إصرار الشركة على التدرع بالحالات النادرة للإصابة يشكل إخفاء واقعة أخرى على مستعملي اللقاح القضية تطرح إشكالية الحق في علاج المصابين بعاهات قبل فوات الأوان والحق في حكم داخل أجل معقول في ظل النقاش حول التلقيح واحتمال الإصابة ببعض الأعراض التي قد تصل إلى الإعاقة مدى الحياة، أو تؤدي جرعات التلقيح إلى وفاة الشخص المُلقح، رجعت "العلم" إلى حكم قضائي يعود لسنوات خلت كان قد أثار إشكالات مهمة إثر إصابة طفل بشلل كلي بعد تلقيحه بلقاح أنجريكس "ب " المضاد لأمراض الكبد، حيث إن النقاش القانوني والفقهي هنا ليس مرتبط فقط بمسألة التعويض - المحسومة حتى على الصعيد الدولي - في ظل العلاقة السببية بين اللقاح والإصابة بالشلل، وإنما مدى إخفاء الشركة المنتجة للقاح معلومات طبية هامة على العموم، وبالتالي مخالفة النظم والقوانين الجاري بها العمل في مجال صناعة الأدوية، ومدى احترام الترخيص الممنوح لها من قبل وزارة الصحة، ومن ثم إثارة المسؤولية الجنائية والمدنية عن الفعل الذي يحدثه اللقاح مادامت رابطة السببية قائمة بين الفعل والإصابة، وفق منطوق الحكم الابتدائي عدد 244 ج.ع/04، الصادر في 7 نوفمبر 2005، والمنشور بوقائعه وحيثياته الطويلة بمجلة "المقال" بعددها الثاني لسنة 2010، والتي وافانا بها أستاذ جامعي مشكورا في ظل السجال حول تداعيات لقاح "كوفيد 19" وأثاره الجانبية المحتملة.
وأكثر من هذا هو أن الهيئة القضائية أشارت في منطوق حكمها إلى أن مجرد الإشارة في نشرة الدواء بكون الأعراض المذكورة تُشكل حالات نادرة جدا لا يكفي، خاصة في ظل كثرة هذه الحالات عبر أنحاء العالم جراء استعمال هذا اللقاح، إذ ظهرت في فرنسا لوحدها حوالي 600 حالة إصابة، ومع ذلك بقيت الشركة تصر على اعتبارها حالات نادرة جدا، وهو ما يؤكد أن الشركة أخفت واقعة أخرى على مستعملي لقاح انجريكس "ب".
وهكذا قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في الشق المدني ب 3.000.000 (ثلاثة ملايين درهم) في مواجهة شركة لذوي طفل أصيب بشلل رباعي إثر تلقيحه بلقاح أنجريكس "ب " المضاد لأمراض الكبد، بعدما تعرض لشلل كلي.
وأكد الحكم الابتدائي، الذي نشرته مجلة "المقال"، التي هي مجلة قانونية فصلية يديرها ويرأس تحريرها محمد الأزهر، أنه لا يمكن تجاهل احترام النظم والقوانين واللوائح المنظمة لميدان صناعة الأدوية التي تلزم كل منتج للدواء، بأن ينص على جميع الأعراض غير المرغوب فيها التي يمكن أن تحدث عند استعمال الدواء، والعلاقة السببية بين اللقاح وهذه الأعراض، وكذا جميع المعلومات الطبية العلمية الخاصة بهذا الدواء حتى يتمكن مستعملوه من الإطلاع عليها والتقرير في مسألة تناوله أو عدم تناوله.
وتوبع في هذا الملف ممرضة وممثل الشركة منتجة اللقاح المختصة في صناعة واستيراد الأدوية، من بينها لقاح أنجريكس "ب" حيث قضت محكمة الدرجة الأولى ببراءة الممرضة التي لقحت الطفل في مستوصف المزرعة بعمالة درب السلطان الفداء بالدار البيضاء، في حين تمت مؤاخذة ممثل الشركة بغرامة 500 درهم من أجل جنحة عدم مراعاة النظم والقوانين الناتجة عن الإصابة بمرض، طبقا للفصل 433 من القانون الجنائي، وذلك بعد إعادة تكييف التهمة.
