إسرائيل اعتادت أن تعيش على شنّ الحروب أو التلويح بها. هذا خبزها اليومي وتاريخها، وهي أمينة عليه، اليوم وغداً. فمناخ التوتير بالنسبة لها، كالماء بالنسبة للسمك. التهديد، الصريح أو المبطن، بخيار القوة؛ ورقتها المفضلة. إما لاستدراج الجوار إلى المواجهة، وإما لأغراض أخرى، تتراوح بين الابتزاز والتوريط والتخريب. ردود مسؤوليها، خلال الأيام الأخيرة، على كلام الرئيس الروسي؛ بخصوص النووي الإيراني، تصبّ في مجرى هذه الأهداف. الرئيس ميدفيديف، صدر عنه تصريح يفيد بأن شيمون بيريز؛ أكّد له أن إسرائيل لن تقوم بضرب إيران. قبل أن يجف حبر تأكيده، سارعت حكومة نتانياهو إلى نفي مثل هذا الضمان. نائب وزير الخارجية، داني أيالون، شدّد على أن الكلام المنسوب لرئيسه ابالتأكيد ليس ضماناًب. بل إنه لم يخف انزعاجه من الرئيس الروسي، باعتباره «غير مخوّل بالحديث نيابة عن إسرائيل»؛ مع التذكير بأن هذه الأخيرة الا تستبعد أي خيارب. وحتى يكون صوت طبول الحرب والتهويل بها، مسموعاً كفاية؛ انضمّ رئيس الأركان، أشكينازي، إلى جوقة النفي؛ فقال «إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ويمكن استخدام جميع الوسائل لتحقيق ذلك». توزيع أدوار، بغرض إحداث البلبلة والإرباك؛ فضلاً عن ترك الحسابات أسيرة الظنون. التوقيت، ليس صدفة، فهو أتى عشية اجتماع الدول الست، في نيويورك، لمناقشة البرنامج النووي الإيراني؛ على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تجديد التهديد المبطن بالخيار العسكري ضد إيران، في هذه اللحظة؛ من شأنه أن يؤدّي إلى، أو يساهم في، عرقلة التحاور الأميركي الإيراني. كما أتى في لحظة يزداد فيها انكشاف التخريب الإسرائيلي لاحتمالات السلام. تسعير لغة الحرب مع إيران، من شأنه صرف الاهتمام عن هذا التخريب؛ باعتبار أن الأولوية تنصرف باتجاه هذا الخطر المحتمل. والسيناريو الأخطر، أن تكون العودة الإسرائيلية إلى نغمة عدم استبعاد الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية؛ عملية تسخين للأجواء، تمهيداً لعمل عسكري قادم، يجري الإعداد له فعلاً، لاسيما وأن تل أبيب تقوم بتمرينات عسكرية جوية، لعملية بهذا الحجم. وفي هذا الخصوص كان تحذير بريجنسكي، الأخير، ملفتاً ومحذراً من هكذا احتمال، عندما قال «إذا قرر الإسرائيليون مهاجمة إيران، فعلينا أن نكون جدّيين في منعهم. إذا حلّقوا هناك علينا أن نواجههم.. فقد يكون الأمر انتقاماً للسفينة ليبرتي». كلام يشتم من لهجته، أن هذا الخيار موجود فعلاً على الطاولة الإسرائيلية؛ وأن على واشنطن ألا تتردّد في ردعه ولو بالقوة. كلام برسم إدارة أوباما، لتبادر إلى الردع قبل وقوع المحظور.