلومة الرسمية والمؤسساتية - كيف تعرف الإشاعة كظاهرة اجتماعية؟ إن الإشاعة خبر مصدره غير متحقق منه، يحمل معطيات ومعلومات لم تثبت صحتها من خطئها بعد. لذلك تظل حقيقة موقوفة التنفيذ وخطأ موقوف التنفيذ. ومن هذا المفترق بالضبط تستقي قوة شيوعها وانتشارها وكذا التضاربات في نقلها وتنقيحها وتوسيع دائرة استهلاكها. ومن الناحية السوسيولوجية، يمكننا القول إنه كلما ارتفعت حدة الطلب الاجتماعي على المعلومة، سواء منها المتعلقة بحدث ما أو بشخصية عمومية أو غيرهما، ولم تتمكن مؤسسة من المؤسسات، لسبب من الأسباب ، تلبية هذه الحاجة أو الطلب، فإنه وقتها تنبعث الإشاعة، بوصفها الخبر البديل الذي يغذي فراغات هذا الطلب من جهة، ويضغط لأجل استخراج المعلومة الفاصلة بين ما هو شائع وما هو واقع أو حاصل. - ما الغاية من نشر إشاعة، هل تدخل ضمن إطار جس نبض الشارع العام، أم أنها لا تعدو كونها مجرد تسلية؟ بناء على ما سبق ذكره، يمكن القول بأن الإشاعة قد تستهدف الضغط الاجتماعي المجهول الهوية على المؤسسات أو الأشخاص العموميين للحصول على المعلومات والمعطيات، وقد تستهدف هذه الإشاعة، إن كانت صادرة من جهات ذات مصالح، جس رد فعل الناس من القضية موضوع الإشاعة (إشاعة الزيادة في الأجور أو الأسعار أو تغيير وجه سياسي … مثلا )، مثلما قد تستهدف الإساءة الشخصية لمؤسسة أو شخص معين، وقد تستهدف أيضا امتصاص الغضب الاجتماعي وربح الوقت، حينما يتعلق الأمر مثلا بنشر الخبر –الإشاعة عن اكتشاف الذهب الأسود أو الأصفر في البحر والجبال ومن ثم تسويق فكرة الغنى في المستقبل القريب لكل عموم الشعب. - ما هي تأثيرات الإشاعة على شعور المواطنين بالأمن والاستقرار داخل المجتمع؟ إن الإشاعة كيفما كانت تدخل العلاقات الاجتماعية في تموجات وتقلبات ظرفية تشوش على الوضوح الاجتماعي، سواء كان هذا الوضوح متعلقا بوضوح علاقات السلطة أو المال أو النفوذ، ومن ثم تغليف الأدوات الشرعية للصراع الاجتماعي ودفعها نحو الإبهام والغموض. وبذلك فإن سيادة الإشاعة وامتدادها في الزمن يضرب في العمق الحق العام والعمومي في المعلومة الرسمية والمؤسساتية. في المقابل، فإن الحق في المعلومة والحق في الولوج إلى مصادرها والحق العمومي في تلقيها، وحده يستأصل من الجذر وبسرعة الإنتاج والاستهلاك الاجتماعيين للخبر –الإشاعة. - كيف يتفاعل المغاربة مع الإشاعة؟ وما تفسيركم لميل المغاربة لتصديقها أكثر من ميلهم لتكذيبها خصوصا وأنه في أخر إشاعتين المعروفتين بمنقبة سلا والسيدا، لاحظنا أن المغاربة مالوا إلى تصديقها أكثر من ميلهم للتشكيك في صحتها؟ إن مشكلة استهلاك الإشاعة لا تتعلق بالمغاربة أو غير المغاربة، إنها مسألة مؤسسات سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية. والسؤال الذي يطرح هنا يتعلق بما هي درجة احتضان هذه المؤسسات فعليا للمبدأ الدستوري الذي يقر بالحق في الولوج إلى المعلومة؟؟ وما درجة تقديرها لأهمية الإصدار والإخبار المستمر والمنظم لوسائل الإعلام وعبر وسائل الإعلام لعموم الناس ؟؟؟ ذلك أنه حينما لا تصدر التكذيبات الرسمية والمقنعة للناس، ولا تتم تلبية طلبهم الاجتماعي للخبر، فإنهم يصنعون معلوماتهم بأنفسهم ويدعمونها بالحجج الأكثر إقناعا، من مثل المعايشة والمشاهدة والسمع من شخص قريب ومشهود له بالثقة …إلى غير ذلك من الحجج التي يصنعها الناس بأنفسهم. - أين يكمن دور الدولة بمختلف أجهزتها، وكيف ومتى يتحتم عليها التدخل لتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين وحماية للمجتمع من تلك الإشاعات التي تبتغي خلخلة أمن المغاربة واستقرارهم؟ حينما تكون الإشاعة حاملة لخبر مخيف أو مقلق لعموم الناس (كأن يتعلق الأمر بصحة الناس أو أمنهم وأمن أبنائهم) تتقلص الحدود بينها وبين الفتنة وتصبح هي الأخرى أشد من القتل. لذلك فأثرها على العيش اليومي للناس يكون بليغا. كما أنه وسط إشاعات من هذا النوع، يتوسط الخوف العلاقات الاجتماعية، لدرجة يتشبع الناس بشكل لا شعوري بفكرة أنهم يعيشون من دون دولة حامية أو مؤسسات وصية. فمثلا، إن إشاعات الجريمة، تفقد الناس حقوقهم البسيطة كمواطنين يعيشون تحت ظل دولة، وليس في الغاب، من قبيل الحق في التجوال والحق في المتعة البسيطة (كالتجول في الشارع العام، أو القيام بنزهة للأطفال، أو حق الفتيات والنساء في الحركة والتجول والتجمل والخروج باكرا أو الدخول المتأخر …). في هذا السياق بالذات يحضر دور الدولة، ليس لعسكرة الفضاءات العمومية، وإنما لحماية أمن المواطنين من الجريمة الفعلية والجرائم المفترضة داخل خطاب الشائعة. لا يسلم مجال المال والأعمال من الشائعات التي تهدف أحيانا إلى ضرب المنافسين أو رفع أو خفض قيم البورصة أو إلى تلميع صورة مقاولة أو بلد ما كما هو الحال في الإشاعات التي تكون الغاية من ورائها الحد من تدفق السياح أو الاستثمارات. وفي مجال الاستثمار بالضبط أصبح المغرب مقصدا ومحجا قاريا وإقليميا لكبريات الشركات العالمية، غير أن بعض هذه الاستثمارات التي يتم الإعلان عنها سرعان ما تتبخر وتتحول إلى شائعات مخيبة للآمال. هذه بعض المشاريع الوهمية التي نسجت حولها شائعات ولم تر النور إطلاقا. شائعات المشاريع الوهمية تضخ الملايير وتشغل الآلاف استثمارات ضخمة شغلت الناس ولم تر النور 1 أربعون مليار دولار في الصحراء في شهر ماي من عام 2012 تم الإعلان في بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية عن مشروع استثماري ضخم تبلغ تكلفته 40 مليار دولار. اعتبر هذا الغلاف الاستثماري حين الإعلان عنه أضخم مشروع سجله الاقتصاد الوطني. كان عنوان هذا المشروع أكثر إثارة للدهشة والاستغراب وقريبا من الأسطورة حيث اختار له أصحابه اسم مشروع «الزمان» وكانت من ورائه شركة دولية اسمها «سويس إنجاز إنفست». ويتجسد هذا المشروع في بناء مركب سياحي عملاق بمدينة الداخلة من قبيل تلك المركبات السياحية التي تحتضنها مدينة «لاس فيجاس» في صحراء أريزونا بالولايات المتحدةالأمريكية. ورغم أن تدشين المشروع وضع له أفق زمني في سنة 2024 إلا أن هذا الاستثمار سواء من حيث الغلاف المالي المخصص له أو الموقع الذي اختير له، أثار منذ الإعلان عنه تساؤلات الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الاقتصادي حول إمكانه وجدواه. وبعد أن انقضت أكثر من سنتين على إعلانه لا يزال هذا المشروع مجرد تصاميم وفيديوهات أولية على بعض المواقع الإلكترونية. 