أما في الشق المدني فحكم في مواجهة الشركة بأداء تعويض ثلاثة ملايين درهم، جراء نتيجة الأضرار المباشرة التي أصابت الطفل بأمراض عصبية، حيث تم تلقيحه بواسطة لقاح انجريكس "ب" والذي انتجته المدعى عليها، مما جعله في حاجة إلى ترويض طبي دائم ومكثف، وعلاج مستمر وعناية طبية، خاصة أنه يحتاج إلى مساعدة شخص آخر لإصابته بشلل رباعي.
ونتوقف اليوم عند أهم حيثيات هذه النازلة، بحكم طول وقائعها، التي سبق أن نشرنا ملخصها تعميما للفائدة وإشاعة الثقافة القانونية والحقوقية، مع الدعوة لإلزام منتجي اللقاحات كيفما كان نوعها بوضع المعلومات الطبية عن محتوى لقاحاتهم للعموم وتحميلهم مسؤولية التعويض عن أي إضرار تصيب الأشخاص المُلقحين، خاصة وأن المنظمة العالمية للصحة أشارت مثلا إلى برنامج التعويض عن الضرر الناجم عن لقاحات كوفيد-19 بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، وهو الأول من نوعه في العالم:
المحكمة:
- 1 بخصوص الدفع الشكلي:
حيث أشار دفاع شركة... في مرافعته أنه سبق له أن تقدم بدفع شكلي أمام الهيئة السابقة رام إلى الحكم ببطلان الاستدعاء لعدم توفره على البيانات القانونية، ملتمسا من المحكمة الحكم ببطلان الاستدعاء واستيفاء ما شابه من نقص.
حيث أشار المشرع المغربي في الفصل 323 من قانون المسطرة الجنائية إلى أن أي دفع شكلي، لكي يكون مقبولا، لابد من إثارته أمام الهيئة التي تنظر في الدعوى قبل كل دفاع أو دفاع، أي قبل الشروع في بحث القضية، كما أشار في الفصل 287 من نفس القانون إلى أن المحكمة لا تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامها، وهذا يعني أن المحكمة لا تناقش إلا الدفوعات والطلبات التي قدمت إليها وما دونها من الدفوعات التي سبقت إثارتها أمام هيئات سابقة لا يمكن الاعتداد بها وتعد كأن لم تكن ولا يمكن مطالبة المحكمة بالرد عليها، مما يكون معه التماس الدفاع غير ذي أساس قانوني، ويتعين معه رده على حالته.
2 - في الدعوى العمومية:
حيث توبعت شركة ... في شخص ممثلها القانوني وكذا الظنينة «س أ» من أجل ما نسب إليها طبقا لفصل المتابعة أعلاه.
حيث نص المشرع المغربي في الفصل 433 من القانون الجنائي على أنه من تسبب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو بعدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته للنظم أو القوانين في جرح غير عمدي، أو إصابة أو مرض نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 500 درهم.
حيث إنه لقيام الجريمة إذ لابد من توافر عناصر نذكر منها حصول فعل مادي يتجلى في الجرح أو الإصابة نتيجة خطأ من الفاعل بسبب الإهمال أو عدم الاحتياط... ثم قيام علاقة السببية بين النتيجة وبين سلوك الجاني، ذلك أن أساس المسؤولية الجنائية هنا هو الإهمال أو عدم التبصر أو ما جرى مجراهما، وأنه لا بد من تبيان الخطأ الذي ارتكبه الجاني، ورابطة السببية بين هذا الخطأ المرتكب وبين الفعل الضار الذي وقع، حيث لا يتصور وقوع الضرر إلا نتيجة لذلك الخطأ، حيث أفادت والدة الطفل «أ» السيدة «ح.ف» أمام المحكمة أنها اقتنت بتاريخ 04 / 02 / 2000 حقنة لقاح من نوع أنجريكس «ب» Engerix B المضاد لداء الكبد بناء على إرشاد من الطبيب عبد الله مطيب، إذ توجهت إلى مستوصف المزرعة حيث قامت الظنينة «س.أ» بتلقيح الطفل«أ» بواسطة هذا اللقاح، وقد كان الطفل في حالة صحية جيدة، وبعد ذلك بيومين أي بتاريخ 06/02/2000 ظهرت لدى الطفل أعراض شلل مما اضطرها معه إلى نقله إلى مستشفى الأطفال ابن رشد، حيث مكث هناك مدة ثلاثة أشهر تحت العناية المركزة ومع ذلك ظل مصابا بشلل، وقد أخبرها الطبيب المعالج بالمستشفى بأن سبب إصابة الطفل بالشلل هو لقاح أنجريكس «ب B» Engerix الذي تم تلقيحه به.
