عجز في البنايات الجامعية وخصاص في الموارد البشرية وضعف في الميزانية يهدد حرمان آلاف الطلبة من حقهم في مواصلة التعليم العالي * العلم الإلكترونية: فوزية أورخيص
كشف البلاغ الأخير لوزارة التربية الوطنية والتعليم بخصوص نتائج الدورتين العادية والإستدراكية للإمتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا برسم دورة يونيو 2019، أن عدد الناجحين الممدرسين في التعليم العمومي والخصوصي، بلغ ما يناهز 253 ألف و808 ناجحة وناجحا، بنسبة إجمالية استقرت في 77.96 بالمائة، مقابل 71.96 في المائة في دورة 2018، مسجلة بذلك زيادة بلغت 6 نقط مائوية، وأن الإناث يشكلن 54.30 من مجموع الناجحين.
المتتبعون للشأن التربوي التعليمي بالمغرب يرون أن هذه النتائج جعلت من سنة 2019 سنة مميزة بكل المقاييس عن سابقاتها، إذ إلى حدود 2016 لم تراوح النتائج نسبة 49,5 في المائة، ليبقى السؤال المطروح بقوة واقع الفضاء التربوي التعليمي: ما الذي جد في المنظومة التعليمية بالمغرب حتى تحقق نتائج هذه السنة قفزة نوعية تشارف على 80 في المائة؟ وما هي الوصفة السحرية التي أبهجت هذا الواقع المثقل بالإرهاصات والإكراهات التي جعلته منذ سنين يصطف على تلابيب آخر الدول من حيث الجودة، خصوصا وأنه قبل سنة غاب المغرب كلياً عن ترتيب جودة التعليم حسب مؤشر جودة التعليم العالمي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وتقدمت عليه دول مثل اليمن التي أنهكتها الحروب وتغيب فيها الدولة، إضافة إلى نيجيريا ورواندا وباكستان، حيث وضع التقرير سويسرا كأنجح نظام تعليمي في العالم متبوعاً بسنغافورة وفنلندا وهولندا والولايات المتحدة خامسةً.
وكان السيد يوسف بلقاسمي الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية قد عزى، في تصريح صحفي، هذه النتائج إلى مجهودات التلاميذ و الأسر، وقال “إن هذه النتائج المرضية هي ثمرة المنافسة الكبيرة بين التلميذات و التلاميذ و تشجيع أسرهم لتمكن من الظفر بمقعد ببعض المعاهد العليا التي تتطلب معدلات كبيرة، وكذا إلى المجهودات الإستثنائية للأطر التربوية والإدارية لتأمين الزمن المدرسي وإستكمال المقررات الدراسية وتقديم الدعم اللازم للتلاميذ لرفع نسبة نجاحهم.
وأشاد السيد بلقاسمي بالمجهودات المبذولة من طرف نساء ورجال التربية والتكوين والسلطات العمومية والمصالح الأمنية وكافة المتدخلين في إنجاح مختلف محطات هذا الاستحقاق الوطني وتحصين مصداقية شهادة البكالوريا الوطنية وصون الحق في تكافؤ الفرص، داعيا الجميع إلى مواصلة الجهود وبنفس الحرص، وهي نفس الإشادة التي أفاض فيها وأثنى عليها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. السيد سعيد أمزازي.
الخرجات الإعلامية لمسؤولي الوزارة المعنية وصفها أحد العارفين بكواليس قطاع التعليم الوطني في تصريح للعلم، ب”الإستثناء الذي يحجب القاعدة”، وتبقى مجرد تلميع لمنظومة هشة، طالما لم تحتو هذه التصريحات الرسمية حصيلة شاملة للإنجازات التي حققتها الوزارة المعنية خلال العشرية الأخيرة، أما أن نلقي بأسباب النجاح على عاتق مجهودات التلاميذ والآباء والأطر التربية في غياب أي إصلاح شامل للمنظومة، فإن نتائج هذه السنة هي شعار صارخ بكون ” فشل المنظومة التربوية “لا يعني فشل التلميذ المغربي”، وهو تحصيل قدحي للقائمين على مؤسسة تربوية جد هامة بقدر ما هو تاج على رؤوسهم للتباهى به ، حسب ذات المصدر.
