على هامش المناظرة الدولية الثالثة حول المالية العمومية: أي دور للإدارة الضريبية في ظل الأزمة المالية الحالية؟ لا شك أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي انطلقت من الولاياتالمتحدةالأمريكية، أرخت سدولها على باقي بلدان القارة العجوز خصوصا المصنعة منها، قد بدأت تلقي بظلالها على الاقتصاد المغربي والمالية العمومية الوطنية شيئا فشيئا، وقد كان هذا موضوع المناظرة الدولية الثالثة التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية والجمعية من أجل المؤسسة العالمية للمالية العمومية يومي 12 و13 شتنبر 2009 تحت عنوان «المالية العمومية بالمغرب وفرنسا: رهانات وأجوبة...» حضرتها شخصيات حكومية وبرلمانية وجامعية وجمعوية وأخرى من عالم الاقتصاد والمال والأعمال والإدارة... مغربية وفرنسية، تناولت بالعرض والشرح والمناقشة والتحليل تداعيات الأزمة وتأثيرها على الأنظمة الاقتصادية والمالية لكل من المغرب وفرنسا والوسائل المالية والجبائية القمينة من أجل مواجهتها أو على الأقل التخفيف من حدتها. وفي الوقت الذي تحدث فيه الفرنسيون عن أزمة كبيرة قد تعصف بالاقتصاد الفرنسي وبالمالية العمومية الفرنسية، متسائلين عن الأجوبة الاقتصادية لأسئلة الأزمة المطروحة، وما إذا كانت الأزمة التي أصابت المالية العمومية هي أزمة نموذج سياسي لأن الدولة هي المعنية وهي المسؤولة، كان المغاربة أقل تشاؤما علما أن الأزمة لازالت في الطريق إليهم لم تكن قد اقتربت أو مست ببعض القطاعات. ونتيجة للعدوى التي أصابت القطاع المالي، وخوفا من انتشارها، فقد اقترح وزير الاقتصاد والمالية القيام بإصلاحات هيكلية جذرية على رأسها إعادة هيكلة القانون التنظيمي للمالية وإصلاح الضرائب الأساسية الثلاثة خصوصا الضريبة على القيمة المضافة، وتوسيع الوعاء الضريبي ونحن على أبواب الإعداد للقانون المالي لسنة 2010، وذلك من أجل الدفع بعجلة النمو الاقتصادي والحفاظ على التوازن الاجتماعي وتهييء البلاد لمرحلة ما بعد الأزمة بما لها وما عليها. وإذا كان كل المتدخلين قد أجمعوا على أن الأزمة قادمة لا محالة، وأن تأثيرها سيمس قطاعات حيوية وحساسة على رأسها الصادرات خصوصا الفوسفاط ومشتقاته والنسيج والسيارات، وتحويلات العمال المغاربة بالخارج والاستثمار، بالإضافة إلى تراجع المداخيل الجبائية. وحيث إن المداخيل الضريبية تشكل موردا ماليا مهما بالنسبة للميزانية العامة، يمكن أن تخفف نوعا ما من شدة وحدة الأزمة، فإن المديرية العامة للضرائب قد أخذت على عاتقها مسؤولية اتخاذ كل التدابير والوسائل الكفيلة من أجل: 1) توسيع حقل الوعاء الضريبي وتضريب بعض القطاعات المعفاة، وإلغاء بعض الامتيازات الضريبية، ومواجهة بعض اللوبيات التي تضغط بشتى الوسائل والطرق لتبقى بمنأى عن المساهمة في الأعباء العامة. 2) تشجيع المراقبة الضريبية ومحاربة التملص الضريبي بجميع أشكاله، والضرب على يد كل من تسول له نفسه التهرب من أداء الواجب الضريبي وفتح باب التسوية التوافقية كلما كان الأمر ممكنا. 3) تخفيض المعدلات والنسب الضريبية ومواصلة هذا التخفيض بشكل تدريجي خصوصا في ميدان الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، تأسيا بتجارب دولية استطاعت التخفيف من حدة الأزمة المالية بتقليص بعض الضرائب، لأن من شأن هذا التقليص أن يساهم في دعم القدرة الشرائية للمواطن وتحسين مستوى الاستهلاك، وبالتالي خلق رواج داخلي وإنعاش الحركة الاقتصادية، رغم أن البعض يعتبر هذا التقليص بمثابة عبء سينضاف إلى إكراهات الظرفية وسيعمق نزيف الموارد الجبائية. 