قررت السلطات الإسبانية التخلي عن صفقة شراء صواريخ (توماهوك) الأمريكية المتطورة جدا، وبررت هذه السلطات قرار التخلي بضعف الميزانية العسكرية وتداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة التي يجتازها الاقتصاد الإسباني. ونشرت صحيفة «الباييس» مؤخرا أن وزارة الدفاع الإسبانية قد أبلغت البنتاغون النية في التخلي عن اقتناء صواريخ توماهوك التي يصل مداها إلى 1600 كلم ويجري تركيبها في السفن الحربية مثل الفرقاطات. وكانت مدريد قد فكرت في اقتناء هذه الصواريخ بعد نزاع جزيرة ثورة مع المغرب في صيف 2002. وكانت حكومة خوسي ماريا أثنار اليمينية قد فاتحت البنتاغون في موضوع هذه الصواريخ سنة 2003، إلا أن واشنطن لم تحبذ وقتها الفكرة، وكانت قد باعت هذه الصواريخ المتطورة لدولة واحدة وهي بريطانيا حليفها التقليدي والرئيسي الذي يشاركها جميع الحروب العسكرية والسياسية. وجددت إسبانيا طلب الحصول على صواريخ توماهوك خلال سنة 2005، وعمليا تقدمت المفاوضات مع وزير الدفاع الأسبق الاشتراكي خوسي بونو، وهو الرئيس الحالي للبرلمان. وبادر خلفه في المنصب، خوسي أنتونيو ألونسو بتأجيل البت النهائي في هذه الصفقة بقيمة تقارب 72 مليون يورو، بسعر ثلاثة ملايين يورو للصاروخ، وأخيرا قررت الوزيرة الحالية التخلي عن الصفقة. وكان اقتناء اسبانيا لهذه الصواريخ سيمنحها نقلة نوعية في ترسانتها العسكرية، تتجلى أولا، في التوفر على تكنولوجيا متقدمة في مجال التسلح العسكري بحكم أن دولا قليلة جدا هي التي تتوفر على هذا النوع من الصواريخ. وثانيا، المدى البعيد نسبيا لهذه الصواريخ يصل إلى 1600 كلم، وهذا يعني أنها قادرة على تصويب هذه الصواريخ من عرض البحر، فهي قادرة على إصابة العديد من الأهداف في المغرب والجزائر مع هامش خطأ بسيط لا يتجاوز عشرة أمتار. وفي الوقت ذاته أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية عن نيتها اقتناء صواريخ أوروبية الصنع قريبة من فعالية توماهوك. وكان البنتاغون قد وافق مبدئيا على رفع نسبة الصواريخ إلى مائة وبدء تسليمها لإسبانيا ابتداء من سنة 2015. لكن في الوقت نفسه، اشترط أن لا تمس هذه الصواريخ بالتوازن العسكري في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط. ويرى المراقبون أن هناك تفسيرين لإحجام مدريد عن اقتناء صواريخ توماهوك، الأول الشروط الأمريكية، حيث أنه لا يمكن استخدام الصاروخ ضد حلفاء لواشنطن. ويتجلى التفسير الثاني وتتداوله الأوساط المهتمة بالمجال العسكري في إدراك إسبانيا أن اقتناء هذه الصواريخ سيسبب في سباق تسلح خطير في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط وخاصة المثلث المغرب والجزائروإسبانيا. ونتج عن اقتناء إسبانيا في أواخر التسعينات 87 طائرة مقاتلة «يوروفايتر» لضمان تفوق عسكري على دول المغرب العربي وخاصة الجزائر والمغرب، المصنفتين ضمن مصادر الخطر، سباق اقتناء الطائرات المتطورة، إذ اقتنت الجزائر مقاتلات «ميغ 29» و«سوخوي»، بينما سيحصل المغرب على طائرات «اف 16» الأمريكية. ولذلك فإن اقتناء صواريخ من طينة توماهوك المتطورة جدا، سيكون دافعا قويا يجعل المغرب والجزائر تبحثان، وضمن استراتيجية التوازن، والردع، عن شراء صواريخ بعيدة المدى تكون من أهدافها تغطية الأراضي الإسبانية. وتتخوف مدريد من اقتناء الجزائر لصواريخ إيرانية الصنع ذات المدى المتوسط كرد فعل على توماهوك.