تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تدفق الاخبار بمختلف أنواعها،بل شكلت ثورة حقيقية في تسهيل التواصل والدفاع عن حقوق الافراد من التعسف وتحول العديد من المواطنين بهواتفهم المحمولة الى وسائل لتصوير أحداث ولقطات نادرة وأحيانا يقومون بترويج اخبار دون معرفة حتى مصدرها والهدف من نشرها. لكن الامر السلبي في هذه الثورة التكنولوجية هو سهولة الخلط أحيانا بين الحقيقة مع الاشاعة،والأخبار الزائفة او ما اصبح يعرف «الفاك نيوز» وجعل العديد من المحترفين يستغلون هذا الوسائل وهذا الجمهور لنشر اخبار زائفة تحقق لهم ربحا من خلال نجاح فيديوهاتهم او من خلال بيع كتب المؤامرة او لخدمة جهة معينة او دولة ما ومصالحها، وهو ما يجعل اغلب الصحفيين المهنيين عبر العالم يقضون وقتا طويلا في التحقق من ملايين المعلومات التي تروج يوميا والتأكد من صحتها قبل نشرها او الحديث عنها حفظا للمصداقية والمسؤولية الأخلاقية والقانونية ، في حين ان هذه الالتزامات تغيب عن وسائل التواصل الاجتماعي. وكشفت دراسة للأكاديمية الامريكية للعلوم ان «وسائل الاتصال الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر والواتساب تساعد على نشر معلومات مغلوطة وكذلك نظرية المؤامرة والشائعات بمختلف أنواعها، هذه الدراسة التي نشرتها صحيفة الانديبندنت» البريطانية، أبرزت ان خطورة الانتشار تكمن في ان الأشخاص يميلون لتواصل ومشاركة الاخبار مع من يتفقون معهم في المواقف في صفحات معينة،ثم يعيدون نشرها دون الشك في احتمال خطئها خاصة انها قادمة من دوائر الثقة القريبة منهم». هذه الاشاعات تكون مختلفة حسب الجهات التي قامت بترويجها، قد تكون سياسية ربما تؤدي الى انتشار السخط والعداء ضد المؤسسات القائمة وتهدد الامن العام،مثل ما حدث عدة مرات بالمغرب من خلال نشر صور مآسي إنسانية واجتماعية لا علاقة لها بالمغرب وتقديمها على أساس ذلك . وقد تكون اقتصادية تشكك المستهلك في جودة منتوج ما وخطورته على الصحة او يتضمن مواد محرمة دينيا، وهي إشاعة اطلقت على العديد من المشروبات او إشاعة أخلاقية تستهدف شخصية عامة ويتم نشرها لتشويه صورة المعني او إشاعة صحية تتحدث عن وجود مرض خطير مما يؤدي الى حالة الرعب بالمجتمع ويتم نشرها عبر الفايس بوك او الواتساب دون التأكد من صحتها او من مصدرها.وهذه الاخبار تسمى في الاعلام الأمريكي الفاك نيوز وترويج المؤامرة. هذه التقنيات الجديدة استعملت في الانتخابات ومن اجل التأثير فيها في اتجاه معين ولصالح طرف دون آخر في الولاياتالمتحدةالامريكية مكنت من نجاح رئيس غير معروف في الحقل السياسي،من دون حزب ومن دون شبكة سياسية محلية او وطنية بالولاياتالمتحدةالامريكية و من خلال اعتماد ترويج الاشاعة والحديث عن المؤامرة.وهو ما سهل اقصاء مرشحة أخرى وهي هيلاري كلينتون، من خلال الاشاعات وتسريب معلومات خاصة بها عندما كانت في المسؤولية،و أخرى كاذبة ليس لها أي أساس من الصحة. ولم تتردد واشنطن باتهام موسكو في التدخل في هذه الانتخابات من خلال ترجيح كفة مرشح ضد الاخر وتسريب معلومات وإطلاق إشاعات وهي عملية تمت بتعاون مع دولة أجنبية في حال تؤكد هذه الاخبار من طرف القضاء وهو تعاون مرشح امريكي مع مخابرات دولة أجنبية قد يكلف ذلك الرئيس الأمريكي منصبه بالبيت الأبيض.هناك تكمن خطورة وسائل التواصل في ترويج اشاعات تضر بمصالح مجتمعات وتعمل لصالح مصالح بلدان اجنبية دون الوعي بذلك إلا المساهمة في ترويج الاشاعة بل تحقيق «السبق» من خلال بعثها الى اكبر عدد ممكن من الأصدقاء والمعارف. فرنسا اثناء انتخاباتها الرئاسية والتشريعية الاخيرة استفادت من الدرس الأمريكي وحصلت على مساعدة امريكية في هذا المجال،وتمكنت من انقاذ انتخاباتها والحد من تأثير الاشاعة ونظرية المؤامرة التي انتشرت على المواقع الاجتماعية والتي استغلها وأشاع بعضها حزب اليمين المتطرف لمارين لوبين من اجل قلب المعادلة الانتخابية لصالحه واستغلال سذاجة الملايين من المترددين على الشبكات الاجتماعية والذين يعتقدون في كل ما يكتب او يسمع او يشاهد، من دون طرح أسئلة او التحقق من خلال مشاهدة او متابعة مصادر إخبارية أخرى او مختلفة. وهي اشاعات شاركت فيها رئيسة هذا الحزب التي اتهمت اثناء الحملة منافسها إيمانويل ماكرون على الهواء مباشرة في احد البرامج الحوارية بالتوفر على حسابات في الخارج، دون ان