الأولويات التي سطرها البرنامج الحكومي لم تكن سوى ترجمة للتوجهات المستنيرة لجلالة الملك وإنصات حقيقي لنبض المواطنات والمواطنين وتطلعاتهم إلى العيش الكريم والعدالة الاجتماعية أشير هنا إلى أنه قبل سنتين من اليوم، انتصرت المنهجية الديمقراطية ببلادنا، وانبثقت عن صناديق الاقتراع حكومة سياسية يقود أغلبيتها حزب الاستقلال. ومباشرة بعد تشكيلها، انكبت الحكومة على بلورة برنامج عمل ذي توجه إصلاحي، برزت خطوطه العريضة في التصريح الذي تقدم به الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي أمام البرلمان. وقد وجد البرنامج الحكومي سنده في البرامج الانتخابية للأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي وكذا في الأرضية المشتركة للكتلة الديمقراطية، خصوصا مع وجود مقاطعات كبيرة في التوجهات والالتزامات التي سبق أن تعهدت بها هذه الهيئات السياسية، بكل شجاعة وشفافية، أمام المواطنات والمواطنين أثناء الحملة الانتخابية. ولم تكن الأولويات التي سطرها البرنامج الحكومي سوى ترجمة للتوجهات المستنيرة لجلالة الملك، وتجسيدا للثوابت الراسخة للمجتمع المغربي، وإنصات حقيقي لنبض المواطنات والمواطنين، وتطلعاتهم إلى العيش الكريم، والعدالة الاجتماعية، ونماذج أخلاقية للنجاح الفردي والمؤسساتي من شأنها تقوية آصرة الانتماء إلى المغرب: الوطن والأمة. ورغم تحديات الظرفية الدولية المرتبطة بصدمة ارتفاع الأسعار الدولية وكذا تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بعد ذلك، لم تتردد الحكومة بقيادة الوزير الأول، في ترجمة مضامين التزاماتها وتعهداتها إلى استراتيجيات وتدابير وإجراءات عملية في إطار رؤية شمولية ومتكاملة الأبعاد والمرامي، تعطي أولوية قصوى لمحاور التعاقد الاجتماعي الجديد التي تسعى بلادنا إلى إرسائه من خلال العمل على: - تثمين الإمكان البشري واعتبار التكوين والمعرفة قنطرة سالكة نحو الارتقاء الاجتماعي؛ - حماية القدرة الشرائية والتخفيف من تكاليف المعيشة؛ - تقوية آليات التضامن والإنصاف المجالي والاجتماعي لفائدة العالم القروي وذوي الدخل المحدود والفئات المعوزة، من خلال توسيع وتيسير الولوج إلى الخدمات الصحية والاجتماعية والسكن؛ - تحسين ظروف عيش المواطنين عبر محاربة مختلف مظاهر الفقر والإقصاء والتهميش، وتشجيع الأنشطة المدرة للدخل. والواقع، أنه لا موجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق الدولية، ولا الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، ولا الممناعة التي تبديها جيوب/ جيوش مقاومة الإصلاح والبناء والتطور، نجحت في أن تُثنى من عزم الحكومة على تنفيذ التزاماتها الاجتماعية، ومواصلة سياساتها التنموية في مختلف القطاعات والمجالات، بحيث تم تسجيل تطور إيجابي ملموس مُطَّرد على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية من أهمها: - تحقيق معدل نمو اقتصادي يفوق 5.6% برسم سنة 2008، ومن المتوقع أن يبلغ 5.4% مع متم 2009. - نزول البطالة، لأول مرة، عن سقف أقل من 1 مليون عاطل من الساكنة النشيطة (911.000 عاطل فقط)، وذلك بعدما تراجع معدل هذه المعضلة إلى 8% في الفصل الثاني من 2009 رغم تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني؛ - انخفاض مؤشر تكلفة المعيشة من 3.9% سنة 2008 إلى أقل من 1.2 مع متم شهر غشت 2009؛ - وفضلا عن ذلك، سجل معدل الفقرانخفاضا بحوالي 7 نقط، من 15.6% سنة 2000 إلى 9%. بل إن الحكومة عملت، بموازاة مع ذلك، على فتح