بات من نافل القول إن توالي مواسم الجفاف على المغرب والوضعية الجيوسياسية المعقدة التي يعيش العالم على إيقاعها والتأثيرات الفادحة التي خلفتها جائحة كورونا، والتي انعكست بكيفية مباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين وزادها استفحالا ارتفاع مؤشر البطالة وازدياد أعداد العاطلين عن العمل، تنذر بأوضاع اجتماعية أكثر قتامة ستشكل ثقلا إضافيا ينهك الاقتصاد الوطني ويزيد من معاناته. وضمن المؤشرات الدالة على الوضعية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد المغربي فقدانه خلال السنة الفارطة 157 ألف منصب شغل، وذلك حسب الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط، والتي أكدت أن حجم البطالة ارتفع ب 138.000 شخص، وذلك بانتقاله من 1.442.000 شخص في سنة 2022 إلى 1.580.000 شخص في سنة 2023، بما يعادل ارتفاعا نسبته 10 بالمائة، مضيفة أن هذا الارتفاع نتج عن نمو قدره 98.000 عاطل عن العمل بالوسط الحضري و40.000 بالوسط القروي. في هذا الصدد، قال ادريس الفينة، خبير اقتصادي، في تصريح ل»العلم»، إن الأرقام المعلنة من طرف المندوبية السامية للتخطيط تترجم مرة أخرى الصعوبات التي تعترض الاقتصاد المغربي في مواجهة هذا التدهور الكبير، والذي يتمثل في عدم القدرة على خلق العدد الكافي من مناصب الشغل، وعدم مواكبة المناصب المحدثة الزيادات الديمغرافية، إضافة إلى نزيف فقدان الشغل في جملة من القطاعات، خصوصا، القطاع الفلاحي، باعتبار مواسم الجفاف المتعاقبة التي أثرت بقسط وافر على الوسط القروي، وبطبيعة الحال هذه الأرقام ستكون لها انعكاسات كبيرة على مستوى تدهور القدرة الشرائية في الوسط القروي والهجرة المكثفة نحو المدن. من جهته، علق الخبير الاقتصادي عبد الخالق التهامي على المعطيات التي أماطت عنها مندوبية التخطيط اللثام بالقول إنها غير مفاجئة وكانت متوقعة بالنظر إلى الظرفية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد المغربي، مؤكدا أن سنوات الجفاف المتتالية انعكست بكيفية قاسية على وضعية العالم القروي، ما أدى إلى انخفاض النشاط الفلاحي مقابل ارتفاع مؤشر البطالة. وقال عبد الخالق التهامي، في تصريح ل»العلم» إن الظروف المناخية والوضعية الجيوسياسية المحيطة تلقي بثقلها على الاقتصاد المغربي، ما سينعكس بكيفية مباشرة على الوضع الاقتصادي داخل المدن، لا سيما مع ترقب ارتفاع معدلات الهجرة القروية والتي ستؤدي بالضرورة إلى مزيد من ارتفاع البطالة بالمغرب. وكانت مندوبية التخطيط قد أكدت انخفاض الشغل غير مؤدى عنه ب209.000 منصب شغل، مفسرة ذلك بتراجع هذا النوع من الشغل بالوسط القروي ب 190.000 منصب و19.000 منصب بالوسط الحضري. وحسب النوع الاجتماعي، فقد ارتفع معدل البطالة ب1,2 نقطة لدى الرجال، من 10,3 إلى 11,5 بالمئة وب1,1 نقطة لدى النساء، منتقلا من 17,2 إلى 18,3 بالمئة، كما أن هذا المعدل شهد ارتفاعا لدى حاملي الشهادات ب1,1 نقطة، منتقلا من 18,6 إلى 19,7 بالمئة، وب 0,7 نقطة في صفوف الأشخاص الذين لا يتوفرون على أي شهادة، منتقلا من 4,2 إلى 4,9 بالمئة. وانتقل معدل البطالة حسب السن، من 32,7 إلى 35,8 بالمئة (زائد 3,1 نقطة) لدى الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، وب 1,4 نقطة لدى الأشخاص المتراوحة أعمارهم بين 25 و34 سنة منتقلا من 19,2 إلى 20,6 بالمئة، وب 1 نقطة لدى الأشخاص المتراوحة أعمارهم بين 35 و44 سنة، منتقلا من 6,4 إلى 7,4 بالمئة، وب 0,4 نقطة منتقلا من 3,3 إلى 3,7 بالمئة لدى الأشخاص البالغين من العمر 45 سنة فما فوق. واستحوذت خمس جهات داخل المملكة على 72,6 بالمائة من مجموع السكان النشيطين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق خلال سنة 2023، وفي مقدمتها جهة الدارالبيضاء-سطات بنسبة 22,4 بالمئة من مجموع النشيطين، تليها الرباط-سلا-القنيطرة (13,8 بالمئة)، ومراكش-آسفي (13 بالمئة)، وطنجة-تطوان-الحسيمة (11,8 بالمئة) وفاس-مكناس (11,6 بالمئة). كما سجلت خمس جهات معدلات نشاط أعلى من المتوسط الوطني (43,6 بالمئة)، وهي طنجة-تطوان-الحسيمة (48,7 بالمئة)، والدارالبيضاء-سطات (46,1 بالمئة) وجهات الجنوب (45,3 بالمئة) وكل من جهة مراكش-آسفي وجهة الرباط-سلا-القنيطرة (44 بالمئة). ومقابل ذلك، سجلت أدنى المعدلات بالجهة الشرقية (40,1 بالمئة) وجهة بني ملال-خنيفرة (40 بالمئة) وجهة سوس-ماسة (39 بالمئة). المصدر المذكور أبرز كيف أن خمسا من أصل 12 جهة داخل البلاد تضم سبعة عاطلين من كل عشرة (69,8 بالمئة) على المستوى الوطني، وهكذا تأتي جهة الدارالبيضاء-سطات في المقدمة بنسبة 25,8 بالمئة، تليها فاس- مكناس (12,7 بالمئة) والرباط-سلا-القنيطرة (12,3 بالمئة)، والجهة الشرقية (9,7 بالمئة)، ثم طنجة-تطوان-الحسيمة بنسبة (9,2 بالمئة). أعلى معدلات البطالة سجلت بالجهات الجنوبية بنسبة 20,3 بالمائة، متبوعة بالجهة الشرقية (19,6 بالمئة).