أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الجمعة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت المحكمة ومقرها لاهاي إنها أصدرت أيضا مذكرة توقيف على خلفية تهم مماثلة بحق المفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا. ورفض الكرملين القرار ووصفه بأنه "باطل" لأن روسيا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، لذلك لم يتضح ما إذا كان يمكن تسليم بوتين أو كيف يمكن تسليمه. ورحبت أوكرانيا التي مزقتها الحرب بإعلان المحكمة الجنائية الدولية، ورحب رئيسها فولودومير زيلينسكي بالقرار على أنه "تاريخي". وقال النائب العام الأوكراني إن المذكرة "التاريخية" بحق بوتين "ليست سوى البداية". جاء الإعلان المفاجئ للمحكمة بعد ساعات من أنباء أخرى من المحتمل أن تؤثر بشكل كبير على حرب روسيا على أوكرانيا، ومن بينها زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو ومنح المزيد من الطائرات المقاتلة لقوات كييف. وتم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا منذ بدء الغزو في 24 فبراير 2022، وفق كييف، ووضع العديد منهم في مؤسسات ودور رعاية. وقالت المحكمة إن مذكرتي التوقيف اللتين صدرتا بعد تقديم المدعي العام كريم خان، جاءتا على خلفية "جريمة الحرب المفترضة المتمثلة في الترحيل غير القانوني لأطفال من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى روسيا الاتحادية" منذ بدء الغزو. وأضاف رئيس المحكمة الجنائية الدولية بيوتر هوفمانسكي أن "تنفيذ (مذكرات التوقيف) يعتمد على التعاون الدولي". خلال اجتماع في 16 فبراير في الكرملين، قالت لفوفا بيلوفا لبوتين إنها "تبنت" طفلا من مدينة ماريوبول الأوكرانية التي دمرها الجيش الروسي قبل احتلالها في ربيع عام 2022. وأضافت "الآن أعرف ما يعنيه أن تكون أما لطفل من دونباس - إنها مهمة صعبة لكننا نحب بعضنا البعض، وهذا أمر مؤكد". وتابعت بيلوفا "أخلينا الأطفال إلى مناطق آمنة، ورتبنا إعادة تأهيلهم وأطرافا اصطناعية لهم وقدمنا لهم مساعدات إنسانية". ومذكرة التوقيف بحق بوتين خطوة غير مسبوقة للمحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس دولة عضو في مجلس الأمن الدولي. وتأسست المحكمة عام 2002، وهي محكمة الملاذ الأخير للنظر في أسوأ الجرائم في العالم عندما تعجز الدول عن محاكمة المشتبه بهم أو تمتنع عن ذلك. وبدأ المدعي العام كريم خان بعد أيام فقط من بدء الغزو الروسي تحقيقا في احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا. وقال خان في وقت سابق من هذا الشهر بعد زيارة لأوكرانيا نشر خلالها صورة لنفسه إلى جانب أسرة أطفال فارغة في دار رعاية خالية، إن "التحقيق في خطف مفترض لأطفال يمثل أولوية". وأضاف في بيان في السابع من مارس "لا يمكن معاملة الأطفال على أنهم غنائم حرب". ولقي القرار إشادة من المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين الذي التقى خان في زيارته. وقال كوستين على مواقع التواصل الاجتماعي "تلقى العالم إشارة مفادها أن النظام الروسي مجرم وأن قيادته وأتباعه سيخضعون للمساءلة". لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رفضت مذكرتي التوقيف الصادرتان عن المحكمة الجنائية الدولية. وقالت زاخاروفا عبر تلغرام إن "قرارات المحكمة الجنائية الدولية عديمة الأهمية بالنسبة لبلدنا"، مضيفة أن "روسيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وليست عليها التزامات بموجبه". بدوره، قال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على تويتر إن المحكمة الجنائية الدولية "أصدرت مذكرة توقيف ضد فلاديمير بوتين. لا داعي لشرح أين يجب استخدام هذه الورقة"، مضيفا رمزا تعبيريا (إيموجي) بصورة ورق الحمام. في وقت سابق الجمعة، أعلنت بكينوموسكو أن الزعيم الصيني سيزور روسيا الأسبوع المقبل لتوقيع اتفاقيات تفتح عهدا جديدا من العلاقات. وكانت الولاياتالمتحدة قد اتهمت الصين بأنها تدرس منح روسيا شحنات أسلحة لدعم حربها - وهو اتهام نفته بكين بشدة. تأتي مذكرتا التوقيف غداة إعلان محققين تابعين للأمم المتحدة أن نقل روسيا القسري وترحيلها أطفالا أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها يرقى إلى جريمة حرب. وأشار المحققون إلى شهادات عن إبلاغ الخدمات الاجتماعية الروسية أطفالا بأنهم سيمنحون إلى أسر حاضنة أو يتم تبنيهم. وقال رئيس المحكمة الجنائية الدولية بيوتر هوفمانسكي إن اتفاقية جنيف تحظر على سلطات الاحتلال نقل المدنيين. وأضاف أن فحوى مذكرتي التوقيف يظل سريا "من أجل حماية الضحايا". وتابع المسؤول "ومع ذلك، قرر قضاة الدائرة التي تنظر في هذه القضية الإعلان عن وجود مذكرتي توقيف من أجل العدالة وفي سبيل منع ارتكاب جرائم في المستقبل". وقالت المحكمة في بيان منفصل إن هناك "أسبابا معقولة للاعتقاد بأن بوتين مسؤول شخصيا عن الجرائم المذكورة أعلاه". وأضافت أن بوتين يزعم أنه مسؤول بشكل مباشر عن ارتكاب هذه الأعمال وعن "عدم ممارسة السيطرة بشكل صحيح على مرؤوسيه المدنيين والعسكريين". لا روسيا ولا أوكرانيا عضوان في المحكمة الجنائية الدولية، لكن كييف قبلت اختصاص المحكمة وتعمل مع مكتب خان. وتنفي روسيا مزاعم ارتكاب قواتها جرائم حرب، ويستبعد الخبراء أن تسلم أي مشتبه بهم. دوليا، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن هذا القرار "ما هو إلا بداية لعملية محاسبة روسيا وزعيمها على الجرائم والفظائع التي يرتكبونها في أوكرانيا. لا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب". وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي عبر تويتر "نرحب بالخطوة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية المستقلة لمحاسبة من هم على رأس النظام الروسي بمن فيهم فلاديمير بوتين".