أوراش جديدة وإطلاق مبادرات إصلاحية وفق التوجيهات الملكية السامية، تهم النهوض بالمناطق الجبلية والأكثر خصاصة من منظور تحقيق تنمية مجالية متوازنة، وتقوية الطبقة الوسطى، وإرساء الميثاق الاجتماعي الجديد. كما انكبت الحكومة على إعداد وتفعيل مخططات استراتيجية في الصحة والقضاء والطاقة والبيئة والماء والفلاحة والصيد البحري والتعليم والإدارة والمقاصة، والاقتصاد الرقمي إلخ. وهذا فضلا عن تسريع دينامية الإصلاحات الهيكلية في القطاعات الواعدة كالسكن والسياحة والصناعة التقليدية والتجهيز، والرفع من وتيرة الأوراش الكبرى ومضاعفة حجم الاستثمارات العمومية من 82 مليار درهم سنة 2007 إلى 135 مليار درهم بزيادة 65%. وتعزيزا لهذا التوجه، تمت برمجة أكثر من 165 مليار درهم برسم مشروع ميزانية 2010، مما يفيد أن هذه الحكومة ضاعفت مرتين حجم الاستثمار العمومي منذ بداية ولايتها الحالية، الأمر الذي سيكون له وقعه الإيجابي على إنعاش التشغيل وإخراج المزيد من المواطنين والشباب خاصة من معضلة البطالة. وبالنسبة للعناية لحاملي الشهادات تم خلال سنة 2008 توظيف 1300 من حاملي الشهادات وكذلك في سنة 2009 وذلك بفضل الاستراتيجية الحكومية في هذا الشأن. وفي سياق سياستها الاجتماعية التي تستهدف الحفاظ على القدرة الشرائية، عملت الحكومة على الزيادة في دخول الموظفين والأجراء من أجل تشجيع الطلب الداخلي، وتحريك عجلة الاقتصاد وبالتالي خلق فرص جديدة للشغل خاصة عن طريق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث استفاد منها أكثر من 3 ملايين مواطن ومواطنة. لقد اختارت الحكومة، وهي بصدد أجرأة مخططاتها واستراتيجياتها التنموية، نهج حكامة جديدة في التدبير والتسيير، تتأسس على تخليق الحياة العامة، ومحاربة الرشوة ودعم الشفافية في المعاملات، وتقييم السياسات العمومية، والوقوف على الاختلالات ومعالجتها بما يلزم من الجرأة والشجاعة السياسية، والتعاطي مع عوائق التنمية ومواجهة ازمات بما تحتاجه من رصد استباقي وتدخل استعجالي وتخطيط استراتيجي والتفاعل الإيجابي مع حراك المجتمع والتحولات العميقة التي يشهدها مغرب العهد الجديد، واعتماد سياسة التعاقد بهدف إشراك المنتخبين وكل الفعاليات والقوى الحية في اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تعود بالنفع العميم على بلادنا وكافة شرائح الشعب المغربي. اليوم، مرت سنتان من عمر الحكومة، تحققت خلالها عدة منجزات، وطالت إرادة الإصلاح الكثير من القطاعات، وبدأت نتائج التوجه الاجتماعي للحكومة تنعكس بالتدريج على الحياة اليومية للمواطن. لم تركن الحكومة طيلة هذه الفترة إلى المنطق المحاسباتي الضيق في تدبير آثار الظرفية الدولية الصعبة على القدرة الشرائية والواقع المعيشي للأسر المغربية، ولم تصغ إلى الأصوات التي ما فتئت تعيب عليها قربها من نبض المواطنين وتطلعاتهم، وإنما بذلت جهودا جبارة من منطلق مسؤوليتها السياسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع الحفاظ على سيادة القرار الاقتصادي بحيث ظلت نسبة الدين العمومي من الناتج الداخلي الخام في مستويات متحكم فيها، بل انخفضت هذه النسبة من 54 % إلى 47% سنة 2008. وهكذا ظل الهاجس الاجتماعي على رأس الأولويات التي انتظمت الأداء الحكومي، وتم تجسيدها في جملة من القرارات المباشرة التي تترجم جرأة الحكومة وإراديتها وحرصها على خدمة المواطن في المقام الأول والأخير. ومن أهم المنجزات التي حققتها الحكومة في هذا المنحى: تعبئة 65.5 مليار