أثارت مصادقة مجلس النواب على التعديل الذي تقدم به فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب المتعلق بإحداث صندوق التكافل العائلي كثيرا من اللغط، وحتم الحادث تقديم بعض التوضيحات التي من شأنها تسليط الأضواء الكاشفة على هذا الموضوع الهام والذي يحظى بأهمية بالغة لدى الرأي العام. أولا إن مصادقة مجلس النواب على تعديل تقدم به فريق من المعارضة يعكس النضج في العمل النيابي الوطني خصوصا من طرف مكونات الأغلبية التي كان باستطاعتها التصويت ضد المقترح وإقباره لا لشيء إلا لأنه صادر عن المعارضة، وخصوصا أيضا من طرف الحكومة التي تجنبت استخدام سلاح الفصل الواحد والخمسين من الدستور الذي يمثل سلاح الفيتو الذي يخرج أي تعديل له تبعات مالية من حلبة التشريع، لكن شيئا من هذا لم يحدث، وكانت المصادقة على التعديل إشارة قوية من الحكومة والأغلبية. هذا من حيث الشكل أما من حيث المضمون فإن الفكرة ليست جديدة على كل حال، بل كان خطاب ملكي سامي قد تضمنها بمناسبة افتتاح السنة القضائية، وكان قد حتمها تشريع مدونة الأسرة التي مثلت ثورة حقيقية في مجال الاهتمام بالأسرة والمرأة المغربية، والتي كان حزب العدالة والتنمية لايقاسم المغاربة الاقرار بأهمية هذه المدونة ولم يدخر جهدا في محاولة الاطاحة بها، وكانت كتابة الدولة في التضامن والأسرة قد أعدت في شأنه مشروع قانون إلا أن الحكومة السابقة ارتأت إحالته على وزارة العدل بحكم الاختصاص، وفي هذه المحطة تعثر المشروع لأسباب قد تكون موضوعية جدا ترتبط بالحرص على ضمان شروط نجاح هذا الصندوق في عمله. وكان هذا الجهد يندرج في سياق الادراك أن إحداث صندوق التكافل العائلي يجب أن يأتي في اطار قانون، وأن إدراجه ضمن قانون المالية يطرح عدة صعوبات وتحديات. فمنطوق الفصل 17 من القانون التنظيمي للمالية واضح في هذا السياق إذ ينص على أنه لايمكن إحداث أي حساب مالي إلا بمقتضى قانون، وفلسفة المشرع في هذا المجال واضحة وقوية ومنطقية، إذ أن إحداث حساب مالي لايمكن إدراجه في زحمة قانون آخر من قبيل قانون المالية، لأنه تشريع مستقل يجب أن يحدد مصادر التمويل ومجالات صرف هذا التمويل وكيفية الصرف والجهة الآمرة بالصرف إن التعبير عن القلق من إدراج هذا المقتضى الهام في زحمة مقتضيات القانون المالي يصبح مشروعا لاعتبارات كثيرة، أولها أن وضعه في هذا القفص يطرح إشكاليات حقيقية تتعلق باخراج الصندوق الى حيز الوجود، تتعلق أساسا بالجهة المشرفة وكيفية التحصيل، وواضح أن جميع الرسوم القضائية التي وضعت في هذا التعديل كمصدر وحيد للتمويل لن تكون كافية بكل تأكيد لضمان اكتفاء حقيقي لهذا التمويل ، ثم طرق الاستفادة والاشخاص المستفيدون، إنها صعوبات تقنية حقيقية تؤكد أن إخراج هذه المؤسسة الهامة والوازنة لن تكون بالمهمة السهلة ، هذا إذا لم يكن للمجلس الدستوري المكلف بمراقبة دستورية القوانين رأي آخر في هذا الموضوع بحكم التعارض مع مقتضى الفصل 17 من القانون التنظيمي للمالية. إن الموضوع يكتسي أهمية بالغة جدا جدا ولانعتقد أنه صالح للمزايدة أو إدراجه في اطار عمل شعبوي لن يفيد بشيء، وحزب الاستقلال إذ يحرص على المساهمة بإيجابية في هذا العمل وسيتعامل مع هذا التعديل ايجابيا خلال محطة عرضه على مجلس المستشارين مع الاجتهاد في تحسينه، فإنه من الواجب القول الآن ، إن إحداث صندوق التكافل العائلي يحتاج الى تشريع مستقل في شكل قانون، وقد تكون هذه المحطة فترة انتقالية نحو الوصول الى هذا الهدف في المستقبل القريب جدا.