2 ديزني لاند في الدارالبيضاء قبل بضعة أشهر تم افتتاح حديقة الملاهي المثيرة للجدل والمعروفة بحديقة السندباد بشاطئ عين الذئاب بالدارالبيضاء. هذا الافتتاح كان مخيبا للآمال بعد أن اكتشف البيضاويون أن الجبل قد تمخض ليلد فأرا رغم أن مشروع تأهيل هذه الحديقة امتد لسنوات واستنزف ميزانيات ضخمة ليتبين أن العروض والخدمات المقدمة ليست في المستوى. لكن ما لا يعرفه الكثير من البيضاويين هو أن هناك حديقة ألعاب أخرى أكثر ضخامة واحترافية لم يكتب لها أن تخرج إلى حيز الوجود بعد أن تحول مشروعها إلى مجرد إشاعة وأضحت في خبر كان. فقد كشفت بعض الصحف سنة 2012 عن مشروع وهمي لبناء حديقة ألعاب من سلسلة «ديزني لاند» الأمريكيةبالدارالبيضاء، بل إن الشائعة تحدثت عن استثمار بقيمة أربعة ملايير دولار من تمويل أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وحددت للمشروع حسب الخبر الذي لم يصح أبدا منطقة النواصر لبناء الحديقة التي تضيف الشائعة أنها كانت ستصمم على طراز نظيرتها في باريس. طبعا هذا المشروع لم ير النور أبدا، علما أنه سبق في 2011 الحديث عن بنائه في مدينة مراكش. وكان من السهل على من التقطوا الخبر ونشروه وعمموه في بعض الصحف الموثوقة أن يخمنوا صعوبة الحديث عن هذا الاستثمار في المغرب بالنظر إلى أن مدن الملاهي من طراز «ديزني لاند» ليست من المشاريع التي تضمن ربحا سريعا والدليل على ذلك أن حديقة باريس المشهورة تغطي كل احتياجات جل الدول الأوربية في مجال الملاهي وتعتبر تقريبا الاستثمار الوحيد لمجموعة ديزني لاند في أوربا. 3 أكبر برج بإفريقيا في دجنبر من العام الماضي تم الإعلان في مجموعة من وسائل الإعلام المهتمة بالشأن الاقتصادي عن مشروع لبناء أعلى برج في إفريقيا تحتضنه منطقة أنفا بالدارالبيضاء بكلفة مالية قدرت بمليار ونصف المليار دولار. هذا البرج الذي يبلغ طوله 540 مترا وعدد طوابقه 114 أعلنت عنه مجموعة «الشرق الأوسط للإعمار» التي يوجد مقرها بدبي وتتبع لمجموعة مقاولات بن لادن. برج النور الذي لم ير أبدا النور تحول إلى مجرد شائعة مستفزة لمشاعر البيضاويين بعد أن نفت كل السلطات المحلية التي يعهد إليها تدبير الشأن الحضري والعمراني بالعاصمة الاقتصادية هذا الخبر، وأكدت أنها لا علم لها بهذا المشروع بل اعتبرته مجرد شائعة. ومما أكد هذا التكذيب أن المجموعة الاقتصادية الخليجية التي سبق أن أعلنت عن هذا الاستثمار لزمت الصمت ولم تعهد إلى تأكيده والرد على التكذيب رغم أنها سبق أن نشرت على موقع اليوتيوب بعض الفيديوهات التي تتضمن تصاميم للمشروع وموقعه ولذلك لم ينف بعض المختصين في الشأن الاقتصادي احتمال أن يكون المشروع الوهمي مجرد شائعة الهدف منها هو تقديم خدمة إشهارية مجانية للشركة المذكورة التي أعلنت عن هذا المشروع. 