حيث أفادت الظنينة «س.أ» أمام المحكمة أنها هي التي قامت بتلقيح الطفل «أ » بلقاح أنجريكس «ب» الذي أحضرته والدته، وقد كان الطفل في صحة جيدة، وأن عملية تلقيحه مرت في ظروف جيدة.
حيث أكد ممثل لشركة... أمام المحكمة أن الشركة التي يمثلها هي منتجة لقاح أنجريكس «ب» B ِEngerix، وأن هذا اللقاح متداول في جميع أنحاء العالم وكذا في المغرب، وقد سمحت وزاة الصحة المغربية بترويجه داخل البلاد، وتستعمله في الحملات الوطنية للتلقيح ضد داء التهاب الكبد، وأنه لم تحدث بالمغرب أية إصابة بمرض بهذا اللقاح باستثناء حالة الطفل «أ».
حيث إن مناط الخلاف والنقاش يدور حول ما إذا كان لقاح أنجريكس «ب» Engerix B الذي لقح به الطفل «أ» هو السبب المباشر في الشلل الحاصل أم لا؟ وبالتالي حول ما إذا كانت شركة.. قد أتت إحدى صور الخطأ المنصوص عليها في الفصل 433 من القانون الجنائي وكانت بفعلها هي السبب المباشر في حصول هذه الإصابة أم لا؟
حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف، خاصة منها تقرير الخبرة المنجز من طرف مصلحة الطب الشرعي بالدار البيضاء بناء على طلب من النيابة العامة يتضح أن الدكتور الوهلية سعيد الذي أنجز التقرير أشار فيه إلى أنه للبحث في موضوع علاقة السببية بين اللقاح الذي أجري للطفل «أ« وبين المرض النخاعي من نوع الشلل الرباعي الذي أصيب به الطفل، توجد شروط طبية شرعية ضرورية وكافية للقول بأن اللقاح قد كان السبب الذي نتج أو خلق الشلل الرباعي.
حيث أضاف الدكتور الواهلية سعيد في تقريره أن هذه الشروط هي:
1) طبيعة الجرح: فمن الضروري إمكانية صدور الجراح عن التلقيح الذي يٍعطى، إلا أنه يتبين إصابة عصبية مشلة أي وجود تعقيد مقبول وخطر بائن للقاح عن طريق مادة أنجريكس «ب» Engerix B بدون أن تكون هذه الأخيرة معيبة، كما هو منصوص عليه في الدليل المتعلق بهذا اللقاح المنشور من طرف المختبر المنتج له.
2) التسلسل التشريحي الطبي: فمن الضروري أن تكون بين حالة الطفل وتاريخ تلقيحه متابعة استشفائية وتسلسل لعوارض مرضية تثبت استمرارية كافية لتكوين الداء ويتبين أن هذا التسلسل موجود، ويستجيب لكل المقاييس العلمية المشهود بها والمقبولة من طرف المجموعة العلمية، فالداء الملاحظ لم يكن موجودا قبل التلقيح.
3) شروط الوقت: يتلاءم أجل ظهور الجرح المرضي مع الذي نعتاده في مثل هذه الحالات، ونعرف بأن التركيبة الميكانيكية للحالة المرضية للجرح هي الاضطرابات التي ظهرت بعد أربعة أيام بعد التلقيح، ولا يوجد أي سبب خارجي وخاصة الأمراض العارضة.
حيث خلص الدكتور الواهلية سعيد في آخر تقريره إلى وجود ارتباط سببي مباشر بين التلقيح والألم المخي Encephalo بفضل مقاييس الانتساب المجتمعة، وأن العجز الجزئي الدائم نسبته مائة بالمائة.
حيث أكد الدكتور حسن حميدي في الشهادة الطبية المحررة من طرفه والمرفقة بالملف أنه فحص الطفل «أ» الذي كان يمثل مرضا دماغيا لقاحيا مع اشتباه بما يسمى كلان باري Cuillain Barre.
