إن الجهر بالسوء والمجاهرة بالمنكر في وضح النهار، هو أعظم خطراً وأكبر خزياً من أن يكون مجرد (ممارسة فعل فاضح في مكان عام). لأن الأمر هنا ينطوي على تحدّ سافر لمشاعر الجمهور العريض الواسع من المواطنين، وعلى تحد صارخ للضمير الوطني، ولكل القيم والمبادئ والمثل العليا التي يؤمن بها الشعب ويرتضيها معياراً لسلوكه ولحياته الخاصة والعامة، وهو إلى ذلك تحدّ فاجر للوطن ولثوابته ولمقدساته، وفي مقدمتها الدين الحنيف الذي في الاستمساك به عزتُنا وكرامتنا وحريتنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة. إن هذا التصرف غير المسؤول المتعارض مع المبادئ الدينية ومع القانون الذي هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، بأن يعمد جماعة من الناس على إفطار رمضان أمام الملأ في استهتار مذموم واستخفاف مشين، هو مظهر من مظاهر (التطرف اللاديني) الذي يرفضه مجتمعنا كما يرفض (التطرف الديني) بكل أشكاله. ففي كلتا الحالتين يتعرض النظام العام للاهتزاز وللخطر، وينتهك قانون الدولة. وغني عن القول إن حرمة النظام العام هي من حرمة حقوق الله. ولذلك فإن كل خرق للقانون ومساس بالنظام العام، هو انتهاك لحقوق الله وعدوان عليها التي بيَّنها لعباده في كتابه العزيز، وأوضحها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح. إن الادعاء بأن الإفطار السافر في رمضان هو من الحريات الفردية، باطل من الأساس؛ لأن الحرية محكومة بضوابط أخلاقية وقانونية وإنسانية، وإلاَّ انقلبت إلى تمرد وخروج على المجتمع وتجاوز لكل الحدود وهو يوضح بشكل جلي أن هذه الجماعة لا تنتمي إلى هذا المجتمع ولا إلى مقدساته وثوابته ولا يمكننا إلا أن نعتبرها حالة شاذة. إن الحرية مسؤولية يتحمّلها الفرد وتنهض بها الجماعة، وليست الحرية انطلاقاً بلا حدود، وانفلاتاً بلا ضوابط، وتمرداً تمليه الأهواء المريضة والأغراض المشبوهة والأمزجة الشاذة. إن مجتمعنا المغربي مجتمع مسلم يعتز بإسلامه ويغار عليه، والدولة المغربية دولة مسلمة متمسكة بالقيم والمبادئ الإسلامية، والدستور والقوانين المغربية تكرس هذا الانتماء وترسخه في الواقع وفي الحياة المغربية. فمن يجاهر بالكفر والبهتان ويتحدى الناس بمجاهرته تلك، يقف الموقفَ المعادي لكل هذه الاعتبارات الموضوعية، ويضع نفسه في موضع الخروج على المجتمع والتمرد ضده. ولذلك فإن الفعل المشين الذي ارتكبه عدد من الأفراد في محطة القطار بمدينة المحمدية أمس الأول، بالإفطار في رمضان، هو فعل معادٍ للمغاربة أجمعين، ومعادٍ للدستور المغربي، ومعادٍ للقانون المغربي، بل هو فعلٌ معادٍ للقوانين الدولية التي تجرم ازدراء الأديان، وتنص على ضرورة احترام الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية للأمم والشعوب، وفي مقدمة هذه الخصوصيات بالنسبة لنا نحن المغاربة، الإسلام دين الله الحق، أبى من أبى وكره من كره.