عطاف يكشف عن آخر أوراقه لإسعاف المشروع الانفصالي من الغريب والمدهش أيضا أن يتجاهل وزير الشؤون الخارجية الجزائري كل التهديدات الأمنية التي تحيط بحدود بلاده البرية شرقا و جنوبا، ويتفرغ الأحد الماضي بمقر ووزارته بالعاصمة الجزائرية لما يسمى برئيس دبلوماسية جبهة البوليساريو الانفصالية، ويناقش معه تطورات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية على ضوء التقرير الأخير الذي رفعه الأمين العام الأممي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
في نظر المتتبعين فإن النزول القوي للدبلوماسية الجزائرية خلال الأسابيع الماضية على الساحتين القارية والدولية لإسعاف المشروع الانفصالي المتفكك داخليا وخارجيا والذي تتقاذفه النكسات السياسية المتسلسلة، يعبر عن توجس وتخبط عارمين على صعيد السياسة الخارجية لقصر المرادية المتوجسة على مسافة أسابيع قليلة من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي من أن تصدر رصاصة الرحمة التي تنهي الحلم الانفصالي الذي عمر زهاء نصف قرن وكلف خزينة الجزائر ما يناهز ال 600 مليار دولار أمريكي فاتورة ولادة وحياة كيان مصطنع في صحراء لحمادة، تحول من مجرد نزوة ثورية لجنرالات النظام إلى عبئ سياسي وأمني واجتماعي داخلي يتحمل الجزائريون وحدهم كلفته اليومية الباهظة .
ومن الملفت أيضا أن يتباحث السيد عطاف مع ضيفه القادم من مخيمات تندوف تفاصيل الملفات المتعلقة بالأجندة القارية في إطار الاتحاد الإفريقي، وكذا الشراكات التي تربط المنظمة القارية بمختلف الفاعلين الدوليين، علما أن عطاف نفسه كان قبل أسابيع قليلة قد انتقد بشدة قرار الاتحاد الإفريقي الأخير القاضي باستبعاد جبهة البوليساريو من الاجتماعات والمؤتمرات التي ينظمها الاتحاد الافريقي مع شركائه الدوليين، وهو القرار الذي يقطع مع المناورات المتكررة التي ظلت بموجبها الجزائر بمعية جنوب افريقيا تقحم عناصر انفصالية من جبهة البوليساريو ضمن القمم والملتقيات التي تنظمها المؤسسة القارية مع نظيراتها بالقارات الأخرى، كروسيا و اليابان و الصين وغيرها، و هو ما دفع وزير الشؤون الخارجية الجزائري قبل أقل من شهر الى الدعوة لعقد دورة استثنائية للمجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي شهر شتنبر المقبل بمبرر التحضير للقمة المقبلة لمجموعة العشرين . فيما واقع الحال يؤكد أن السيد عطاف سيقاتل بمعية حليفته جنوب افريقيا للالتفاف على قرار استبعاد البوليساريو من مثل هذه الملتقيات الدولية وضمان تمثيلية ولو شكلية لعناصرها بجوازات و جنسيات مزورة كما كان الحال قبل سنوات لزعيم الانفصاليين المدعو بنبطوش الذي ولج مصحة اسبانية مواطنا جزائريا مريضا وخرج منها رئيسا للكيان الوهمي المصطنع بمخيمات تندوف .
والأكيد أن الدبلوماسية الجزائرية التي تلقت في عز الحملة الانتخابية الرئاسية لمرشح النظام صفعة مؤلمة من فرنسا التي أعلنت أخيرا اعترافها الرسمي والكامل بالسيادة المغربية على كامل تراب الصحراء المغربية، تتأهب لصدمات سياسية أكثر إيلاما من قبيل اعتراف بريطاني بمغربية الصحراء، أو شروع أعضاء الاتحاد الافريقي في إجراءات ومساطر طرد الكيان الوهمي خارج أسوار الاتحاد القاري مباشرة بعد استكمال تجديد هياكل الاتحاد شهر فبراير المقبل، حيث ستشهد كواليس مقر الاتحاد بأديس ابيبا بأثيوبيا، حربا دبلوماسية شرسة لافتكاك منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بعد أن قدم كل من المغرب الجزائر مرشحهما لثاني أهم منصب قيادي تنفيذي بالقارة . و مهما يكن فإن الجزائر التي تحوز حاليا عضوية مؤقتة بمجلس الأمن الدولي ستناور بأقصى امكانياتها على أمل أن تعوض فشلها الذريع في إيجاد حلول ناجعة بعيدة عن منطق و لغة الشعارات لأزمات عربية شائكة من قبيل الأوضاع المقلقة بفلسطين وليبيا والسودان، لإتمام صفقة سياسية متعددة الأطراف لدفع مجموعة أصدقاء الصحراء المشكلة من أمريكا، بريطانيا، روسيا، اسبانيا و فرنسا نهاية أكتوبر القادم لتبني قرار أممي يتجاوز على الأقل أسلوب الدعم السياسي المعهود للقرارات السنوية الأخيرة لخطة الحكم الذاتي المغربية كحل سياسي ذي مصداقية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبغض النظر عما إذا كانت التحركات المحمومة للجزائر على الصعيد القاري ستنجح في تأجيل قرار إشهار ورقة الطرد في حق البوليساريو خارج أسوار المنظمة القارية، فإن ما هو مؤكد في تقدير الخبراء والملاحظين أن عوامل عدة أسهمت في السنوات الأخيرة في إضعاف سمعة و مصداقية الصوت الجزائري في المحافل الدولية المحترمة وذات المصداقية، حيث عجزت السياسة الخارجية الملتبسة لحكام قصر المرادية في ضمان استمرار عرى التوافق حتى مع الحلفاء التقليديين للجزائر من قبيل روسيا و الصين اللذين تفطنا للمناورات والألاعيب القذرة للجزائر في محيطها الإقليمي وراجعا خلال الأشهر الأخيرة جذريا ملفات الشراكة والتعاون والتنسيق الثنائي التي تجمعهما بنظام سياسي منغلق لا يحترم التزاماته وتعاقداته الخارجية.