4 مركب تارودانت السياحي يعتبر هذا المشروع من آخر المشاريع الوهمية التي تم الإعلان عنها في جملة الاستثمارات الوهمية التي يستقطبها المغرب والتي حظيت باهتمام إعلامي محلي وإقليمي وخصوصا في بعض وسائل الإعلام الخليجية. يتعلق الأمر حسب ما نقله الموقع الإلكتروني «يا بلادي» برجل أعمال سعودي أعلن عن توقيع اتفاق مع السلطات المحلية بمدينة تارودانت لإنجاز مشروع سياحي ضخم على مساحة تقدر ب8,7 ملايين متر مربع. وحسب ما أعلنه هذا المستثمر فإن المشروع المذكور سيتم تمويله من طرف كونسورتيوم مكون من شركات أمريكية وسعودية بغلاف مالي قدره مليار دولار. وقد أعلن موقع «يا بلادي» عقب اتصاله بالسلطات المحلية بإقليم تارودانت عن تكذيب هذه الأخيرة لهذا المشروع الوهمي الذي انضاف إلى قائمة الشائعات الاستثمارية التي تضخ الملايير من الدولارات وتشغل الآلاف من الأيدي العاملة. 5 مشروع جبال الريف في المجال السياحي تكثر الشائعات والأراجيف بخصوص الاستثمارات وكما في مشروعي تارودانتوالداخلة، تم الإعلان في يوليوز 2008 عن مشروع تنفذه الشركة الروسية العملاقة «غاز بروم» عبر فرعها في مجال الاستثمارات العقارية «أنتلكو» عن استثمار بقيمة مليار دولار لبناء مشاريع عقارية وسياحية في منطقة جبال الريف. حينها تم تداول هذا الخبر على أوسع نطاق لكن بعد مرور أكثر من ست سنوات يتبين أن الأمر كان مجرد شائعة بطعم المال والأعمال. اكتشاف البترول.. قصة الشائعة التي خيبت أحلام أمة في صيف سنة 2000 عاش المغاربة أكبر وهم جميل في تاريخهم، كان هذا الوهم أو الحلم المجهض مستندا إلى إعلان رسمي من وزارة الطاقة والمعادن حينها عن اكتشاف آبار للبترول بمنطقة تالسينت بالجنوب الشرقي، بعد أن كشفت شركة أمريكية منقبة عن وجود احتياطي نفطي كبير. احتضن الناس هذا الخبر بكل الآمال الممكنة وبدأت أحلامهم وطموحاتهم تكبر من حول هذا الكشف الوهمي خصوصا بعد أن أعلنت الحكومة عن أن استغلال هذه الآبار التي يبلغ احتياطيها 1.5 مليار برميل سينطلق ابتداء من سنة 2003 . في بلد يعاني من الفقر وقلة الموارد وانتشار البطالة يعتبر الإعلان عن اكتشاف بئر للبترول بمثابة البشارة التي لا يمكن إلا أن يجمع الرأي العام على الفرح والحبور بها. كل الناس تناقلوا هذا النبأ العظيم الذي أصبح رسميا بعد تبنيه من أعلى السلطات في البلاد، وشرع الكل يمنون أنفسهم بأن يحولوا البلد إلى خليج عربي جديد تخترقه الجنان وناطحات السحاب يعيش فيه المغاربة رغدا ورفاهية لطالما حرموا منها. ومما زاد من تأثير الكذبة وسريانها بين الجماهير أنها كانت معززة بقدر كبيرة من المعطيات التقنية والعلمية التي قدمتها الشركة المنقبة «لون سطار» فقد تحدثت التقارير الرسمية عن وجود كميات تكفي لتغطية استهلاك المغرب من البترول على امتداد 35 سنة، فازداد نوم الرأي العام وغرقه في عسل الإشاعة المحبوكة. ثم جاء الإعلان بصفة رسمية من خلال خطاب العرش بتاريخ 20 غشت 2000 ليتحول الخبر إلى حلم أمة بأكملها من أجل تحقيق النماء والتقدم والرخاء الاقتصادي. وبعد شهور قليلة من العيش في فقاعة الأحلام ووعود البترودولار التي حلم