درهم لدعم المواد الأساسية عن طريق صندوق المقاصة في السنتين الماضيتين، ورصد أكثر من 14 مليار درهم برسم مشروع ميزانية 2010، إحداث 29 ألف منصب شغل في إطار الميزانية العامة، وهو يتجاوز بكثير ما كان يخصص في السنوات الماضية (معدل 7000 منصب سنويا). كما أن مشروع قانون المالية لسنة 2010 يبرمج لوحده أكثر من 25.300 منصب، الرفع من الحد الأدنى ب %10، والحفاظ على أكثر من 100 ألف فرصة شغل قار داخل النسيج الاقتصادي من خلال دعم المقاولات المتضررة من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، تخصيص 16 مليار درهم في إطار الحوار الإجتماعي بغاية الرفع من الأجور والمعاشات والتعويضات العائلية، والتخفيض الضريبي على الدخل بحيث تم اليوم إعفاء أزيد من 500 ألف سرة وكذا 75% من المتقاعدين من أداء الضريبة على الدخل، وتخفيف العبء الجبائي على الطبقات المتوسطة بحوالي6 نقط، إحداث تعويض صافي قدره 700 درهم عن العمل في المناطق النائية والصعبة لفائدة موظفي قطاعي التعليم والصحة، إنصاف العالم القروي من خلال وضع رؤية مندمجة تنبني على تكثيف الاستثمارات المرصودة لتجهيز هذا الوسط بالبنيات التحتية الأساسية (من كهربة وماء شروب وطرق)، إذ ستصل الاعتمادات المرصودة للعالم القروي في ميزانية 2010 إلى 20 مليار درهم، وهو ما يفوق بمرتين الغلاف المالي لسنة 2007، إحداث ميكانيزمات جديدة للتضامن تتمثل في الدعم النقدي المباشر المشروط بتمدرس أبناء الفئات المعوزة في إطار برنامج «تيسير»، إذ تعتزم الحكومة توسيع قاعدة المستفيدين إلى أكثر من 280 ألف تلميذ برسم مشروع القانون المالي 2010، أذكر أنه كانت هناك لجنة تشتغل على التعليم وقالوا إن التعليم لن يصبح مجانيا، وحزب الاستقلال هو الذي رفض. والآن نرى أن الحكومة لاتعمل على مجانية التعليم فقط ولكنها أيضا تقدم الدعم للآباء الذين يرسلون أبناءهم وبناتهم إلى المدرسة خاصة في العالم القروي (ففي الوقت الذي كان يتجه فيه البعض في نهاية التسعينيات إلى إلغاء مجانية التعليم، فإن الحكومة لم تتوان عن السير قدما نحو مواصلة تعميم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي، بل وعملت على دعم الأسر المعوزة من خلال المساعدة المالية وتوفير اللوازم المدرسية لأكثر من 3.7 مليون تلميذ وتعزيز الإطعام المدرسي والنقل المدرسي خاصة في العالم القروي). انطلاق نظام المساعدة الطبية للمعوزين الذي سيستفيد منه حوالي 8 ملايين مواطن في أفق تعميمه التدريجي سنة 2010، مع إقرار مجانية الولادة وغيرها من التدابير التي من شأنها تقليص نسبة وفيات الأطفال إلى 60%، إضافة إلى تجربة (راميد) النموذجية التي بدأت في أزيلال وستعمم في باقي المغرب والتي تمكن الفقراء بفضل بطاقة سنوية لاتتعدى مائة درهم من ولوج كل المستشفيات والاستفادة من الادوية طوال السنة. توفير السكن اللائق لفائدة شرائح اجتماعية واسعة من المواطنين حيث استفادت أزيد من 650 ألف شخص من برنامج «مدن بدون صفيح»، وإحداث صناديق ضمان لتسهيل ولوج الفئات المعوزة والطبقة الوسطى إلى السكن... هذا، وقد تجسدت إرادة الحكومة للإصلاح وتوفير ظروف الحياة الكريمة لكافة المواطنات والمواطنين، في العديد من التدابير والإجراءات الأخرى ضمن ما تم اعتماده من مخططات تنموية وسياسات إصلاحية، تسير بخطى ثابتة نحو بلوغ الأهداف المحددة والمرقمة في التصريح الحكومي، والوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها في برنامجنا الانتخابي أمام المواطنات والمواطنين.