محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يلقي كلمة بمناسبة توقيع مذكرة تعاون بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات. خلال حفل توقيع مذكرة تعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، ألقى محمد عبد النباوي كلمة استعرض فيها أهم ما تناولته هذه الاتفاقية. وأبرز عبد النباوي في كلمته أنها أول مرة تجتمع فيها الهيئات القضائية الممثلة للمحاكم العادية والمحاكم المالية بالمملكة. معتبرا إياه حدثاً في حد ذاته. موضحا أن هذا الاجتماع يستهدف خلق جسور للتواصل المهني، لأجل تحقيق النجاعة في مكافحة الفساد، مشيرا إلى أن هذا الحدث يستحق أن يسجله التاريخ.
وأشار أن السيدة الرئيسة الأولى للمجلس الأعلى للحسابات، كانت قد خاطبته والسيد رئيس النيابة العامة، في موضوع وضع إطار للتعاون بين السلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات، لحظات قليلة، بُعَيد تعيينهم من قبل جلالة الملك في مناصبهم الحالية، يوم 22 مارس الماضي بالقصر الملكي بفاس. متوجها بالشكر والامتنان لها لأجل طرح الفكرة والإلحاح بشأن تنفيذها. نفس الأمر للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات لأجل هذا الحضور الوازن للمحاكم المالية في هذا الاجتماع. كما توجه بالشكر للوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة وأطر الرئاسة على المساهمة الإيجابية في الترتيب لهذا الحدث المتميز.
وأضاف عبد النباوي خلال كلمته أن مكافحة الفساد تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لمصير كل بلد، بالنظر للآثار السلبية للفساد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساسه بمبادئ الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، وتكريسه لثقافة الغش والتواكل. وتأثيره على الأمن الاجتماعي. فضلا عما يلحقه من أضرار بالمال العام، وتبديدٍ لموجودات المواطنين، ولا سيما أموال دافعي الضرائب. ولذلك فإن المجتمع الدولي قد اهتم بمحاربة الرشوة واختلاس المال العام، وغيرها من أوجه الفساد المالي. وأشار إلى أن اتفاقية ميرندا لمكافحة الفساد، تجسد واحدة من أهم اتفاقيات الأممالمتحدة المتعلقة بتوفير شروط النزاهة في المجتمعات، والتي صادقت عليها المملكة المغربية، وتعمل على تنفيذ أهدافها بواسطة الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، التي ترتكز على مقتضيات الدستور وعدة نصوص قانونية وتنظيمية، تشارك في تفعيلها وتنزيل مقتضياتها سلطات المملكة والعديد من المؤسسات الرسمية والمجتمعية، ومن بينها محاكم السلطة القضائية والمحاكم المالية. وهو ما يجعل التنسيق والتعاون بين السلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات ضرورياً. فقد أناط الدستور بهذه المؤسسات القضائية مهاماً على درجة عالية من الأهمية في مجال تخليق الحياة العامة، وحماية المال العام، وتفعيل المبدأ الدستوري الرامي إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة. الذي نص عليه الفصل الأول من الدستور، وجعله جلالة الملك هدفاً أساسياً من أهداف السياسة الحكيمة للمملكة. وفي هذا الصدد قال جلالته في رسالته السامية للمشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية بتاريخ 27 فبراير 2018 بالصخيرات : "فبمجرد اعتلائنا عرش أسلافنا المنعمين، بادرنا إلى إرساء المفهوم الجديد للسلطة، الذي نعتبره مدخلاً مهماً لتطوير أداء الإدارة، وتقوية التزامها بمبادئ الحكامة الجيدة، بغية تلبية الحاجيات المتزايدة للمواطنين ودعمهُ للعدالة الاجتماعية وضمانه للكرامة الإنسانية. كما حرصنا على التكريس الدستوري للحكامة الجيدة، كمبدأ لا محيد عنه في تنظيم وتدبير المرافق العمومية، بما ينطوي عليه من مبادئ الاستحقاق والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع المغاربة. كما نعمل على تفعيل المبدأ الدستوري لربط المسؤولية بالمحاسبة".
وقال عبد النباوي" إذا كان الدستور قد أناط بالمجلس الأعلى للحسابات والمحاكم المالية، مراقبة المالية العمومية للمملكة، وتدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة، والمحاسبة والشفافية بالنسبة لإدارات الدولة والمؤسسات العمومية، فإن القضاء العادي يمارس دوراً لا يقل أهمية في مجال تخليق الحياة العامة وردع الإخلال بقواعد التنافس الحر وتكافؤ الفرص وحماية المال العام ومكافحة الرشوة والفساد المالي والإداري. وهي المهام التي تسهر عليها المحاكم الزجرية. بالإضافة إلى الاختصاصات الأخرى الموكولة لباقي المحاكم، ولاسيما المحاكم الإدارية والتجارية، في مجالات حماية الاستثمار و حرية المنافسة والملكية التجارية.. وكذلك في مجال العدالة الضريبية وحماية الملكية العقارية وغيرها من المجالات ذات الصلة.
وإذا كانت محاربة الفساد هي الملزم لترسيخ الثقة، التي اعتبرها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطابه السامي الذي وجهه إلى الأمة يوم السبت 30 يوليو 2016 بالرباط، بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد :
"قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.
والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة". ودعا سلطات ومؤسسات الدولة إلى تفعيل الآليات القانونية وتطوير أساليبها التقليدية وتطوير وسائل التعاون، لتكون في المستوى المطلوب لمحاربة الفساد، ودعم النزاهة وتخليق الحياة العامة وترسيخ المبادئ الدستورية السامية المتعلقة بالحكامة الجيدة. التي خصص لها الدستور 18 فصلاً من مواده.
وأكد على أن اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات ورئاسة النيابة العامة لصياغة آليات التعاون والتنسيق، هو استجابة للإرادة المعبر عنها صراحة في الفصل 148 من الوثيقة الدستورية الذي ينص على أن : "يقدم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للهيئات القضائية".
وفي الفصل 117 من الدستور الذي ينيط بالقاضي "حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون". وإنها لمناسبة قيّمة لترسيم إطار حقيقي للتعاون يُسَهِّل اضطلاع كل جهة بمهامها للتصدي للفساد في مجال التدبير العمومي وتخليق الحياة العامة وحماية مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للأجهزة العمومية، وذلك عن طريق إرساء قنوات حداثية لتبادل المعلومات والخبرات والتجارب، وتعزيز قدرات العنصر البشري وإذكاء مهاراته في الجوانب التقنية والقانونية وفتح جميع آفاق التعاون.
واعتبر أن هذا الاجتماع مناسبة جادّة لبلورة تصورات لجنة النموذج التنموي الجديد حول دور المؤسسات في هذا الصدد، نظرا للارتباط الوثيق بين الحكامة والتنمية، وهو ما يؤكده تقرير اللجنة المذكورة، الذي اعتبرت فيه أن الإطار الذي يتم فيه تحرير الطاقات والمبادرات، يجب أن يضمن العمل بثقة ومسؤولية وفقاً لقواعد واضحة ومطبقة على الجميع، تكرس مبادئ دولة الحق والقانون والحكامة الجيدة، وذلك ضروري لفسح المجال لكل الإرادات للمساهمة في تنمية البلاد.
وبعد اختتام كلمته قام عبد النباوي بمعية الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، والرئيسة الأولى للمجلس الأعلى للحسابات والوكيل العام للملك لدى هذا المجلس، على توقيع مذكرة تعاون ستمكن موقعيها من تنسيق الجهود القضائية للوفاء بالغايات الدستورية المتعلقة بالحكامة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.