الكل يعرف أن عبدالجبار رجل ملتزم، لكن الغريب في المسألة، وهو أنه وحد بين مفهومين للالتزام: الالتزام نحو الوطن، فهو يحمل على كاهله ثقل هموم مواطنيه، والالتزام نحو الإبداع، أي أن عبدالجبار السحيمي من وجهة نظري جمع بين الفن الهادف والفن للفن، عبدالجبار ملتزم سياسيا وملتزم. ابداعيا. فإذا كان الالتزام السياسي يسعى إلى تغيير الإنسان في المدى القريب الراهن، فإن الإلتزام الفني أو الإلتزام في الإبداع يسعى إلى تغيير الإنسان في المدى البعيد الذي يستغرق الزمن السياسي ويتجاوزه. ومن جهة نظري أن الكتابات التي كتبت إبان استقلال المغرب ضد فرنسا مثلا وضد إسبانيا ليست لها أية قيمة الآن إن لم تكن لها قيمة فنية ابداعية. المقالات التي كتبها عبدالجبار والقصص والخواطر قيمتها ليست في موضوعها أو في جوهرها بقدرما هي في فنيتها وفي ابداعها. أنا أعتقد أن عبدالجبار كان واهما في استنتاجه حين قال في أحد أحاديثه لمجلة الدستور الصادرة في باريس قال: »إن قارئي قرأ مجموعتي القصصية (الممكن من المستحيل). وتعرف علي سياسيا ولم يتعرف علي ابداعيا«. أكرر أن هذا استنتاج يجانب الصواب. لأن ميزة عبدالجبار هو أنه جمع بين الكتابة السياسية والكتابة الإبداعية، أي كتب ابداعا سياسيا أو سياسة إبداعية إن صح التعبير. وحتي طروحاته النضالية التي تبدو في ظاهرها وكأنها صادرة عن زعيم نقابي ثوري، فإنها في عمقها تقطر ابداعا وفنا، مثل قوله: »إن الكتابة القابلة للنشر في الزمن البوليسي مدانة«. هذه المقولة من وجهة نظري ستظل خالدة لأنها قابلة للتطبيق في كل المجتمعات. فهي شبيهة بما قاله علي بن أبي طالب »كاد الفقر أن يكون كفرا«.