لا تجد المجلة الدورية الصادرة عن مؤسسة الجيش الجزائري أي حرج في تناول العديد من القضايا ذات الطبيعة السياسية الصرفة، وما يزيد هذه الظاهرة غرابة، أن المشرفين على هذه المجلة يتطرقون إلى القضايا السياسية داخل الجزائر وخارجها في ركن (الافتتاحية) التي تعتبر لسان حال الجهة الصادر عنها المنبر وتجسيدا لخط تحريري معين. قبل أيام قليلة كالت المجلة عبر افتتاحيتها تهما ثقيلة إلى المغرب، وسعت بذلك الى تأجيج العلاقات بين البلدين وضخ كمية كبيرة من الزيت الحارقة في نار هذه العلاقات الملتهبة أصلا، وهي بذلك قامت بالتعبير عن مواقف سياسية صرفة. وفي العدد الحالي من هذه المجلة المثيرة أكدت افتتاحيتها على (أهمية القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، على رأسها حل المجلس الشعبي الوطني والتعديل الحكومي وإصدار عفو رئاسي) وشنت هجوما عنيفا على بعض الأطراف التي لم تسمها، واتهمت الحراك الشعبي، حيث جاء في الافتتاحية (إن محترفي الإفك والتضليل، دولا كانوا، عصابات أو أفرادا، تشبه خفافيش تهوى الظلام والسواد، تستثمر حتى في الحراك والوباء، سلاحها التفرقة والتعفين ومشروعها فك روابط اللحمة بين الشعب وجيشه وإعادة النظر في كل ثوابت الأمة) ولم يفت ناشري المجلة التعبير عن مساندة المؤسسة العسكرية لما سمته ب ( الشعب الصحراوي). فهل من مهام المؤسسة العسكرية الغوص في القضايا السياسية الداخلية والخارجية بما يجعل منها مؤسسة عسكرية مساندة لفريق سياسي جزائري دون الآخرين؟ وهل من اختصاص العسكر إعلان مواقف سياسية تجاه قضايا سياسية تكون محل خلاف وتجاذب بين فرقاء سياسيين داخليين وخارجيين؟ الإجابة الطبيعية عن هذه الأسئلة وغيرها كثير تتمثل في التأكيد على أن المؤسسة العسكرية يجب أن تنأى بنفسها عن جميع الخلافات السياسية وتبقي على نفس المسافة مع جميع الفرقاء السياسيين، لأنها مؤسسة عسكرية لجميع أفراد الشعب، وليست لفئة معينة من الشعب ضد باقي الشعب. هذا في المنطق، وفي الدول التي يقوم فيها الجيش بالأدوار المحددة له، لكن ليس في الجزائر التي تحكمها المؤسسة العسكرية، ولذلك فإنه حينما تتطرق مجلة الجيش هناك الى القضايا السياسية الخلافية، فإنها تؤكد و تعلن بشكل رسمي أن العسكر هم الذين يحكمون في الجزائر.