ذهب ضحية التجييش وتضليل الماكينة الدعائية في الجزائر حادث مأساوي لا يقل مأساوية عن الحرائق التي اضطرمت في غابات تيزي وزو، هز الضمير الجمعي للشعب الجزائري ولكل إنسان، مسائلا كل القيم والأعراف والمشاعر والقوانين، ومن شأنه أن يفجر أكثر من سؤال عن الأسباب التي دفعت جمعا من الناس إلى التنكيل بشاب حتى الموت وسحله وإحراق جتثه على مرأى من ملتقطي الفيديوهات الذين سجلوا هذا الفعل الوحشي الشنيع، في حدث "تهتز له السموات والأرض" كما عبر عن ذلك بمرارة ناشط جزائري، مؤكدا أن "حرق شخص حي وأخذ سيلفي جماعي معه هو سلوك غير بشري وغير حيواني أيضا".
حادث قتل شاب بتهمة إضرام الحرائق بغابات تيزي وزو وحرق جثته بالكامل من قبل مواطنين غاضبين خلف صدمة بالغة في أوساط الجزائريين، خصوصا بعد أن تبين أن الشاب المذكور بريء تماما، واتضح أنه فنان موسيقي شاب يدعى جمال بن اسماعيل، تنقل من مدينة مليانة إلى مدينة نات إيراثن الواقعة بولاية تيزي وزو لمد يد المساعدة في إخماد الحرائق والتطوع في البحث عن ناجين، وقام بتوجيه العديد من النداءات للشباب وللسكان من أجل دعم المتضررين،، ولم يكن يدور في خلده أبدا أنه سيلقى مصيرا أسود كهذا المصير.
ورغم أن أعيان منطقة القبائل وممثلي قرى "ناث إيراثن" أعلنوا اعتزامهم التوجه إلى "مليانة" لتقديم الاعتذار والتعازي نيابة عن أهالي المنطقة لأسرة الشاب المتوفي، كما ذكر ذلك موقع "الجزائر 1"، إلا أن السؤال العريض مع هذا يتسع ويكبر ليساءل كل العقول والأذهان، عن السبب الذي دفع جمعا من المواطنين للإقدام على فعل شنيع كهذا..
الجواب طبعا في الآلة الدعائية الجحيمية للنظام الجزائري، اللامسؤول، الذي حاول الفرار كعادته إلى الأمام بارتباك واضح، ليجد نفسه كمن يضع العربة أمام الحصان.
فبمجرد تناسل الأنباء عن اشتعال النار في غابات منطقة القبائل وأحراشها حتى خرج مسؤولون جزائريون مشيرين بوضوح فج إلى ما وصفوه أيدي إجرامية قامت بهذا الفعل، ضاربين عرض الحائط الأسباب الموضوعية الأخرى العديدة التي تقف وراء هذه الحرائق، وأولها طبعا موجة الحر الشديد التي تعاني منها المنطقة خلال فصل الصيف، مع هبوب رياح قوية ساخنة أدت إلى مزيد من تدهور الوضع، وأسهمت بالقسط الأوفر في انتقال النار من مكان لآخر بسهولة ويسر، وهي الحالة التي لا تعرفها الجزائر وحدها، بل تشهدها منطقة البحر الأبيض المتوسط تحديدا كبؤرة للتغير المناخي الذي يشهده كوكبنا، من المغرب إلى تركيا واليونان، مرورا بالجزائر وتونس.
ولكن العقلية التآمرية للنظام الجزائري فضلت، كعادتها، البحث عن جاني مفترض، حتى إن تعلق الأمر بكوارث طبيعية لا يكون للإنسان أي حيلة أو قوة أمامها، ولن يكون مستغربا بالمرة ، أن يبحث النظام عن جاني يحمله مسؤولية اهتزاز الأرض مثلا ، في حال وقوع زلزال، لا قدر الله، أو تلصق تهمة احتباس المطر لأحد ما، في السنوات العجاف لا قدر الله