من حسنات انهزام المنتخب الجزائري لكرة القدم أمام نظيره المغربي، في منافسات كأس إفريقيا لفئة أقل من 17سنة، هي أنه كسر جدار الصمت و فك عقدة لسان عدد كبير من الإعلاميين و المعلقين الرياضيين، و المتابعين للشأن العام في الجوار الشرقي، حيث أصبح الجميع يطرح سؤال أسباب الإخفاقات الكروية المتتالية منذ 2019. بل، إن أهم جديد في الموضوع، هو بروز تيار واسع أصبح يربط ذلك بتسييس كرة القدم من طرف النظام الحاكم في الجزائر، و تجييش اللاعبين عند كل لقاء، و تهييج الجمهور بشكل يتجاوز المنطق وقواعد الروح الرياضية. ولاشك أن عبارة "راهم يديروا السياسة في كلشي ...!!!" التي تكررت في بلاطوهات عدد من البرامج الحوارية خلال 72 ساعة الأخيرة، خير دليل على أن شيئا ما بدأ ينكسر في جدار الهوس واللاعقلانية التي حاول النظام، من خلال إعلامه الفاسد، فرضه على الشعب الجزائري بغية تشكيل وعي جديد، قوامه العدوانية تجاه المملكة المغربية بصفة حصرية.
شخصيا كتبت عن هذا الموضوع ، غداة الجذبة التي انطلقت بعد انتصار المنتخب الجزائري للمحليين على منتخبنا في كأس العرب، حيث تم إقحام فلسطين عنوة، بشكل مستفز و مسيء، وتم تصوير انتصار كروي عادي على أنه فتح مبين، فاختلطت الأمور و أصبح الوضع شبيها بحرب تحرير وهمية. كما تحدثت عن الموضوع حين تم تحريض فئات من الجمهور الجزائري، خلال حفل افتتاح "الشان"، لسب المغاربة وشتمهم، و تمكين المرتزق حفيد الزعيم نيلسون مانديلا من إلقاء خطبة جوفاء لا علاقة لها بكرة القدم فقط للإساءة للوحدة الترابية لبلادنا.
وتناولت الموضوع، أيضا، في سياق الحرب التواصلية القذرة التي شنت ضد المغرب، و ضد رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، في موضوع ترشيحات بلدينا لاحتضان كأس إفريقيا 2025. حيث تم تنظيم حملة هوجاء واتهامنا بالفساد و الرشوة للحصول على حق تنظيم الدورة القادمة من المنافسات الإفريقية. وللأسف، كثير ممن نراهم، منذ يومين، ينتقدون تسييس الرياضة من طرف السلطات الجزائرية، سبق لهم أن شاركوا في تلك الحملة ضدنا.
اليوم، أكيد أن المرارة التي شعر بها الجمهور كانت مضاعفة لأن الهزيمة كانت أمام المغرب "العدو". لذلك رأينا كيف برزت إلى السطح، كل المؤاخذات التي كان ممارسو "الإعلام بمنطق الضباع"، يتفننون لإخفائها في السابق، أو لتبرير أسبابها رغبة في الانتصار لمنطق نظام عسكري ضاغط على المجتمع، لا يرتاح إلا لمنطق العداء عوض السلام والاستقرار.
بعد الذي جرى خلال اليومين الماضيين، أتمنى أن يتمدد الوعي النقدي في المجتمع الجزائري، و أن ينطلق نقاش موضوعي لتقييم الموقف والخروج من دائرة التهييج والتحريض وتسييس كل شيء. ذلك سيعين الشعب و النخب في الجوار الشرقي، على استيعاب خطورة ما يقوم به الجناح المتطرف في جبهة التحريض والبروباجندا و العداء للمغرب، من توجيه مستمر لبوصلة الرأي العام الجزائري في اتجاه "المروك"، و ربط كل المشاكل، الصغيرة منها والكبيرة، التي تحدث للجزائر و تؤثر على الجزائريين، بالجار الغربي.
رأيي أن ما سار عليه الأشقاء الجزائريون، الدولة وبعض فئات الشعب، من نهج عدواني مسيء لا مبرر له، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، هو نهج خاطئ سياسيا و استراتيجيا و أخلاقيا، و مقاربة لن تنفع الجزائر في شيء ولو استمر الحال هكذا 47 سنة إضتفية، و لن تنال من المغرب بأي شكل من الأشكال. بل، أقصى ما يمكن أن يحققه نهج الكراهية والعداء ضد المغرب، هو توسيع وإطالة مظاهر الفتنة بين الشعبين، وتعطيل الديمقراطية والمشاركة المواطنة في الجزائر، وتضييع فرص حقيقية للتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، في المغرب و الجزائر على حد سواء، بسبب غياب التعاون و التواصل المؤسساتي والشعبي، و انعدام أية مبادرات لعمل مشترك من أجل بلوغ ما يخدم مصالح البلدين و يقوي الدولتين.