حيث أكد الدكتور حميد عروب الذي كان مشرفا على علاة الطفل "أ" بالمستشفى أمام المحكمة بعد أدائه اليمين القانوني، ونفيه العداوة والقرابة، أن الطفل أدخل إلى المستشفى بعدما أصيب بشلل وضيق في التنفس، إذ أجريت له عدة فحوصات على الأعصاب، والذماغ، فتبين أنه مصاب بشلل رباعي وتشنج بالجهاز العصبي المركزي واضطرابات في الابتلاع، وأضاف أن لقاح أنجريكس «ب» Engerix B الذي لقح به الطفل كان السبب الوحيد والمباشر في إصابته بهذا الشلل الرباعي، ولا يوجد أي سبب خارجي آخر.
حيث أفاد الدكتور عبد الله مطيب أمام المحكمة بعد أدائه اليمين القانونية، ونفى العداوة والقرابة، أنه هو من نصح والدة الطفل «أ» باستعمال لقاح أنجريكس "ب" لتلقيح ابنها لمنع إصابته بداء الكبد وقد وضع لهذا الغرض برنامج تلقيح حدد لها تاريخ كل عملية تلقيح تخص الطفل، وأضاف أن لقاح أنجريكس "ب" Engerix B يستعمل ابتداء من الشهر الخامس للرضع، وأن له أعراضا ثانوية يمكن أن يصاب بها الطفل الذي تلقى اللقاح حتى ولو تم اللقاح بطريقة سليمة، وأن مرض Guillain Barre وهو نوع من الإصابات التي أصيب بها الطفل «أ» الذي يصيب بالشلل قد يسببه أي لقاح ، وليس فقط لقاح أنجريكس "ب" Engerix B ونسبة الإصابة تتراوح بين 4٪ و 5٪، وأن أعراض هذا المرض يمكن أن تظهر خلال الأربعة أيام الموالية لتاريخ التلقيح.
حيث إن لمحكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية أن تعول على تقرير طبي يتسق مع شهادة شهود الإثبات في تقرير شهادتهم، وكذا مع الشواهد الطبية المرفقة بالملف ولها الحق في استخلاص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها بشرط أن يكون استخلاصها سائغا وأن يكون الدليل الذي تعول عليه مؤديا إلى ما ترتبت عليه نتائج في غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق.
حيث إنه استنادا إلى ما ورد بتقرير الخبرة لرئيس مصلحة الطب الشرعي، وكذا إلى الشهادة الطبية الصادرة عن الدكتور حسن حميدي وإلى آراء باقي الأطباء المستمع إليهم من طرف المحكمة بات أكيدا للمحكمة أن الشلل الرباعي الذي لحق بالطفل «أ» كان نتيجة لقاج أنجريكس "ب" Engerix B الذي تم تلقيحه به، أي أن الصلة الرابطة بين الفعل والنتيجة الجرمية والتي تثبت أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة وهو ما يصطلح عليه فقها برابطة السببية أو علاقة السببية هذه العلاقة قائمة بين اللقاح وبين الشلل الرباعي الذي حصل للطفل.
حيث إنه بالرجوع إلى النشرة الطبية الخاصة بلقاح أنجريكس «ب» والمنشورة بالمعجم الطبي الخاص بالصيادلة والأطباء Vidal يتضح أن الشركة منتجة اللقاح وهي الشركة المتابعة، قد أشارت في النشرة الداخلية للدواء في باب الأعراض غير المرغوب فيها بأنه لم يثبت وجود علاقة سببية بين بعض الأعراض المحددة في النشرة وبين لقاح أنجريكس "ب" كما هو عليه الحال بالنسبة لباقي اللقاحات، ثم ما فتئت الشركة المنتجة أن تراجعت عن هذه الإشارات والملاحظات ولم تعد تشر إليها في النشرات اللاحقة لا من قريب ولا من بعيد، علما بأن وجود علاقة سببية بين اللقاح وهذه الأعراض ثابت علميا حسب التعليل المشار إليه أعلاه ومن الضروري إخبار العموم مستعملي اللقاح بهذا الخطر حتى يقرروا ما إذا كانوا سيستعملون اللقاح أم لا؟
