الحديث عن أعداد الوفيات التي سجلت هذه السنة في موسم الحج بالديار المقدسة لم تخل من وجود خلفيات أخرى، بعضها سياسي محض يرتهن إلى مواقف إيديولوجية وسياسية، بينما يكتسي بعضها الآخر خطورة أكثر لأنه يرتبط بالدين الإسلامي الحنيف. وهكذا أبدت بعض الأوساط اهتماما كبيرا بما حدث في موسم الحج هذه السنة بشكل غير مسبوق في غياب أدنى شروط الموضوعية والنزاهة الفكرية، وركزت على نزعة التحامل خدمة لأغراض معينة. طبعا ليست المرة الأولى التي ينظم فيها موسم الحج في الديار المقدسة، وليست المرة الأولى التي تسجل فيها وفيات ، فقد سبق في مواسم سابقة تسجيل أعداد وفيات كبيرة بسبب أحداث تقنية أو حتى سياسية في زمن بعيد. لكن أحداث هذه السنة حظيت باهتمام إعلامي استثنائي، خصوصا من طرف بعض وسائل الإعلام الغربية التي لم يتردد بعضها في ربط أسباب ما وقع بالإسلام و بممارسة إحدى أهم شعائره الدينية. من الضروري التذكير في هذا الصدد بأن قضية إدارة الحشود البشرية يجب أن تخضع إلى شروط ومعايير محددة تراعى فيها قضايا الأعداد والمساحة التي تدار فيها الحشود وسبل التأطير التقني وتأهيل الموارد البشرية المكلفة بالتأطير الفني والأمني والصحي والنفسي، لذلك يجب التركيز في هذا الصدد على شبكات مافيات وكالات الأسفار والوسطاء والتجار الذين يراكمون أموالا طائلة في الاتجار بالبشر من خلال تهريبهم مما يتسبب في اختلالات كبيرة وقوية، فيما يتعلق بالتحكم في إدارة حشود الحجاج. لأن الأعداد المهربة تخل بظروف الاستقبال والتأطير، وتهدد بوقوع مآسي . ثم هناك قضية أخرى بالغة الأهمية تتعلق بأن الإشكال لا ينحصر في إدارة الحشود البشرية فقط، بل أساسا في تأطير نسبة كبيرة من هذه الحشود من ذوي الهشاشة خصوصا كبار السن الذين وصلوا سن الشيخوخة، وتزداد أخطار هذه الهشاشة مع عامل المناخ حيث تكون هذه الفئة معرضة بشكل خطير للإجهاد الحراري . لذلك كله وغيره كثير فإنه يجب الانتباه إلى أن بعض الأوساط الإعلامية الغربية تعمدت تجاهل كل هذه العوامل، وركزت على العامل الديني، بينما استغلت أوساط أخرى الأحداث لتصفية حسابات سياسية ضد السعودية .