وقال هذا الإطار التربوي الذي تحفظ عن ذكر إسمه، “لا يمكن بتاتا أن نخفي نور الشمس بغربال، لأن خرجات بعض المسؤولين في الوزارة المعنية لا تعكس واقع المنظومة التعليمية المغربية الذي هو في تردي مستمر جعل مستوى الجودة ومردودية التحصيل دون المستوى، لذلك تبقى الأرقام التي يتغنى به البلاغ الوزاري خارج مستوى الكفايات والمستوى التعليمي والتربوي للمتمدرسين وبالتالي يستدعي الوضع منا جميعا الوقوف على المستوى التعليمي بالمغرب من حيث الكيف وليس من حيث الكم”.
امتحانات الباكالوريا
وعزا بعض المتتبعين للشأن التربوي أن ارتفاع نسبة النجاح سيصتدم بالإكراهات التي تواجه المنظومة التعليمية من حيث الخصاص على مستوى بنية قاعات التدريس وعددها والكليات والمعاهد والجامعات وضعف ميزانية الدولة لإنعاش الخصاص من حيث الموارد البشرية، إكراهات هيكلية بالجملة قد تحول دون إنجاح مبادرة تعميم التعليم التي يوليها ملك البلاد عناية خاصة.
إّذ ظل هذا الموضوع، منذ بداية الألفية الثالثة، في صلب انشغالات الدولة وكل المتدخلين في هذا القطاع، ورغم تعدد التحديات التي تطرح على قطاع التربية بالمغرب مع كل دخول مدرسي، غير أن موسم 2018-2019 يتميز عن سابقيه بتركيز غير مسبوق على هدف رئيسي يتمثل في تعميم التعليم الأولي ويجد هذا التركيز أساسه بالخصوص في الأهمية التي أولاها خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال19 لعيد العرش المجيد، لهذا الورش والتي عكسها تشديد جلالته على ضرورة القيام بمبادرات مستعجلة لتفعيل تعميم التعليم الأولي، وهو ما أعطى دفعة قوية لهذا الملف ضمن برامج السياسات العمومية.
وهذا ما يفسر مصادقة المجلس الوزاري، بتاريخ 20 غشت 2018، على مشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، حتى يكون هناك "تعميم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال دون تمييز" كرافعة أساسية لتحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
ويرى المتتبعون أنه قد تجد الدولة في رفع نسبة النجاح على مستوى الباكالوليا موازنة عددية لتسيير أزمة الإخفاقات والإكرات التي تواجه المنظومة التربوية بغية إنجاح برنامج تعميم التعليم ولخفض نسبة الأمية بالمغرب وتقريب المدرسة من أبناء هذا الوطن، لكن كيف ستحل عجز الطاقة الإستعابية للجامعات المغربية خاصة منها المفتوحة الإستقطاب؟
خاصة أنَّ الخصاص الذي تعرفه المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح على مستوى التأطير البيداغوجي، سيتفاقم بشكل مقلق خلال السنوات القادمة. ففي سنة 2019 فقط، سيصل عدد الأساتذة الباحثين الذين سيُحالون على التقاعد إلى 671 أستاذة وأستاذا، حسب تقارير رسمية.
وأكد عرض قدمه وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أمام لجنة التعليم في مجلس النواب مؤخرا، هذا الطرح بالكشف عن خصاص مهول على مستوى التأطير البيداغوجي، والطاقة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية المغربية، وخاصة كليات الاستقطاب المفتوح. وتفيد المعطيات التي قدمها أمزازي بأنّ “نزيف” التعليم الجامعي على مستوى الأساتذة سيستمر بوتيرة أكثر كثافة خلال العشر سنوات القادمة؛ إذ يُتوقع أن يُحال على التقاعد 1091 أستاذا في سنة 2020، وسيستمر العدد في الارتفاع ليصل إلى 6926 في سنة 2030.