وسيط المملكة يؤكد على أن المساواة الرقمية بين جميع الفئات العمرية ضرورية وملحة دعا محمد بنعليلو وسيط المملكة، من العاصمة الجورجية تبليسي، في كلمة ألقاها يوم أمس الثلاتاء 27 شتنبر الجاري، خلال اللقاء الدولي المنظم حول موضوع "دور مؤسسات الوسطاء والأمبودسمان في حماية حقوق كبار السن"، (دعا) وسطاء وأمبودسمان دول البحر الأبيض المتوسط، إلى ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم لمخاطر الإقصاء الرقمي للمسنين، الذي أضحى مصدر قلق متنامي في ظل تأثيرات الرقمنة على "البيئة الحقوقية"؛
وطالب باعتبار موضوع "زيادة عدد المهمشين رقميا من فئة المسنين"، أحد الانشغالات الراهنة في مهام الوسطاء وتدخلاتهم، وذلك من أجل هدف حتمي قوامه ضمان حقوق هذه الفئة داخل العالم الافتراضي، وجعل ذلك رافدا أساسيا من الروافد التي من شأنها إضافة مكتسبات مهمة لمساحات الفضاء الحقوقي المشترك.
واعتبر وسيط المملكة في كلمته، أن "المساواة الرقمية لجميع الأعمار"، تبقى مساواة ضرورية وملحة، وأن عدم الالتفات إليها في مخططات تدخلات الوسطاء يعتبر بمثابة شرعنة لواقع التمييز بين "المواطن الرقمي" و"المواطن غير الرقمي".
ولأن مرحلة ما بعد انتشار جائحة كوفيد، جاءت معلنة لتحول واضح في ممارسة العديد من الحقوق الارتفاقية، التي أصبحت تتم عبر جسر الإنترنت، في ظل معاناة صامتة لفئة عريضة من المسنين، أكد السيد بنعليلو على ضرورة جعل مكافحة الإقصاء الرقمي لكبار السن قضية ملحة وآنية، سواء عبر مجموعة من الخطوات التدبيرية العمومية، أو عبر خلق شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص لتحسين ظروف وصولهم إلى الرقمنة.
وفي معرض دفاعه عن حق المسنين المستبعدين رقمياً في الاندماج الاجتماعي الكامل، طالب وسيط المملكة بعدم اختزال الموضوع، في مبتغى الوصول إلى الحقوق والخدمات الارتفاقية عن بعد فقط، داعيا إلى خلق بيئة افتراضية "صديقة" للمسنين، تدعم لديهم رغبة الانخراط في التحول الرقمي، سواء عبر مدخل أنسنة الخدمات والإجراءات المقدمة إلكترونيا من خلال اللجوء "المتبصر" للحلول الرقمية، أو عبر تعزيز الإطار القانوني لضمان حقهم في المشاركة المواطنة، أو عبر تقديم "المساعدة الرقمية" في حماية معطياتهم الشخصية من مخاطر الإنترنيت.
واعتبر محمد بنعليلو أن السياسات العمومية الدامجة القائمة على فلسفة "التكامل الاجتماعي" هي الحل، وأن مناقشة حجم الفجوة الرقمية بين كبار السن وغيرهم من المواطنين، وإدماج كبار السن في التكنولوجيا الجديدة، هو بداية التحول نحو فكرة "التكامل"، لأن مكافحة الإقصاء أو الاستبعاد الرقمي، يبتدئ من سد النقص في السياسات المتبعة.
ودعا محمد بنعليلو بذات المناسبة إلى إيجاد برامج مساعدة للمسنين على تعزيز استقلاليتهم من قبيل "محو الأمية الرقمية لفائدة كبار السن"، ليس باعتبارهم فئة ضعيفة تحتاج إلى العطف الاجتماعي، بل باعتبارهم مصدرا موثوقا للمعرفة والخبرة والمساهمات الغنية اللازمة لتقدم جماعي، معتبرا أن الوسطاء والأمبودسمان، هم جزء من بيئة مندمجة تتقاطع فيها مختلف المبادرات التي تهم حقوق الأشخاص المسنين، وفاعلون حقيقيون في توجيه ومراقبة آليات التنسيق الأفقي للمبادرات الحكومية المتخذة، بحكم قربهم المفترض من هذه الفئة ومعالجتهم للقضايا التي يعيشونها، ولو من باب المصاحبة التوجيهية المعيارية.
وطالب وسيط المملكة في نهاية كلمته بوجوب التفكير في "مفهوم جديد" لمعالجة قضايا المسنين، يتجاوز منطق الرعاية إلى منطق الحق، وبالتالي بإقرار برامج مندمجة، بمرجعية قانونية واضحة تؤطر مجال تدخل الدولة والمجتمع المدني، وتؤسس لوضع أساليب بديلة عن المنظور التقليدي للتكفل المؤسساتي بالأشخاص المسنين.
واعتبر أنه قد حان الوقت لفتح نقاشات داخلية جدية حول مفاهيم الخدمة الارتفاقية الالكترونية وعلاقتها بالحقوق الفئوية، بهدف التقليل من الهوة الآخذة في الاتساع بين كبار السن ومحيطهم الارتفاقي في ظل الرقمنة، والتي غيرت في مناسبات متعددة طبيعة العلاقة بين المرتفق والإدارات العمومية.
كما أكد بنعليلو، من جانب آخر، على وجوب تنمية ثقافة التضامن بين الأجيال، لضمان الأمن الاجتماعي للأشخاص المسنين، ووجوب احترام اختياراتهم الشخصية، وكفالة حقهم في الاختلاف، سواء لأسباب ناتجة عن صعوبات في الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية، أو لأسباب إرادية محضة، من خلال توفير البدائل البشرية لجميع الخدمات الرقمية، حتى لا يسهم الاختلاف في خلق حالة من عدم المساواة في الوصول إلى الحقوق ومباشرتها.