اليوم السابع عشر من رمضان يوم من أيام الله في تاريخ الدعوة المحمدية، إنه يوم حقق الله فيه وعده ونصر عبده وهزم دعاة الشر والشرك وحده، فهو يوم كان له ما بعده في تاريخ الإسلام وتاريخ الدعوة المحمدية. إن هذا اليوم الذي سمي في كتاب الله وفي تاريخ الإسلام بيوم الفرقان هو يوم التقى فيه فريقان ولا أقول جيشان فريق يحمل ثورة جذرية ضد الوثنية وضد الشرك ،وضد الظلم ،والطغيان وضد استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وفريق يتعصب للوثنية ولما ألفه من الظلم والطغيان ومن حكم مبني على القبلية البغيضة والعنصرية المقيتة، إنه يوم بالفعل التقى فيه فريق يدعو إلى الحرية وإلى العدالة بمفهومها الشامل وفريق يؤمن بأن الحرية له وحده والعدالة هي ما يحفظ امتيازاته ،وما يفرضه على غيره من الناس من اللامساواة وغيرها، إنه يوم التقى فيه فريق مضطهد طريد من بلده ولجأ إلى بلد آخر حيث المأوى والدعم والمساندة، وفريق بطش بذلك الفريق وجرب فيه أنواعا مختلفة من القهر والتعذيب والنفي إلى بلاد بعيدة التماسا للعدل وبحثا عن الأمان إنهما فريقان على طرفي نقيض، لا شيء يجمع بينهما ولا شيء يلتقيان حوله، فالشرك لا يلتقي مع التوحيد، والإيمان لا يلتقي مع الكفر، والظلم لا يلتقي مع العدل، والمساواة لا تلتقي مع التمييز بين الناس، والحيف فيما بينهم، والعنصرية لا تلتقي مع التسامح، فهما فريقان بقيم وأفكار مختلفة. إن يوم السابع عشر من رمضان الذي التقى فيه هذان الفريقان إذا أخذ هذا الاسم بمعنى التمييز والفرقان بين الحق والباطل وبين تلك القيم الجاهلية وهذه القيم الإسلامية يكون الوصف قد صادف محله فهو يوم الفرقان بالفعل، وهو يحمل نفس المعاني والدلالات أكثر عندما يكون معناه يوم نزول القرآن هو اليوم الذي انتصر فيه الفرقان على ما عداه من وثنيات بدائية ووثنيات محرفة للكتب السماوية السابقة. إن يوم الفرقان يستحق من المسلمين أن يتأملوه باستمرار، أن يتأملوا دلالته الدينية ودلالته السياسية ودلالته الاجتماعية، إن هذه المعركة التي خاضها المسلمون في هذا اليوم منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة هي التي كانت قنطرة موصلة لأهم وأكبر رسالة عرفتها الإنسانية في تاريخها ،هذا أمر يُجمِع عليه المسلمون ويقولونه منذ حدثت هذه المعركة العظيمة إلى اليوم. نعم يقولون هذا، ويكتبونه حتى صار عادة مألوفة، وعندما يتحول أمر ما مهما كان إلى عادة مألوفة، فإنه يفقد التأثير الذي يجب أن يحدثه لدى الناس في حياتهم اليومية والاجتماعية. إننا أمة في وضعية تتطلب مراجعة جذرية في حياتها الدينية والثقافية والاجتماعية، فنحن المسلمين، نكاد نفقد حاسة التأثر بأحداث تاريخنا العظيمة، وبالأهمية التي للعبادات التي نمارسها يوميا، مع أن هذه العبادات وهذه الأحداث كانت تفعل فعل السحر في سلفنا، إذ كانوا ينفعلون مع العبادات ويأخذون منها ما يحتاجونه من زاد لهم ولحياتهم واستمرارها، ولكننا اليوم ونحن نعيش ظروفا من حيث المحاصرة أشبه بتلك الظروف فالأمة الإسلامية محكوم عليها اليوم من طرف خصومها بالبقاء خارج عالم اليوم في التقنيات الدقيقة في مجال الذرة التي تستعمل سلميا ولا أقول حربيا وفي غيرها من التقنيات ومحكوم عليها أن تكون تحت المراقبة المباشرة لخصومنا، ونحن مفروض علينا كذلك أن تعطي نتائج الانتخابات في البلدان الإسلامية، النتائج التي يريدها الخصوم وأن ينجح من يرضى عنهم غير شعوبهم ولو كانت الشعوب ضد هذا النجاح. إننا لا نملك الحرية في تصريف ثرواتنا كما نريد ولصالح شعوبنا، إننا نرى شعوبا تُذبح وتقتل ولا ذنب لها إلا أنها تريد أن تعيش حرة في ظل عقيدتها الإسلامية، ولكننا لا نتحرك لمناصرتها، إننا نرى مقدساتنا تُداس من طرف الغير ويحرم المواطنون المسلمون حتى من أداء العبادات ولا نقدر على الحركة والدفاع عنهم لممارسة شعائرهم كما يريدون. إن يوم السابع عشر من رمضان يوم شخصت فيه الحرية والديمقراطية في التخطيط للمعركة ولكننا شعوب لا نملك القدرة على الاختيار الحر خارج ما يريده الخصوم. إننا إذا ذكرنا ببعض قضايا الإسلام والمسلمين في هذا اليوم العظيم، إنما ذلك من أجل المقارنة بين ما كنا عليه في ماضينا وما عليه نحن في حاضرنا، وإذا شئنا بناء مستقبل زاهر وغد أفضل لأمتنا فلا مناص من استعادة القيم الحقيقية لهذا اليوم وهي قيم الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية والعزة والدفاع عن العقيدة وكرامة معتنقيها.