يصعب على المتتبع فهم السياق الحقيقي الذي جاءت فيه ندوة أو ورشة البحرين، بسبب المعطيات المتشابكة والمعقدة المتعلقة بها، فمن جهة تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية بالأهمية البالغة، التي يكتسيها هذا الحدث في مسار تسوية مزعومة في الشرق الأوسط وهي نفسها التي لا تتوانى لحظة واحدة في تكثيف نيران النزاع بالحطب كلما خفت لهيبها، ولم تدخر جهدا في تدمير أسس السلام العادل في الشرق الأوسط بداية من الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إلى هناك، ومرورا بقطع المساعدات المالية على الفلسطينيين والاعتراف بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان المحتلة.
الدكتور نزار بركة في صدارة المشاركين في المسيرة الوطنية الحاشدة المنددة ب«صفقة القرن»
وموازاة مع ذلك لم يفتر حماس الإدارة الأمريكية في إغداق الهدايا والامتيازات السياسية والإعلامية على قادة وسلطات الكيان الصهيوني، ولذلك فإن القول، وببساطة، بأن ورشة البحرين تندرج في سياق البحث عن تسوية للنزاع في الشرق الأوسط لا يستقيم من طرف جهة نزعت بقراراتها وأفعالها وسياستها الخارجية على نفسها أية مصداقية للوساطة أو التحكيم، أو السعي في البحث عن حلول ما، لأن الإدارة الأمريكية بذلك أضحت طرفا في النزاع وليس جزءا من الحل، وأنها لايمكن أن تكون حكما وخصما في نفس الوقت.
لا ل«رشوة القرن»
ولذلك فإن تخوف الفلسطينيين والعرب والمسلمين وجميع أحرار العالم مما سينظم في البحرين مشروعا وله ما يبرره، لأنهم يشكون في النوايا الأمريكية الحقيقية التي قد تكون تخطط ل”صفقة القرن” ب”رشوة القرن” حيث وعدت الإدارة الأمريكية بتوفير خمسين مليار دولار لتمويل المشاريع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية التي يعلم الله وحده خريطتها وحدودها، لكن المؤكد هو أنه لم يعد خافيا أن طعم الخمسين مليار دولار مشروط بقبول الوضع الجديد والرضوخ للإشتراطات الجديدة.
الأكيد أن ورشة البحرين تعتبر الخطوة الأولى والمباشرة في مسار صفقة القرن، لذلك نزلت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها، ليس لإقناع الدول بالحضور، بل ولإجبارها على ذلك.
المشاركين في المسيرة الوطنية الحاشدة المنددة ب«صفقة القرن»
والأكيد أن الإدارة الإمريكية فشلت فشلا ذريعا في هذا المخطط الخطير الذي يهدف إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية من خلال المقايضة وتقديم المال مقابل التنازل عن الأرض والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
حل القضية الفلسطينية لن يتم عبر مدخل الإغراء المالي، بل إن الإدارة الأمريكية وحلفاءها، يدركون جيدا أن حل القضية الفلسطينية يبدأ أولا وأخيرا من خلال تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بهذه القضية، وعلى إجبار سلطات الكيان الصهيوني على الامتثال لها، وتبدأ أيضا باستعادة فورية لجميع الحقوق الفلسطينية المغتصبة ووضع حد لمختلف أشكال العدوان الإسرائيلي من خلال بناء المستوطنات والقتل الفردي والجماعي وهدم البيوت والاختطاف والاعتقال وغير ذلك كثير، وعلى هذا المستوى يجب على الإدارة الأمريكية اختبار النوايا والإرادات.
المسيرة الوطنية الحاشدة المنددة ب«صفقة القرن» – لا ل«رشوة القرن»
فشلت ورشة البحرين قبل أن تبدأ لأنها وحدت الفلسطينيين، وهي من الفرص النادرة التي يحصل فيها الإجماع الفلسطيني، وهي فشلت أيضا قبل بدايتها لأنها أخرجت الحشود الجماهيرية العربية والإسلامية إلى الشوارع للتعبير عن موقفها الرافض ل«رشوة القرن»، ولهذه الأسباب وغيرها كثير فإن ورشة البحرين لا تعدو مجرد طعم مسموم ظاهره مال وباطنه تقسيم جديد لخارطة المنطقة العربية بشرقها وغربها، لذا لم يقترب منه العارفون بسياسة الولاياتالمتحدة المنحازة هنا للظالمين، المعتدين، المحتلين. العلم الافتتاحية.. لا ل«رشوة القرن»