تتمكن من النجاح في هذه العملية، رغم التحرك الكبير الذي تم عبر شبكات التواصل الاجتماعي خاصة من روسياوالولاياتالمتحدةالامريكية دون النجاح هذه المرة في قلب مسار الانتخابات. هذا الوضع، دفع الرئيس الفرنسي ماكرون في تهاني رأس السنة لصحافة في 3 من يناير في التفكير في وسيلة لمحاربة الاشاعة اثناء الحملات الانتخابية، وهو ما جعل كل الطبقة السياسية تتساءل حول كيفية تطبيق هذا القانون لمواجهة الاشاعة والأخبار الزائفة التي تنتشر في المواقع الاجتماعية والشبكة العنكبوتية خاصة اثناء الانتخابات التي يستفيد منها على الخصوص اليمين المتطرف والحركات السياسية الشعبوية او بعض الدول التي وجدت فيها وسيلة لمواجهة الديموقراطيات الغربية مثل روسيا الفيدرالية والتي لها وسائل اعلام تساهم في ممارسة الدعاية اكثر من البحث عن الأخبار وهو الانتقاد الذي لم يتردد في قوله الرئيس الفرنسي عند استقباله لفلاديمير بوتين بقصر فيرساي في سنة 2017 حيث اعتبر في اجابته على احد الصحفيين الروس ان ما تقوم به قناة سبوتنيك او روسيا اليوم هو دعاية وممارسة التأثير اكثر من نقل الاخبار.وهو ما يهدد الديموقراطية والإشاعة لعبت دورا في تحقق البركسيت ببريطانيا ونجاح دونالد ترامب بالولاياتالمتحدةالامريكية. انتشار الشائعات الكاذبة يساعد أيضا مؤيدي المؤامرة، وهو امر يحدث ارتباكا داخل المجتمع، احد الدراسات الفرنسية بينت ارتفاع عدد الفرنسيين الذين يمتنعون عن تلقيح أبنائهم ويعتبرون ذلك مؤامرة من الشركات الكبرى، البعض الاخر يعتبر ان مرض السيدا تم صنعه في المختبرات الامريكية وتم تجريبه بإفريقيا قبل ان ينتشر عبر العالم،او ان داعش هي من صنع القوى الكبرى او ان هجوم 11 شتنبر 2001 بنيويورك دبره الامريكيون او سمحو به، البعض الاخر يعتبر ان نزول الانسان فوق القمر ليس صحيحا وهو مجرد افتراء ولائحة الاشاعات طويلة خاصة لذى المؤمنين ببعض المعتقدات والذين ينتظرون نهاية العالم ويعتقدون ان لهم مؤشرات عن الاقتراب الكبير لساعة النهاية.وهو اشاعات ونظريات للمؤامرة تتواجد اكثر وسط الشباب اكثر من الكهول حسب نفس الدراسة. دراسة فرنسية اجراها معهد ايفوب لصالح مؤسسة «جون جوريس» ومرصد «كونسبيرسي وتش» بينت ان 79 في المائة من الفرنسيين يؤمنون بنظرية المؤامرة وهو ما يشكل «ظاهرة اجتماعية كبيرة ومقلقة» في بلد اغلب سكانه متعلمون بل لهم تعليم عالي، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يعمل على وضع قانون لمحاربة الاخبار المزيفة والمنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.ومن اهم هذه المعتقدات المنتشرة داخل المجتمع الفرنسي « ان المخابرات الامريكية هي التي قد تكون وراء اغتيال جون كينيدي في الستينات. من ارتكب الاعتداءات ضد مجلة شارلي ايبدو الفرنسية في يناير 2015 ؟ وهل الأرض مسطحة، ام دائرية، المغرب هو الاخر يعاني من هذه الظاهرة وهو تفشي الاخبار الزائفة التي يستعملها البعض ممن يدعون الصحافة في اابتزاز الضحايا، بالإضافة لى الاخبار الكثيرة التي تروج في الشبكات الاجتماعية والشبكة العنكبوتية الى حد اعتبار كل ما تتناقله هذه الوسائل هو معلومات زائفة وإشاعة،وبدون مصداقية، هذه الوسائل التي تعتبر تقنيات تمكن المواطن من نقل المعلومة من عين المكان في حال تعذر وجود صجفيين مهنيين بعين المكان. الخلط بين الحقيقة والإشاعة سيعرف تطورا رهيبا في المستقل القريب، من خلال التطور الكبير الذي تعرفه البرمجيات «لوجيسيال» حيث يمكن لشخص ما ان يصنع تصريحات لشخصية عمومية من خلال استعمال صورتها وصوتها الحقيقي لإنتاج الفيديو فهو يحتاج ل3 دقائق حقيقية ،حيث يتم استعمال الصورة والصوت الحقيقين رغم ان الفيديو هو زائف.وهو برنامج تم تطويره من طرف باحثين من جامعة ستانفورد الامريكية،حيث تم استعمال فيديوهات دونالد ترامب مع احد القنوات الامريكية ويقوم كوميدي بتقليدها ووضعها على الصورة الحقيقية لرئيس، وهو ما يعطي انطباعا انه يقوم بتصريح دون ان يكون ذلك صحيحا.و من الصعب التفريق بين الحقيقة والكذب عند مشاهدة الفيديو بالعين المجردة، والتفريق بين الصور الحقيقية التي استعملت والتصريحات بصوت الشخص التي يتم انتاجها بشكل اصطناعي وهو ما يجعل المستقبل كبيرا امام «الفاك نيوز» خاصة ان المعلومات المتوفرة حتى الان هو ان هذه البرمجيات تجربها عدة جامعات أمريكية ولم يصل بعد الى العموم.