توج مسلسل الحوار الاجتماعي الأخير بالتزام الحكومة باتخاذ عدد من التدابير التي تهم القطاعين العام والخاص، تقدر كلفتها المالية الإجمالية بحوالي 20 مليار درهم ، إضافة إلى كلفة جولات الحوار الاجتماعي السابق التي بلغت أكثر من 16 مليار درهم ، وبلغة الأرقام فإن ذلك يعني أن المجهود المالي المبذول على مستوى الحوار الاجتماعي، خلال سنتين فقط، يفوق بكثير المبالغ التي تم رصدها لهذا الموضوع خلال جولات سابقة من الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى أن الحكومة الحالية أقرت مأسسة الحوار الاجتماعي ، كما وجدت نفسها ملزمة بتنفيذ التزامات الحكومات السابقة في هذا الجانب. وفي هذا الإطار أكد الأستاذ محمد حركات مديرمركز الدراسات الاستراتيجية أن مأسسة الحوار الاجتماعي أمر ملح من التصدي للتحديات الكبرى التي يواجهها المغرب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، ارتباطا بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، مبرزا أن أهميةالحوار الاجتماعي ، تقتضي تلبية المطالب الملحة للطبقة الشغيلة، بكيفية مقبولة في إطارالتوافق بين مختلف الأطراف، وذلك من أجل تحقيق الأمن الاجتماعي وتعزيزالاستقرارالسياسي وتسريع وتيرة النمو والعمل على ضمان انفراج أوسع في جميع المجالات.: وأبرز حركات في تصريح للعلم أن أصحاب القرار يدركون جيدا إكراهات المجتمع المغربي من حيث ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانزلاق الأجور الدنيا، ووجود فوارق كبرى بين الأجور ، ولذلك كان من الضروري التجاوب مع المطالب الملحة للمركزيات النقابية ، والاستجابة لانتظارات مختلف الموظفين والأجراء وكافة المواطنين المغاربة، عبر تدابير وإجراءات أكثر جرأة وأكثر مواكبة للتطورات الاجتماعية، من خلال تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار ، مؤكدا أن نجاعة هذه والإجراءات، سيكون لها انعكاس إيجابي ومفعول قوي ،إذا واكبها احترام حق العمل النقابي داخل النسيج المقاولاتي وتطبيق التغطية الاجتماعية للعمال واحترام الحد الأدنى للأجور، والعمل على ضمان تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة العمال في نزاعات الشغل.. وشدد حركات على ضرورة أن ينصب النقاش مستقبلا على سبل تحقيق التوازن والتناسب بين الأسعار والأجور، وتطبيق السلم المتحرك للأجور اعتمادا على مراجعة شاملة لنظام الأجور، بهدف تقليص الفوارق الكبيرة بين السلالم . وقد توزعت التدابير التي اتخذتها الحكومة، في إطار جولات الحوار الاجتماعي التي انطلقت مباشرة بعد ستة أشهر على تحملها المسؤولية، على الزيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل الرفع من التعويضات العائلية ورفع السقف المعفى من الضريبة وتحسين الولوج للخدمات العمومية، واستمرار دعم بعض المواد الأساسية في إطار صندوق المقاصة، دون إغفال الالتزامات المتعلقة بالمشاريع والأوراش المفتوحة في مختلف القطاعات، كل ذلك بهدف تدعيم القدرة الشرائية للمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم. وتهم هذه التدابير، بالأساس، تقليص الفوارق بين الأجور في الوظيفة العمومية، وتحسين التغطية الصحية والحماية الاجتماعية للأجراء، والرفع من مستوى دخل المواطنين. وتشمل التدابيرالجديدة مجموعة من العمليات بالقطاع العام، تهم أولاها حذف سلالم الأجور من 1 إلى 4 ابتداء من فاتح يناير 2010،بأثر رجعي انطلاقا من فاتح يناير 2008، وهكذا سينتقل الأجر الأدنى بالوظيفة العمومية من 1560 درهما إلى 2400 درهم، وهو الاجراءالذي سيستفيد منه 47ألف و500 موظف، وتخص الثانية إحداث تعويض عن العمل بالمناطق الصعبة والنائية بالعالم القروي،حدد في 700 درهم صافية لفائدة موظفي قطاعي التربية الوطنية والصحة في مرحلة أولية،يسري مفعوله المالي ابتداء من فاتح شتنبر 2009 الذي يصادف الدخول المدرسي المنصرم، وسيستفيد من هذا التدبير35 ألف موظف، ويهم التدبير الثالث الرفع من الحصيص النظامي للترقي إلى 28 في المائة ، حيث سيتم تفعيل الشطر الثاني من هذا الإجراء ابتداء من فاتح يناير 2010، لينتقل الحصيص من 25 إلى 28 في المائة،حيث سيستفيد سنويا من هذا الإجراء حوالي 3200 موظف إضافي.أما التدبير الرابع فيهم التخفيف من عبء مصاريف العلاجات على موظفي الدولة من خلال مراجعة تعريفة المسؤولية بالنسبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي،ابتداء من فاتح يناير 2010.. وتشمل التدابير الجديدة أيضا مجموعة من العمليات في القطاع الخاص،تهم أولاها توسيع سلة العلاجات لتشمل الأمراض غير القابلة للاستشفاء، حيث سيدخل هذا الإجراء حيز التنفيذ خلال شهر يناير 2010 ، وسيستفيد منه حوالي 3 ملايين وخمسمائة ألف أجيرة وأجير وذوي حقوقهم. ويهم الإجراء الثاني الزيادة في قيمة التعويضات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية بنسبة 20 في المائة، ويشمل هذا الإجراء حوالي 100 ألف من الضحايا وذوي الحقوق. وبالإضافة إلى التدابيرالمذكورة،سيتم تطبيق الشطر الثاني من التخفيض الضريبي على الدخل ابتداء من فاتح يناير 2010،بعد تطبيق شطره الأول في فاتح يناير 2009 ، من خلال رفع السقف المعفى من الضريبة من28 ألف إلى 30 ألف درهم، ،وتخفيض نسب الضريبة المطبقة على الشرائح الوسطى ،و تخفيض السعر الأعلى من 40 إلى 38 في المائة وعليه،وهو ما يعني أن الموظف أو الأجير أو الملزم بصفة عامة الذي له طفلان،والذي يتقاضى 5000 درهم خام شهريا، سيعفى من أداء الضريبة على الدخل وهو الأمر الذي يهم المتقاعدين الذين يتقاضون معاشا خاما في حدود 5 آلاف و900 درهم. وقد مكنت أجرأة التدابير المذكورةمن رفع مستوى الأجور بزيادة لا تقل عن 500 درهم شهريا بالنسبة لموظفي الدولة،بالإضافة إلى إعفاء 53 في المائة من الموظفين،و95 في المائة من المتقاعدين من الضريبة على الدخل. ومن المنتظر أن تتعزز هذه التدابير بالتوافق على وضع النظام المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل الذي قطع أشواطا كبيرة في إعداد هذا المشروع الاجتماعي الذي سيمكن من مواكبة المأجورين المتضررين بسبب فقدان العمل.