ثم يقول شهريار في حالة إشراق نادرة : - و مع ذلك تخافين يا شهرزاد . - أخاف ! - نعم تخافين . - أخاف مماذا ؟ - من المجهول . - المجهول مجرد فكرة . - الأفكار أيضاً تخيف الناس . - و ما يمنعني أن أعبر لك عن ذلك صراحة ، و قد طوقتني بأرفع وسام للحرية ؟ ! - ما كل شيء يتم التصريح به يا شهرزاد . أطرق شهريار يفكر ، ثم قام من طرف سريره حيث كان يجلس ، وصار يذرعُ الغرفة الفسيحة جيئةً وذهاباً ويداه مشدودتان خلف ظهره . في تلك الأثناء تظاهرت شهرزاد بالسعادة والمزاج الرائق ، فقامت بدورها وأظهرت العناية بشهريار . فكت يديه المشبكتين خلفه وظلت تمسك بهما حتى أعادته إلى وضعه السابق . ولما لاحظت أن الصمت دام أكثر من اللازم ، قالت : - مولاي ! - أجل شهرزاد . - كيف يخاف الواحد من المجهول ؟ - كيف يخاف الواحد من المجهول ! - أقصد كيف نعرف أننا نخاف من المجهول ؟ - أن نعرف أولاً معنى المجهول . - مولاي . - أجل شهرزاد - وماذا لو ضربنا عنه صفحاً ؟ - في السابق ، عندما ضربتُ عنه صفحاً ، ضربتُ شيئاً آخر مع الأسف ! - مولاي - أجل شهرزاد - لكنني الآن إلى جانبك . - أخاف أن تكوني خائفة . - تخاف فقط لو كنتُ غير صادقة . - شهرزاد - أجل مولاي - هل أنت بالفعل صادقة ؟ ! - و هل يشك مولاي ! - شهرزاد - نعم مولاي . - يجب أن أفعل شيئاً من أجلك - أكثر مما فعلتَ ؟ - شهرزاد - نعم مولاي - عندي لك مفاجأة - ما يسعد مولاي طبعاً - نخرج إلى أسواق المدينة ، ستكون من أجلنا في حلة جميلة هذا المساء ، فنتجول قليلاً . - أنا ابنة الشعب ، سيسعدني ذلك - لكنك لي وحدي - طبعاً ، يا مولاي - شهرزاد - مولاي - هذا المساء يكون شيءٌ آخر . - ما يشاء مولاي شهريار - المساء نخرج من هذا القصر . سيعد لنا العبيد موكباً فخماً ، وسنبرح هذه الأسوار من أجل قضاء سهرة في دار الوزير عماد الدولة . فاليوم ينبغي أن يكون مناسبة لحفل ما . الليلة مثلاً يزوج الوزير ابنته خيزرانة ، وغداً يبحثُ لها عن عريس . لا بأس . الوزير من خدامنا الأوفياء . وسيعد لنا في قصره جناحاً خاصاً ليس فيه سوى الملوك ونجباء الملوك . - وستكون أنتَ نجمَ الحفل و قمرَ الليلة المنير . - شهرزاد - نعم مولاي - ستتناثر النجومُ و ينخسفُ القمرُ لمرآكِ ، أنتِ الآن كل شيء . - لكن ، الليلة سريعاً ستمر . - دائماً ، يا شهرزاد ، دائماً . - الحفل أكبر مني ، يا مولاي ، وأنظار الملوك يجب أن تتطلع إليك . - أنتِ أهم من الحفل ، ومن ابنة الوزير ، ومن الوزير عماد الدولة ، ومن الدولة نفسها . - نفسي فداك ، مولاي . إذن سأبقى بقربك . - وسأحضنك أمام الجميع ، ليعرف الجميع .. وفي الحفل ، بالفعل احتضنها بقوة . ضمها إليه وأسند رأسه إلى صدرها ، بينما كانت هي تداعب خصلات شعره . وظل يبالغ في ضمها إليه وهي تداعب خصلات شعره حتى اطمأن فنام . ونادت هي : شهريار، شهريار، شهريار : ثلاث مرات . ولم يرد . كان يحاول أن يسقي عطشه ما استطاع ، وأن يشبع جوعه . لذلك ظل ملتصقاً بها . ثم أفاق : فتح عينيه ونظر حوله . كان كل المدعوين قد انصرفوا ولم يعد ثمة حفل ولا موسيقى . فقط موال حزين تعزفه الريح عندما تمر بينهما . ثم نام وأفاق ، ونام وأفاق ، ونام وأفاق. كل الناس كانوا قد انصرفوا ، هو وحده ظل متمسكاً بها متشبثاً بأهدابها ضاماً إياها إلى صدره . لكن جوعه بدأ يزداد حدة وظمأه لم ينطفئ . وحاول أن ينادي : شهرزاد ، شهرزاد ، شهرزاد : ثلاث مرات أو أكثر . لكنه لم يستطع . خانه الصوت تماماً . ومع ذلك لم يفقد الأمل سريعاً . وبدأ يحلم كثيراً ، كثيراً جداً . وتسمرت يداه حول خصرها ، وجمد الرأس فوق الصدر . تدلى قليلاً ، لكنه جمد مثل الصخر . ومع ذلك بدأ يحلم كثيراً ، كثيراً جداً . وبدأ أيضاً ينادي : - شهرزاد . فيتخيل أنها تجيب : - مولاي كان جوعه يزداد حدة ، وظمأه لم ينطفئ . وفجأة ، وبقوة الإلهام العظيم رفع شهريار بصره قليلاً ، وببطء . كان الجميع قد انصرفوا ، وهو وحده لا يزال يطوق شهرزاد بشوقه الأسطوري العظيم . جاث كما كان على ركبتيه ، ويداه تسمرتا حول خصرها . وكانت هي قد أصبحت باسقة ، باسقة جداً مثل نخلة . عندما رفع بصره قليلاً رأى أعلى النخلة بالفعل . كان مثقلاً بالخصب كالعادة ، ومن أعلى النخلة يتدلى القمر. أطبق شهريار جفنيه ونام . جاث على ركبتيه ، ويداه تسمرتا حول خصرها . تدلى الرأس قليلاً ، لكنه جمد مثل الصخر . 07/12/2008 .