4) تشجيع التحصيل الضريبي وإحداث خلايا متخصصة في التحصيل تتكون من ثلة من مأموري التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة، وتحريك الملفات ذات المبالغ الكبيرة التي لازالت قابعة في رفوف المكاتب حتى لا يشملها التقادم. وقد كان هذا موضوع مذكرة مصلحة صادرة عن المدير العام للضرائب تحت عدد 09/90 بتاريخ 15 شتنبر 2009 أي أنه مباشرة بعد اختتام المناظرة الدولية للمالية العمومية، حث فيها المديرين الجهويين والإقليميين ورؤساء المصالح الجهوية والإقليمية وقباض إدارة الضرائب، إلى الالتزام والتقيد بمقتضيات المادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي جاء فيها بأن إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم وحقوق التسجيل والتمبر تتقادم بمضي أربع سنوات(4) من تاريخ الشروع في تحصيلها، وينقطع التقادم المذكور بكل إجراءات التحصيل الجبري يتم بمسعى من المحاسب المكلف بالتحصيل أو بإحدى الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 382/381 من قانون الالتزامات والعقود. شروط الإقلاع في ميدان التحصيل وتباشر إجراءات التحصيل الجبري من طرف مأموري وأعوان التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة، والمنتدبين لهذا الغرض من طرف المدير العام للضرائب بعد أداء القسم أمام المحكمة المختصة التابع لها مقر عملهم وذلك وفق مقتضيات المواد 30 و31 و32 من مدونة تحصيل الديون العمومية. غير أن أي إقلاع في ميدان التحصيل لا يمكن أن يتحقق ما لم يتم: - ربط جميع القباضات التابعة للمديرية العامة للضرائب - ودون استثناء - بشبكة النظام المعلوماتي، قصد ربح الوقت والتخفيف من ضغط العمل اليدوي والذهني المرهق والعقيم. - دعم القباضات المذكورة بعناصر جديدة من مأموري التبليغ والتنفيذ خصوصا وأن عدد هؤلاء لا يفي بالحاجة ويبدو غير كاف بالمقارنة مع الكم الهائل والتراكم الكبير للملفات ذات المبالغ الهامة، بعيدا عن كل بطء أو تباطؤ في التعيينات بحجة قلة أو ندرة الموارد البشرية، وسد الخصاص بأي كان وبمن ليس بأهل لذلك. - الحاجة إلى تكوين جاد وفعال في ميدان المحاسبة والتحصيل والمعلوميات المدة الكافية واللازمة، قصد خلق أطر وأعوان مؤهلة ومتخصصة، لأن منذ التكوين التي غالبا ما قد تمتد من 3 إلى 5 أيام قد لا تجدي شيئا، ففي السبعينيات كان التكوين النظري يتعدى الشهر ونيف دون الحديث عن التكوين التطبيقي أو التكوين في الميدان. - ضرورة تكثيف الجهود - وهذا هو بيت القصيد - من أجل العمل بنظام فصل الاختصاصات بالنسبة لعدد كبير من مكاتب التسجيل والتمبر المكلفة في نفس الوقت بإصدار الأوامر بالاستخلاص (وظيفة القابض الآمر بالاستخلاص) وتصحيح الأساس الضريبي (وظيفة القابض المكلف بمراقبة الأثمان والقيم والتصريحات التقديرية) وتحصيل الضرائب والرسوم والواجبات (وظيفة القابض المحاسب)، وتلك مهمة صعبة وشاقة بدأ يشكو منها الجميع، صعبة بسبب الجانب المحاسباتي والحسابي فيها، وشاقة بسبب تعدد وتنوع المهام والإجراءات والمساطر، وذلك طبقا للمرسوم الملكي عدد 330/66 الصادر بتاريخ 1967/04/24 المتعلق بسن نظام للمحاسبة العمومية، حيث لا يمكن الجمع بين وظيفتي الآمر بالاستخلاص والقابض المحاسب، فهذا الأخير يحتاج إلى تفرغ كلي لكي يؤدي مهمته التي تجعله مثقلا بمسؤولية كبيرة وجسيمة سواء أمام المجلس الأعلى للحسابات أو أمام الخزينة أو أمام الإدارة الضريبية، ولذا فالاستقلالية في العمل المحاسباتي والتفرغ له شيء ضروري لا مناص منه. ومن تم فإننا نؤكد ونكرر التأكيد على ضرورة فصل الاختصاصات والوظائف ما بين القابض الآمر بالاستخلاص والقابض المحاسب، ونتمنى أن لا يكون كلا من هذا صيحة في واد. - ضرورة الاستعانة بالمفوضين القضائيين في القيام بإجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية، كما تنص على ذلك المادة 34 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وإن كنت من الذين لا يحبذون ذلك لأنه وكما يقول المثل: «ما حك جلدك مثل ظفرك». لكن بعزم وحزم واستقامة وانضباط يمكن الوصول إلى موارد جبائية أفضل.