تعود بي الذاكرة إلى سنوات ليست بعيدة،عندما اقترنت الفرجة والفكاهة التلفزية بمجموعة من الفنانين الذين كانوا يشتغلون في إطار ثنائي،بزيز و باز،قشبال و زروال،سفاج ومهيول،وغيرهم ممن أحبهم الجمهور المغربي كثيرا،ومازالوا يحتفظون لهم بذكريات جميلة،لما كانوا يقدمونه من أعمال تتسم بالبساطة و المتعة من خلال مواضيع نابعة من قضايا الشعب آنذاك،لكن مع التطور الذي حصل في المجال الفني اندثر نوعا ما هذا الشكل الفرجوي ليفسح المجال للفكاهة الفردية "الوان مان شو" . وقد شاءت الأقدار أن تعود لنا من جديد الفكاهة الثنائية،لكن في صيغة أخرى،وبأسلوب مخالف تماما عن تلك التي ذكرت أعلاه،شكلا ومضمونا،في قالب يميل إلى المضحكْ المبكي ،تطغى عليه المؤامرة و الدسائس كحال دراما "ريا وسكينة" الشهيرة، تنقله لنا شاشات التلفزيون باستمرار من الجارة الجزائر،ألا وهو الثنائي الساخر " شنقريحة و تبون" اللذين يتناوبان على الخروج بتصريحات وخطابات تجر عليهما سخرية الجزائريين و العالم ككل،حتى أصبحا نجمان ساطعان في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي،يحصدان نصيب الأسد من المشاهدات في "اليوتيوب" ،كيف لا وهذه الخرجات تتضمن مجموعة من التفاهات التي لا يتقبلها عقل ولا منطق،والأكاذيب على الحي والميت،و الغرور المرضي اللامنتهي،والاتهامات والمزايدات المجانية نحو المغرب و مؤسساته.
بطبيعة الحال لا مجال للمقارنة بين الشكلين الفرجويين، فنحن اليوم أمام ثنائي مقزز،اختلطت عليهما الأفكار و الحقائق ،لا يفرقان بين الخطأ والصواب،ولا يخرج من شفتيهما الصغيرتين سوى السب و القذف و الضغينة،و يعتقدان أن الكرة الأرضية توقفت تحت رجليهما المرتعشتين لتلتمس منهما استمرارها في الدوران،و أن الشمس بين أيديهما تستعطفهم السماح لها بالشروق و الغروب كل يوم،في حين الصواب هو أننا أمام مسؤولين شائخين تجاوزهما الزمان و المكان،ممن تنطبق عليهما المقولة الشعبية " شاب وعاب" كانا من المفروض اختيار التقاعد في إحدى بلدات الجزائر الشاسعة،ويتركا السلطة لوجوه شابة تحظى بثقة الشعب الجزائري الذي يواصل حراكه للمطالبة بدولة مدنية لا عسكرية،وضد رئيس صوري متحكم فيه بواسطة "تيلكموند" العسكر الذي يشل حركة ويكتم أنفاس كل من جلس على كرسي الرئاسة بقصر المرادية.
لقد شعرت بحيرة كبيرة حينما حاولت الوقوف على إحدى شطحات الثنائي " شنقريحة و تبون"،إلى أن استقر بي اختياري على جملة تبون الشهير "الجزائر قوة ضاربة"و التي جرت عليه سخرية عارمة من نشطاء "الفيسبوك" بالجزائر،من قبيل منشور " نعم الجزائر قوة ضاربة حينما نستيقظ كل يوم على سلاسل وطوابير بشرية للمواطنين في انتظار الحصول على مواد أساسية،كالحليب والزيت والماء والدقيق"، وقال آخر "الرئيس الجزائري أخطأ في نعت ووصف هذه القوّة.. بين ضاربة ومضروبة وبالضبط في رأسها ورئيسها.." أو حينما استشهد تبون بمقطع شعري مفاده " قل الجزائر واصغ إن ذكر اسمها...تجد الجبابرة ساجدين وركعا" وهنا رد عليه احد النشطاء قائلا "لو حضر الشاعر صاحب البيت في القاعة وتابع خطاب رئيس الجزائر اليوم، وهو يتحدث عن هجوم 97 موقع افتراضي.. لتبرأ من قصيدته.. ومن الشعر بصفة عامّة."
نعم الجزائر قوة ضاربة،وهو ما أكدته كذلك مجلة الجيش الجزائري لصاحبها شنقريحة حينما كتبت بأسلوب ركيك و متجاوز، "الجزائر فعلا قوة ضاربة ومن يعترض فليذرف الدموع أمام حائط المبكى"، فهي ضاربة بنظام متحجر و فاشل، وضاربة في الفساد المستشري في كل مناحي الحياة،وفي الأزمات الداخلية التي لا يتردد النظام العسكري في تعليقها على مشجب على المغرب،وضاربة في غلاء المعيشة ونفاذ المواد الأساسية في السوق،وضاربة في تصدير الحقد و الكراهية تجاه المغرب،وضاربة في تذيل مختلف التصنيفات والمؤشرات الدولية في التنمية و حقوق الأفراد والجماعات و حرية التعبير...
أما من تابع الخرجة الإعلامية الأخيرة للرئيس الجزائري في إعلامه المفلس،فسيجد نفسه أمام لقاء باهت يجتر نفس أسطوانة "شيطنة" المغرب، لقاء لم يخل أيضا من الأكاذيب و الخزعبلات التي تجاوزت الحدود،و لا يصدقها لا الكبير ولا الصغير،وجرت عليه سخرية الجميع من جديد،بل وصل به غروره اللامنتهي حد تصوير أن المغرب يترجاه كي يعيد سفيره إلى الرباط،و تعود العلاقات الديبلوماسية بين البلدين،ويسمح له بمرور طائراته فوق بلده، في حين أن مملكة" 12 قرن" تتعالى على مثل هذه الخرجات التافهة،وتترفع على أن تنزل إلى هذا المستوى المتدني في العلاقات التي من المفروض أن تجمع بلدين جارين،والدليل أن المغرب أصلا لا يهتم بالموضوع، ولم يطلب وساطة كما يتوهم النظام العسكري الجزائري،ولم يصدر أي رد رسمي على حماقات و اتهامات نظام متهالك،وهنا تحضرني مقولة المفكر الإسلامي محمد الغزالي حينما قال " السكوت عن الإساءة ليس ضعفاً وإنما هو علو بالذات عن سفهاء العقول،تأمل قول عاد لنبيهم هود ( إِنا لنراك فِي سفاهة) ورغم هذه الإساءة إلا أن ردّ هود كان: (يا قوم ليس بِي سفاهة ولكنِي رسول مِن رب العالمين".
إن المغرب عندما أعلن على لسان أعلى سلطة في البلاد في أكثر من مرة مد يده للجزائر من أجل تجاوز الخلافات التي تعيق عودة العلاقات بين البلدين إلى وضعها السليم بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين،وليس في الأمر استجداء ولا مصلحة ضيقة كما يتوهم النظام العسكري الجزائري،وإنما رغبة صريحة في طي صفحات سوداء للنسيان،لكن مع استمرار الثنائي " شنقريحة و تبون" في مكانهما،يبدو أنه لا شيء سيتحقق في المستقبل القريب من هذا كله بعدما أعمى الحقد والكراهية بصيرتيهما.