بها المغاربة تبين أن الاكتشاف المزعوم لم يكن سوى شائعة وكذبة محبوكة ومتقنة استطاع مطلقوها أن يوهموا أمة كاملة شعبيا ورسميا. وتناسلت التأويلات والتفسيرات حول أسباب هذه الشائعة التي بنت آمالا عريضة وأفق انتظار واسع سرعان ما تعرض للانكسار. وانقسم الرأي العام بين مصدق ومكذب للشائعة، وبينما عزاها البعض إلى رغبة مسؤولي شركة «لون سطار» في الرفع من قيمة أسهم الشركة في الأسواق الدولية، اعتبر البعض أن هذا الخبر كان الهدف منه جلب أنظار الشركات المنقبة عن البترول عبر العالم إلى المغرب باعتباره أرضا واعدة بموارد ومصادر الطاقة ولحث المزيد من هذه الشركات على الاستثمار فيه. وإلى جانب هذه التفسيرات ذهب شطر من الرأي العام في اتجاه فرضية أخرى تؤكد صحة الخبر وتنفي أن يكون شائعة واجتهد أصحاب هذا الرأي في لي عنق الحقائق لكي يستنتجوا أن البترول قد اكتشف فعلا بمنطقة تالسينت لكن السلطات العمومية فضلت عدم الكشف عنه واعتبار الأمر مجرد كذبة بعد أن تبين لها أن الإعلان عنه في ذلك السياق قد يجلب أطماع بعض القوى الدولية على المغرب الذي لا يزال في طريق استكمال وحدته الترابية ويعاني باستمرار من تبعات التدخلات الأجنبية في قضية الصحراء. ولقد طرحت شائعة أو كذبة تالسينت، التي تحولت في أنظار المراقبين إلى عملية نصب واحتيال كبيرة، عدة قضايا ترتبط بعلاقة السلطة بالرأي العام. فقد أثارت هذه القضية مشكلة غياب أو انعدام التواصل في توضيح ملابسات هذه الشائعة للجمهور مما غذا شكوك أنصار نظرية المؤامرة وأثار تساؤلاتهم، حيث استغرب الكثيرون من عدم تقديم السلطات لتوضيحات مفصلة بالأدلة والبراهين عن عدم وجود أي أثر للبترول بتالسينت وإظهار حقيقة أن الأمر كان مجرد عملية نصب واحتيال كبيرة للجم وإسكات كل التأويلات والشائعات التي تولدت عن هذا الموضوع، خصوصا أن الحكومة قادت حملة دعائية وتواصلية كبيرة ضد هذا الاكتشاف الوهمي، لكنها تعاملت بقدر كبير من التجاهل واللامبالاة فيما يخص توضيح وكشف الحقيقة النهائية بهذا الخصوص. لقد خلفت كذبة تالسينت وراءها كثيرا من الدروس سواء للسلطات أو للرأي العام. أول هذه الدروس التي استخلصتها الجهات المعنية بقضايا الطاقة والتنقيب بالمغرب هو التوجس والحذر والتأني الشديد قبل وخلال الإعلان عن اكتشافات مشابهة، إذ كثيرا ما تحاول هذه الجهات ممثلة في وزارة الطاقة والمعادن والمكتب الوطني للهيدروكاربورات التعاطي مع أخبار الاكتشافات بنسبية وحذر كبيرين، وتتفادي تبني هذه الأنباء وتترك مسؤولية ذلك على عاتق الشركات المنقبة التي تكشف عن هذه المعطيات. أما الدرس الثاني فهو التعطش الكبير الذي عبر عنه المغاربة بكافة مستوياتهم إلى الذهب الأسود الذي كان حينها عنوانا للثراء والبذخ قياسا على ما تتمتع به بعض البلدان النفطية في المنطقة العربية، لكن هذا التعطش الذي لم يروى أبدا أظهر كذلك أن التعويل على الموارد الطبيعية وعطايا الطبيعة لخلق الثروة وبناء اقتصاد متطور وتحقيق تنمية شاملة أمر غير مضمون ويمكن أن يتحول في ليلة وضحاها من حلم جميل إلى كابوس مرعب.