حيث إنه بالرجوع كذلك إلى الترخيص الصادر عن وزارة الصحة بتاريخ: 06/7/2001 والذي أذنت هذه الأخيرة للشركة المتابعة بمقتضاه في ترويج هذا اللقاح بداخل التراب الوطني، وخاصة الفصل الخامس من الترخيص، فإنه ينص على أن صاحب الترخيص ملزم بالإشارة في النشرة المرفقة باللقاح إلى طرف استعماله والاحتياطات الضرورية التي يتعين أخذها وكذا الأعراض غير المرغوب فيها الناتجة عن اللقاح، أي يفهم من مضمون هذا الفصل أن الشركة المتابعة صاحبة الترخيص ملزمة بإخبار العموم بجميع الأعراض غير المرغوب فيها عند استعمال لقاح أنجريكس "ب" Engerix B وعلاقتها المباشرة باللقاح، وذلك حتى يكون الطبيب المعالج أو المشرف على عملية التلقيح قادرا على تحديد ما إذا كان سينصح زبناءه باستعمال هذا اللقاح أم لا؟
حيث إن عدم ذكر الشركة المتابعة لهذه المعلومات العلمية الهامة وهي قيام علاقة السببية المباشرة بين اللقاح والإصابة ببعض الأعراض غير المرغوب فيها والتي تتجلى في أمراض عصبية ودماغية، والحال أن رابطة السببية أضحت ثابتة علميا كما وضحنا أعلاه استنادا إلى تقرير مصلحة الطب الشرعي وتصريحات بعض الأطباء أمام المحكمة، فإن سلوك الشركة المتابعة هذا وتجاهلها يشكل في حد ذاته عدم احترام للنظم والقوانين واللوائح المنظمة لميدان صناعة الأدوية والتي تلزم كل منتج دواء بأن ينص على جميع الأعراض غير المرغوب فيها التي يمكن أن تحدث عند استعمال الدواء وكذا علاقة السببية بين اللقاح وهذه الأعراض، ويذكر جميع المعلومات الطبية العلمية الخاصة بهذا الدواء حتى يتمكن مستعملوه من الاطلاع عليها والتقرير في مسألة تناوله من عدم تناوله.
حيث إنه فضلا عن ذلك، فمجرد الإشارة في نشرة الدواء بأن الأعراض المذكورة أعلاه تشكل حالات نادرة جدا «Trés rares» والحال أنه حسب الثابت من أوراق الدعوى خاصة تلك المدلى بها من طرف نائب الطرف المدني والتي لم ينازع فيها الممثل القانوني للشركة، أن هذه الحالات أضحت كثيرة عبر أنحاء العالم من جراء استعمال اللقاح المذكور - إذ ظهرت في فرنسا فقط حوالي 600 حالة إصابة - ومع ذلك ظلت الشركة المتابعة تصر على اعتبارها حالات نادرة جدا، وهو ما يؤكد أن هذه الشركة أخفت واقعة أخرى على مستعملي لقاح أنجريكس «ب» Engerix B.
حيث إنه انطلاقا مما ذكر أعلاه، تكون الشركة قد ارتكبت خطأ بعدم احترامها للنظم والقوانين الجاري بها العمل في ميدان صناعة الأدوية وكذا بعدم احترامها بنود الترخيص الممنوح لها من طرف وزارة الصحة المغربية، إذ أخفت معطيات علمية هامة على العموم ولم تشر إليها في النشرات الداخلية للقاح حتى يكون مستعملوه على علم بخطورة الأمراض التي يحدثها اللقاح والتي لها علاقة مباشرة به. وأن هذا الخطأ نتج عنه استعمال لقاح أنجريكس «ب» Engerix B لفائدة الطفل «أ» بناء على إشهاد الطبيب المعالج، ونتج عن ذلك الاستعمال إصابته بأمراض عصبية وشلل رباعي، وأن هناك علاقة سببية بين الخطأ المرتكب من طرف الشركة المتابعة والنتيجة أي الإصابة بمرض، مما يتعين معه مؤاخذة هذه الأخيرة من أجل جنحة عدم احترام النظم والقوانين الناتج عنه الإصابة بمرض طبقا للفصل 433 من ق.ج، بعد إعادة التكييف بدلا من الوصف الذي أعطته النيابة العامة، وذلك حسب ما استقر عليه اقتناع المحكمة الوجداني والصميم.
حيث أفادت الظنينة «س.أ» أمام المحكمة أنها قامت بتلقيح الطفل «أ» بلقاح أنجريكس «ب»، وأن عملية التلقيح مرت في ظروف سليمة وعادية، نافية كل ما نسب إليها من طرف النيابة العامة، مؤكدة بذلك تصريحاتها أمام الضابطة القضائية.
