يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحريراليوم السبت الذكرى51 لإعطاء انطلاقة أشغال بناء طريق الوحدة التي شكلت حدثا هاما غداة حصول المغرب على استقلاله ومظهرا من مظاهر الجهاد الأكبر الذي أعلنه جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه عند عودته من المنفى. وكان جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وجه في يوم15 يونيو1957 من مدينة مراكش نداء ساميا توجيهيا إلى الشباب المغربي لاستنهاض هممه من أجل التطوع في إنجاز مشروع وطني كبير يهدف إلى ربط شمال المملكة بجنوبها حيث قال جلالته أكرم الله مثواه «... إن من بين المشاريع التي عزمنا على إنجازها لتدعيم التوحيد الحاصل بين منطقتي الوطن شماله وجنوبه إنشاء طريق بين تاونات وكتامة تخترق ما كان من قبل حدا فاصلا بين جزأي الوطن الموحد، وذلك ما حذا بنا إلى أن نطلق عليه اسم طريق الوحدة ...». وبنفس المناسبة، زف جلالته قدس الله روحه بشرى تطوع ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه للمشاركة في هذا المشروع حيث قال « ... وإن ولي عهد مملكتنا الحسن أصلحه الله قد سجل اسمه أول متطوع جريا على مألوف عادته في تجنيد نفسه دائما لخدمة المصالح العليا للشعب والوقوف بجانب العاملين من أجل سعادته ورفاهيته ...». لقد كان المغرب غداة الاستقلال, يضيف البلاغ، يتوفر على شبكة طرقية يصل طولها إلى حوالي20 ألف كلم، إلا أن توزيعها الجغرافي عبر التراب الوطني لم يكن شاملا لكل المناطق وكانت العلاقات بين الأقاليم الجنوبية والشمالية تتسم بالطابع العرضي وانعدام الطرق الأفقية التي تخترق المنطقة الشمالية في اتجاه البحر الأبيض المتوسط, مما طرح وضعية ملحة أمام مغرب الاستقلال، حيث بادر جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى نهج سياسة جديدة في ميدان التجهيزات الطرقية من أجل تغيير البنى الوظيفية التقليدية للطرق التي كانت ترتكز على خدمة مصالح المستعمر سابقا، وإعطاء الأولوية لبناء طرق بالأقاليم الشمالية والجنوبية لتصل إلى مستوى التجهيزات الموجودة بوسط وغرب وكان في مقدمة المشاريع المبرمجة إنشاء طريق بشمال المملكة تربط بين تاونات ومركز كتامة على طول80 كلم أطلق عليها اسم طريق الوحدة. وقد كان لكلمة الوحدة أو التوحيد التي ركز عليها المشروع دلالة رمزية هامة، فبالإضافة إلى الربط بين منطقتي الشمال والجنوب، فإن تجميع الشباب المتطوعين لبنائها من مختلف جهات المغرب وتكتلهم وحيويتهم وحماسهم اكتسى أهمية كبرى على الصعيد الوطني تجسيدا ورمزا للوحدة والتضامن والتكامل. وقد تجند لهذا المشروع12 ألف شاب متطوع للعمل مدة شهور الصيف الثلاثة، بنسبة أربعة آلاف شاب في كل شهر، ينتمون لكل أنحاء المملكة، ومثلت أوراش العمل مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتداريب مدنية وعسكرية، تجعل منهم مواطنين صالحين لتحقيق مشاريع عمرانية في مراكز سكناهم، وذلك تنفيذا لفكرة التجنيد العام لبناء استقلال المغرب. وقد حظي هذا المشروع بتأطير تربوي ونظام أساليب التسيير والتدبير وأعمال اللجان المختصة التي اشتغلت منذ نداء بطل التحرير. وصباح يوم5 يوليوز1957 أعطى جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه انطلاقة المشروع معاينا على متن سيارة «جيب» معالم الطريق كما أدى صلاة الجمعة بايكاون. واتسمت مراحل الإعداد للمشروع بأنشطة مكثفة وأعمال رائدة لسمو ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، حيث أولى طيب الله مثواه عناية خاصة لتعبئة الشباب وحفز الهمم معطيا القدوة والمثال بانخراطه الفاعل عبر مراحل الإشراف والتدبير والإنجاز ولقاءاته بالشبيبة ومحاضراته حول فلسفة المشروع وأبعاده الوطنية كتحدي ورهان يتحتم كسبه, وأهمية التركيز على الشباب من كل أرجاء الوطن للبناء وتوطيد صروح النهضة والتقدم, ومغازي القيم التي يكتسيها المشروع والمتمثلة أساسا في الروح الوطنية والتفاني في خدمة الوطن بإرادية وتطوع ومواطنة صادقة وقوة الالتحام والتمازج بين مكونات المجتمع ووحدة صفها وكلمتها وغايتها وتعلقها المتين بمقدساتها وتجندها لأداء واجبها بكل إيمان وعزيمة. ولقد حفلت الشهور الثلاثة من يوليوز إلى أكتوبر1957 بروح عالية من التجند التام والعمل البناء في غمرة الحماس الوطني العارم وأجواء مواكبة لإنجاز المشروع جعل منه مدرسة حقيقية للوطنية الخالصة والتكوين والتأهيل للقدرات والكفاءات فضلا عن الفضاءات التربوية والثقافية والفنية مما أعطى لمراحل الإنجاز إشعاعا شموليا لا يستهدف تحقيق إنجاز وحدوي ذي أبعاد اجتماعية واقتصادية فحسب بل ويمتد لبناء الإنسان والارتقاء بالوجدان وإذكاء قيم التضامن والتعاون والتكامل وتفجير الطاقات على درب توطيد دعائم المغرب الجديد. وفي مستهل أكتوبر1957 كان المغرب على موعد مع الحدث التاريخي المبشر بإنهاء أشغال طريق الوحدة, في غمرة الاعتزاز الوطني بهذه المنجزة الكبرى والتي تكللت بخطاب جلالة المغفور له محمد الخامس في حفلة استعراض متطوعي طريق التوحيد حيث خاطب جلالته معشر المتطوعين قائلا « ... لكم يطفح قلبنا سرورا وابتهاجا ونحن نجتمع بكم اليوم وقد تكللت أعمالكم ولله الحمد بالنجاح وبرزت للعيان نتائج جهودكم وأشهدتم العالم على أن أبناء المغرب إذا تحملوا مسؤولية قاموا بها خير قيام، وإذا اتجهت همتهم إلى غاية مهما عظمت وعسرت فلابد أنهم بالغوها ».