عُرف الفرنسيون، تاريخيا، بحقدهم الكبير لكل ما يتعلق بإنجلترا: لغة وثقافة وشعبا وحضارة، ورغم مرور مئات السنين على علاقة البلدين والشعبين، فإن الفرنسيين ملتزمون بحقدهم وكرههم للإنجليز لاعتقادهم بأنهم الأفضل والأكثر تأثيرا في أوربا والمسيحيين. لكن هذا الاعتقاد غير صحيح، لأن الفرنسيين لم يفلحوا يوما في تجاوز الإنجليز في الحضارة، ولم يتقدموا عليهم قط في أي مجال؛ وخاصة في مجال الأخلاق وقيم التسامح. وتسامح الإنجليز مع الأديان لا يقارن بأي مجتمع غربي مسيحي، بل إن تسامحهم مع الإسلام والمسلمين ليس له أي نظير في عالم الغرب الذي تطغى عليه، في العموم، قيم الانغلاق والتعصب والكراهية والتمييز العنصري والازدواجية في التعامل مع الشعوب والأديان الأخرى. فالفرنسيون بنوا رصيدا ضخما من مرض الصليبية، جعل صدورهم لا تنفث إلا السم الزعاف ضد الإسلام والمسلمين، بعد أن تحولوا إلى مرضى "الإسلاموفوبيا". بل وقد ارتفع منسوب هذا السم خلال السنوات الخمس الأخيرة على نحو لا يصدق، وبات مسؤولوهم لا يخفون حقدهم ضد المعتقدات الإسلامية ومحاربتها، ويتحركون، بسرعة ضوئية وعلناً، للتضييق على المسلمين، ومحاولة منعهم من التمسك بدينهم السمح. وكان آخر قرار صليبي اتخذته فرنسا هو تحذير لاعبي منتخبها الوطني المسلمين من الصوم خلال تواجدهم بمعسكر المنتخب وأثناء مبارياته الودية أو الرسمية. ثم تطور هذا القرار إلى منع آخر وتحذير سمج كريه يقضى بعدم توقيف أي مباراة من البطولة الفرنسية (ولو لبضع ثواني) بعد آذان المغرب في شهر رمضان لحرمان اللاعبين المسلمين من الإفطار. وهذا والله قمة التعصب، وذروة الصليبية الحاقدة، ومرض نفسي لا علاج له. نعم إن الصليبية عقيدة أصيلة وأصلية عند المسؤولين الفرنسيين.
في بريطانيا عملت الحكومة على تهنئة المسلمين بشهر رمضان، وزينت شوارعها بهذه التهاني، وببعض أحاديث الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي كتبت على واجهات بعض المتاجر والحافلات وقاطرات "الترامواي"، ولم تمنع أي مسجد من رفع الآذان وإقامة الصلوات الخمس وقيام الليل بالتراويح، وهذا دليل على أن البريطانيين لا يخافون من انتشار الأديان بينهم، ويتركون الناس لأنفسهم وضمائرهم في البحث عن الصواب والحق والرشاد. عكس الفرنسيين الذين أصبح هاجسهم الأكبر هو مواجهة الإسلام والمسلمين بكل الوسائل؛ والتي أغلبها غير شرعية وتتصادم مع الإعلان "العالمي" لحقوق الإنسان.
و"الصليبية" وصف أوربي مقبول عندهم لا يتحرجون منه، ولا يعتبرونه وصفا قدحيا، بل هم من أطلقوا على حروبهم ضد المسلمين هذا الوصف، لكن الزمن أثبت أن "الصليبية" روحا شيطانية مليئة بالشرور، ومدخلا إلى الاحتراب والإرهاب والاستعمار والتنازع والأحقاد. كما أنها مرض لا يبني مجدا ولا سلاما، بل يقوض أي كيان سواء كان مجتمعا أو دولة أو حضارة. والتاريخ يحتفظ لنا بأكثر من دليل على ما ذهبنا إليه، ويكفي أن نحيل القارئ الكريم إلى الحملات الصليبية التي قادها لويس التاسع - الذي كان يعتبر، بحقٍّ، الصليبي النموذجي في التاريخ المسيحي كله – ضد مصر وفلسطين وتونس، بيد أنه انهزم ومات متأثرا بمرض "التيفوس" على أرض الزيتونة. وكذلك نابليون الذي رفع راية الصليبية وهو يحتل مصر، إلا أنه هو الآخر تكبد الهزيمة واندحر بالخزي والذل والعار.