قبل طرح بدائل محلية و إقليمية للمنظومة المؤسساتية المغاربية، الجزائر تسعى إلى محاربة التفوق الاقتصادي المغربي بالتعتيم و التشويش على امتداداته الروحية و الدبلوماسية و الثقافية بالعمق الإفريقي. على هامش الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الموريتاني إلى العاصمة الجزائرية، وقع الطرفان مذكرة تفاهم لتشييد طريق يربط مدينتي تندوف بالجزائر وأزويرات شمال شرق موريتانيا على مسافة 800 كيلومتر على خط التماس تقريبا مع الشريط الحدودي الجنوبي الشرقي للمملكة المغربية . التقارير المتسربة عن تفاصيل المشروع الذي جرى التحضير له منذ أزيد من سنة، تؤكد أنه سيكلف زهاء مليار دولار، تتحملها كاملة الخزينة الجزائرية بما فيها نفقات الدراسات , في مقابل حصول الدولة الجزائرية على امتياز يسمح لها باستغلال المنشأة الطرقية لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد. حرص الجزائر على انجاز المحور الطرقي الصحراوي رغم كل الشكوك و التحفظات المثارة منذ سنوات في شأن مردوديته الاقتصادية المتوقعة , يزكي إصرار قصر المرادية على توظيف عائدات النفط الجزائري على قلتها و رغم تراجعها المستمر , في استمالة اجنحة الفضاء المغاربي بهدف عزل المغرب مغاربيا و التشويش على جهوده الحثيثة للانفتاح الاقتصادي و السياسي على عمقه الإفريقي انطلاقا من أقصى نقطة أقاليمه الجنوبية . قبل أسبوعين قدم الرئيس الجزائري يوما قبل زيارته الرسمية لتونس لهذه الأخيرة قرضا تفضيليا بقيمة 300 مليون دولار على الرغم من الصعوبات الاقتصادية و المالية المتشعبة التي تعيشها الجزائر , وهو ما اعتبره المتتبعون هدية جزائرية نظير تصويت تونس شهر أكتوبر الفارط بمجلس الأمن ضد القرار الأخير للمجلس المتعلق بالصحراء المغربية , و تموقعها بهذا الموقف رسميا إل جانب المناورات الجزائرية المعادية للمصالح العليا للمغرب . تطوع الرئيس تبون لتمويل و انجاز الممر الطرقي الذي يمتد من ضواحي تندوف الى الزويرات , لا يمكن توصيفه إلا باستدراج لنواكشوط بمغريات اقتصادية و تجارية متنوعة نحو دائرة الحلف الإقليمي الذي تسعى دبلوماسية الجنرالات لتشكيله على أنقاض الاتحاد المغاربي و بدون المغرب . منطقيا لا يمكن للجزائر المغامرة بتبديد مليار دولار في ظرفية الخصاص الازمات في مشروع بنيوي غير مضمون النتائج و التطورات إلا إذا كانت تراهن مسبقا على مكاسب سياسية سريعة التحقق. مسلك تندوف الزويرات , يوفر للجزائر منفذا جيواستراتيجيا لتعويض الخسائر المتتالية التي تكبدها المشروع الانفصالي نتيجة احكام المغرب سيطرته على طول امتداد الجدار الرملي الى حدود نقطة معبر الكركرات الحدودي الذي اعتبرته الجزائر الضربة القاصمة لأطماعها في منفذ نحو المحيط . بالمنطق الاقتصادي لا يمكن للجزائر ان تجاري التفوق الاقتصادي المغربي بهذه المنطقة من العمق الافريقي، نظرا لتجذره و نجاحه في عدة قطاعات اقتصادية و خدماتية جد حساسة من قبيل الإنتاج الفلاحي , الاتصالات , الابناك , الخدمات و الاشغال العمومية . الجزائر الفاشلة في حرب التنافسية الاقتصادية مع جارها الغربي قاريا و دوليا , تريد عزله مهما كلفها ذلك من ثمن , حتى لا يرتقي الى درجة النمر الاقتصادي بمنطقة الشمال الافريقي مع ما يعنيه ذلك من اندحار حتمي و سقوط مدوي لأسطورة الجزائر المهيمنة إقليميا التي تحرك منذ بداية الستينات خيال و نزعة التفوق لصقور قصر المرادية . تونسوموريتانيا يمثلان نقطتي ارتكاز الأجندة الجزائرية بمنطقتي شمال افريقيا و الساحل الافريقي , و لذلك و بمجرد تنصيبه سارع الرئيس الجزائري تبون الى إنشاء وكالة جزائرية للتعاون الدولي، كلفها بوضع سياسات الجوار، و أسند ادارتها الى الضابط السابق في جهاز المخابرات العسكرية محمد شفيق مصباح . الجزائر تسعى الى محاربة التفوق الاقتصادي المغربي بالتعتيم و التشويش على امتداداته الروحية و الدبلوماسية و الثقافية بالعمق الإفريقي قبل طرح بدائل محلية و إقليمية للمنظومة المؤسساتية المغاربية. سياسة الاحتواء و الإغواء التي عبر عنها صراحة أمام الرئيس الموريتاني , المدير العام لمجمع سوناطراك للمحروقات بالجزائر ، حين وعد بمشاريع مستقبلية لتصدير المواد البترولية ومشتقاتها بالإضافة الى الأسمدة الفوسفاتية نحو الجمهورية الإسلامية الموريتانية , تكشف السقف اللامحدود للمناورات والمؤامرات التي تخبئها الأجندة الجزائرية لمعاكسة الطموح المغربي المشروع في البناء والتنمية .