حيث إنه أمام إنكار الظنينة "س.أ.م" في سائر أطوار البحث فإنه لا يوجد بالملف أي دليل يمكن اعتماده كأساس للقول بإدانتها من أجل ما نسب إليها مما يكون معه اتهام النيابة العامة للظنينة قاصرا على بلوغ حد الكفاية في إدانتها في هذا المقام، ويضحى لزاما على المحكمة القضاء ببراءتها مما نسب إليها.
حيث يتعين تحميل الخزينة العامة الصائر في الشق المتعلق بالظنين «س.أ».
3) في المطالب المدنية:
حيث إنه مادامت المحكمة قد قضت ببراءة الظنينة "س.أ" مما نسب إليها، فقد أضحت غير مختصة للبت في المطالب المدنية المقدمة في مواجهة هذه الأخيرة.
حيث إن باقي المطالب المدنية قد جاءت على الشكل القانوني ومؤدى عنها للقسط الجزافي، مما يتعين معه قبولها شكلا.
حيث إنه بالنظر إلى الضرر المباشر الحاصل للطفل "أ" وذلك من جراء إصابته بأمراض عصبية بعدما تم تلقيحه بواسطة لقاح أنجريكس "ب" Engérix B الذي تنتجه شركة .. ونظرا إلى كون هذا الأخير في حاجة إلى ترويض طبي دائم ومكثف حسب الشهادة الطبية المرفقة بالملف، وفي حاجة إلى علاج مستمر وعناية طبية، ونظرا لكونه يحتاج إلى مساعدة شخص آخر اعتبارا إلى إصابته بشلل رباعي وبالنظر إلى المصاريف اللازمة للعلاج والتي يحتاجها الطفل «أ» - فقد ارتأى نظر المحكمة بما لها من سلطة تقديرية تحديد التعويض المستحق له في مبلغ ثلاثة ملايين درهم تؤديها الشركة المتابعة.
حيث يتعين تحميل هذه الأخيرة الصائر.
حيث يتعين رفض باقي المطالب المدنية لعدم ارتكازها على أي أساس قانوني......
ملحوظة:
الملاحظ أن إصابة الطفل بالشلل كانت في شهر فبراير 2000، ليتم تقديم الشكاية إلى النيابة العامة بالبيضاء بتاريخ 29/5/2000، بينما أنجز محضر الشرطة القضائية يوم 28/3/2011، في حين أن الحكم الابتدائي لم يصدر إلا بتاريخ 7 نوفمبر 2005، أي أن الفاصل الزمني بين تقديم الشكاية وصدور حكم محكمة الدرجة الأولى خمس سنوات وبضعة أشهر، - دون الحديث عن مرحلتي الاستئناف ومحكمة النقض - وهو ما يطرح عدة إشكالات ليس فقط بالنسبة لمدة درجة التقاضي التي قيل فيها ما لم يقله مالك في الخمر، ولكن أيضا مسألة صيانة حقوق الضحايا الصحية الجسدية والنفسية، التي تتطلب مصاريف للعلاج وهي وضعية رهينة بالفاصل الزمني، حيث يمكن أن تتضاعف خطورة المرض وتتفاقم إلى درجة يصعب تداركها إذا لم يتلق الضحية العلاجات في وقتها، خصوصا في ظل عوز وفاقة أسر الضحايا، وارتفاع كلفة العلاج في منظومة صحية عمومية تعاني أصلا كثيرا من العلل، وهو موضوع يحتاج إلى تفصيل رغم الشعارات التي رفعت بشأنه، علما أن الفصل 120 من دستور 2011 نص على أنه:
"لكل شخص الحق في المحاكمة العادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول".
أن قضية معالجة المرضى تستلزم البحث عن حلول بديلة لتلقي العلاج في انتظار تسوية الوضعية المادية، سواء عبر إحداث صندوق أو تأمينات وغيرها من البدائل التي يتوجب على الحكومة إيجادها، ضمانا أولا للحق في العلاج والحق في الحياة، لكن حياة كريمة.
وعليه فإن هذه النازلة تطرح إشكالية الحق في علاج المصابين بعاهات بمجرد إصابتهم، والحق في حكم داخل أجل معقول، وهو ما نص عليه دستور 2011.