خلال الأزمات تنتشر الشائعات أكثر من انتشار النار في الهشيم، تتوالد بشكل خطير وتخلق هستيرية جماعية وفردية تلعب دورا سلبيا وتفشل كل خطط احتواء الأزمة. فلا شك أن وسائل الإعلام والتواصل تعلب دورا كبيراً في توجيه الشعوب، ترويض وعيها وتوجيهه، ومحاولة التحكم في الوعي الجماعي للأفراد الذين يشكلون نسيج مجتمع ما. لكن ماذا لو كانت وسائل التواصل مدمرة ونتائجها غير المرغوبة تطغى على فوائدها؟، ما الذي يساهم في نشر أخبار زائفة ؟، أهو الإعلام ووسائل التواصل أم وعي الشعب الذي يحتاجُ للتحسيس أكثر بأهمية هذه الوسائل ؟. أشياء كثيرة تحفز فينا رغبة السؤال والتعجب في وضع راهن يحتاج منا ضبطا للنفس أكثر من ضبط انتشار الفواجع. تلعب وسائل التواصل والإعلام دورا كبيرا في تقزيم حجم انتشار فاجعة ما، غير أنها قد تساهم بشكل غير مرغوب فيه في انتشار الشائعة. الشائعة التي تدمر أكثر من الفيروس نفسه. فخلال الأزمة التي يمر بها العالم، ساهم المغاربة في نشر إشاعات تخلقها جهات، وحده الله يعلم مرادها من وراء نشرها. فمنذ ظهور فيروس كورونا في الصين، ظل عالم التواصل عند المغاربة يعج بالشائعات، حيث يقول منشور بأن الفيروس عقاب من الله للشعب الصيني الذي يبيد المسلمين في أقاليم معينة. ويقول آخر إن الفيروس من اختراع مخابرات غربية تستهدف اقتصاد الصين. وغيرها من الأمور المختلقة. ثم سرعان ما تبددت الشائعات، فتحرك الفيروس الذي لا يفرق بين الأديان والألوان، ليجوب العالم وصولا إلى المغرب. وبدل أن تساهم وسائل التواصل في الحد من انتشار المعلومة الخاطئة حول الفيروس، انتشرت المعلومات الخاطئة التي قد تساهم حتما في انتشاره. فيقول منشور إن شخصا ظهر يدعي أنه يكوي ضد الفيروس ويبرئ المصابين. وعبر آخر بأن بإمكانه أن يشفي المريض لو وضع معه لمدة عشرة أيام في غرفة منعزلة. واستمرت السخرية من الوضع رغم خطورته وجدية التهديد الذي يواجه الوطن، فقد قيل في منشور تجاهلا لكل الأصوات والبلاغات ساخرا " الله يدخل علينا هاد كورونا بالصحة والسلامة"، وخلال جرد لعدة منشورات لأفراد ومجموعات يتضح جليا أن بيننا مخلوقات تتغذى على الأزمات، كأزمة الكمامة الطبية، وغيرها. وأن ظهور فاجعة ما يعتبر فرصة لزيادة عدد إعجابات يسعى المخلوق هذا من خلالها لكسب الشهرة أو الوصول إلى تحقيق بوز شخصي. لن نقول - بحكم المتسرع- إن هذه المخلوقات التي تتغذى على المصائب تعتبر مريضة نفسية، غير أن تلك التصرفات تحتاج إلى كثير من الدراسة والاهتمام. تحتاج إلى أن تواجَه بوسائل رادعة قانونيا رغم عدم نجاعتها، ولكن يبقى الوعي من أهم ما يمكن أن تتم به مواجهة هذه المخلوقات المضرة لصحة الشعب والوطن. لا أحد ينكر المجهودات التي تبدلها وسائل الإعلام الرسمية، والقطاع الوصي لاحتواء الشائعة ونبدها، إلا أنها غير ناجعة في مواجهة انتشار الشائعة التي تضر بنفسية