كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته": إنها حكمة جامعة منبثقة من مشكاة النبوة، تجعل كل إنسان ارتقى منصبا أو تحمل مهمة تدبير قطاع ما أن يكون مسؤولا عما أسند إليه. والمسؤولية أخلاق وضمير وسلوك. فمن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد وهو أجر المحاولة المتمثلة في الاجتهاد، ومن أصاب فله أجران؛ أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحق. والمخطئ من المسؤولين – بغض النظر عن طبيعة مسؤوليته ووزنها أو حجمها – يثاب على خطئه بأجر واحد لأن اجتهاده كان يستهدف الوصول إلى الصواب وإصابة الحق لكنه أخفق. وهو في هذا الأمر لا يلام ولا يعاتب بل يبقى عمله محمودا لأن نيته كانت سليمة وحسنة وطيبة. لكن بعض المسؤولين – غفر الله لنا ولهم – يتعمدون الخطأ بشكل أو بآخر، أي أنهم يدركون أن عملهم أو قرارهم يفتقر إلى الحكمة والمنطق والصواب والسلامة والتأني، ورغم ذلك فإنهم يصرون على إنجازه وتنفيذه. وفوق ذلك يواجهون الناس بالصراخ والقول الغليظ والتحدي.
ورحم الله مواطنا مسؤولا أو غير مسؤول تصدى لعمل ما فأتقنه. والإتقان لا يحققه إلا من كان عالما بوظيفته ومجال عمله، وكان حريصا على إرضاء الله تعالى قبل إرضاء الناس.
والمسؤول الحقيقي الذي يحب وطنه ويعمل من أجل أبناء وطنه هو الذي لا يرى حرجا في الاعتراف بالخطأ إذا كان جسيما، وفي الاعتذار عنه، وفي تقديم استقالته، لأن الاعتراف والاعتذار والاستقالة هي أخلاق محمودة ومسعدة. وتاريخنا المغربي والعربي الإسلامي مليء بمثل هذه الأخلاق، بل كان المسؤولون يعفون من مهامهم إذا ما أخطأوا وأضروا الناس بأخطائهم، ومنهم وزراء وقضاة وقواد شرطة وجنود وموظفون سامون. تاريخنا مرآة جيدة لمن أراد أن ينتفع بها ويواجه فيها نفسه اللوامة، كما أنه سجل خالد يحفظ لنا المواقف والدروس والعبر.
إن النجاح في المسؤولية يخلد صاحبه، والفشل فيها قد يجعل المسؤول الفاشل سيء الذكر على مر التاريخ، أو قد يطويه النسيان إلى الأبد، لذلك على كل مسؤول أن يستحضر الله في كل عمل يقوم به، وأن يكون ضميره يقظا ومتأهبا لأية مساءلة أو محاسبة، والحذر كل الحذر أن ينتفع المسؤول بموقعه أو أن يورثه لأبنائه وذويه، أو أن يستغله لفائدة قبيلته أو مدينته أو حزبه، أو أن يكون في أخطائه سببا تسوء فيه سمعة بلده أو تهان من خلالها كرامة مواطنيه.