عند زيارتها للمدرسة البلجيكية بالدارالبيضاء يوم الخميس قبل الماضي، عبرت السيدة فضيلة لعنان، الوزيرة ورئيسة الحكومة الفرنكوفونية ببروكسيل والمكلفة بالميزانية والتعليم والنقل المدرسي واستقبال الأطفال والرياضة والثقافة، عن ” انبهارها بالمدرسة البلجيكية بالدارالبيضاء، التي ستكون نخبة الغد”، وذلك بعد الجولة التي التقت خلالها بتلاميذ المستوى السادس الذين يشكلون الدفعة الأولى لشهادة التعليم الثانوي العالي لشبكة المدارس البلجيكية بالمغرب. ويتيح التعليم البلجيكي الفرنكفوني للتلاميذ الذين حصلوا على تلك الشهادة، بالاندماج في إطار أهداف شبكة المدارس البلجيكية بالمغرب، وتحضيرهم للقيام باختيارات مهنية معينة ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وغيرها
ويذكر، أن المدرسة البلجيكية بالمغرب، أطلقت أنشطتها في الدارالبيضاء سنة 2014 من خلال إحداث المدرسة البلجيكية بالدارالبيضاء، وأضحت إلى الآن تضم ثلاث مواقع تدرس أزيد من 947 تلميذا؛ وفي نونبر 2018، تم افتتاح المدرسة البلجيكية بالرباط،
وتضم شبكة المدارس البلجيكية بالمغرب 927 تلميذا من جنسية مغربية و 46 تلميذا من جنسيات أخرى، وهو يستهدف الأطفال من سنتين ونصف إلى 18 سنة.
ويعتبر تعليم البعثات الأجنبية بالمغرب، سواء البلجيكي، أو الفرنسي والأمريكي والإسباني من أنواع التعليم المربح الذي يلقى منافسة بين البعثات، و إقبالا كبيرا من الجانب المغربي، غير أن التعليم البلجيكي، بما هو تعليم فرنكوفوني، يصب في مصلحة اللغة الفرنسية و أهداف الفرنكوفونية. وقد شهدت كلفة الدراسة في المدارس التابعة للبعثات التعليمية، خاصة الفرنكفونية ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة، نظرا لحجم الإقبال عليه، في حجم واجبات الإنخراط وكذا مصاريف التمدرس السنوية، حسب المستويات الدراسية
وتلعب اللغة الفرنسية كلغة تدريس، كما يقول بذلك الباحثون، دورا محوريا جوهريا يتجاوز الجانب الثقافي، ولا أدل على ذلك من قولة شارل ديغول رئيس فرنسا "لقد صنعت لنا اللغة الفرنسية ما لم تصنعه الجيوش"، فدولة بلجيكا نفسها تحولت عام 1993 من مملكة بلجيكا إلى دولة اتحادية تضم فلاندرا في الشمال وفالونيا في الجنوب. آل فلاندار الفلامنية الألمانية، وأهل فالونيا يتكلمون الفرنسية، وما بينهما حرب كانت يوما باردة ولم يمض عليها عقد ونصف العقد حتى اشتعلت، فقد اندلعت في منتصف عام 2008 معركة سياسية أشرفت بالدولة البلجيكية الفيدرالية على التفكك، وكان مدارها أن ذوي الأصول الفلامنية قد ضغطوا على القيادة السياسية كي تعجل بالإصلاحات التي تخفف من سطوة الحكم المركزي، وتعطي لسلطة الأقاليم صلاحيات إجرائية نافذة، على رأسها توظيب جديد للتوازن اللغوي بين الفرنسية والفلامنية.. وظل هاجس تقسيم الدولة البلجيكية إلى دولتين قائم إلى الآن.
إن الصراع حول اللغة، كما يقول بذلك أحد الباحثين، ليس صراعا محايدا، والحديث عن استعمال لغة بدلا من أخرى، لا يكون محكوما بالاعتبار اللساني أو اللغوي أو التربوي، وإنما هو يتعدى ذلك بكثير، إذ يتأطر بالمقاصد السياسية والحضارية الكبرى، وإذا كان الاستعمار الفرنسي يعادل الاستعمار البريطاني في استغلال الشعوب والهيمنة على مقدراتها، فإن ما يميز الاستعمار الفرنسي هو شراسته في الاختراق الثقافي والتشظي اللغوي، حيث استطاع أن يكسب عددا من الأتباع الذين يدافعون عن الحضارة والثقافة والمصالح الفرنسية في المغرب وشمال إفريقيا.
كما أن فرنسا تسعى لتحويل الفرانكفونية من مجرد تجمع ثقافي إلى حركة سياسية ذات عمق اقتصادي، حيث تهدف إلى إنشاء تجمع سياسي فرانكفوني في أفريقيا له صوت سياسي يؤخذ به في الساحة الدولية، وقد عبر الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران" عن ذلك خير تعبير سنة 1994، حينما قال أنه "بدون أفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين"، واهتمام فرنسا بأفريقيا يتضح في أكثر من مؤشر، فالجالية الفرنسية في أفريقيا تعد أكبر جالية أجنبية.