الأفراد وتساهم في خلق الاضطراب بشكل كبير. فالشعب رغم الوعي الذي يبرهن عليه والتضامن الذي يؤكده نحو قضايا الوطن الرئيسة وأمنه، إلا أن فئات كثيرة من الناس لا تستطيع أن تفرق بين مقطع صوتي على وتساب أو مقطع فيديو على فيسبوك، ومنشور عبر صفحة وهمية، وبين مصدر مؤكد للمعلومة. لذلك يحتاج كثير من الأفراد إلى التوعية والتحسيس بمخاطر وسائل التواصل في نشر الشائعة وترهيب الناس. فالإنسان بطبيعته مخلوق هش عاطفيا ويمكن تدمير نفسيته وأمانه العاطفي بسهولة كلما تعلق الأمر بشيء يهدد حياته أو سلامته البدنية. يظل الأفراد الذين ليس لهم وعي بضرورة التأكد من المعلومة، معرضين بشكل خطير لتأثير هذه المعلومات الخاطئة على نفسيتهم وسلامتهم، بل إن المعلومات المنتشرة بشكل خاطئ يمكنها أن تساهم في ترهيب الأفراد الذين ليس لهم قدرة على التعامل مع وسائل التواصل. فأي إجراء يمكن اتخاذه درءاً لهذا الخطر ؟. إن وضعا مهددا بهذا الشكل، يحتاج منا جميعا مجهودات حقيقية، واتخاذ خطوات هامة ضداً في انتشار الشائعة التي تساهم في انتشار الفيروس وزرع الخوف والبلبلة في نفوس المواطنين. ومن بين هذه الخطوات التي يمكن القيام بها كأفراد: - التوقف عن مشاركة أي منشور يتحدث عن الفيروس أو كيفية التعامل معه بشكل خاطئ - عدم نشر أو مشاركة أي معلومة خاطئة غير موثوقة. - المساهمة في نشر المعلومات الصحيحة موثوقة المصدر. - حذف أو إيقاف أي منشور يسخر أو يساهم في نشر إشاعة. - الشائعة هي كل ما من شأنه أن يخلق شكاً أو يزرع خوفاً أو يهدد سلامة شخص معين لا يعي الفرق بين الأخبار الزائفة والصحية. - القيام بإجراءات السلامة التي حددتها الجهات الوصية. تظل هذه الخطوات قادرة أن تساهم في إيقاف نزيف الأخبار الزائفة، والحد من انتشار الفيروس بشكل كبير لأن من شأن الأخبار الكاذبة أن تساهم في نشر الفيروس عبر التعامل معه بشكل خاطئ، وهو أمر خاطئ ومهدد للحياة. وفي النهاية على الإنسان أن يفهم الفرق بين أن يكون مساهما في إنقاذ حياة شخص وبين أن يساهم في تدمير حياة فرد آخر ليس له وعي كبير بدور الإعلام ووسائل التواصل. لذلك فأي معلومة تنشرها، هي مسؤولية شخصية، يعاقب عليها القانون أولا إن كانت مضللة، ثم يعاقب عليها الضمير لأنها تفسد على الآخرين حياتهم وصخة أنفسهم. فالحياة أمانة، والنفس أمانة وجب الحفاظ عليها. وأخيرا، إن الشائعة تساهم بشكل كبير في انتشار الفيروس عبر انتشارها، وإذا انتشر هذا الوباء لن يفرق بين من يفبرك الأخبار وينشرها وبين من يعتبر ضحية للأخبار الزائفة. سيأتي على الجميع دون استثناء، غير أن مساهمة فعالة في نشر المعلومات الصحيحة سيكون بمثابة إنقاذ حياة الآخر وبالتالي هناك ثمة فرق كبير بين من يحي نفسا كأنما أحيا الناس جميعا، وبين من يقتل نفسا ولو بشكل خاطئ فكأنما قتل الناس جميعا. فالتهديد جدي والصرامة واجبة... والحياة أمانة.