استقالة الرئيس بوتفليقة.. هكذا غطت وسائل الإعلامية المحلية والعالمية الحدث الأقوى عند الجارة الشقيقة الجزائر ليلة أمس، فبعد طول مد وجزر بين السلطة والجيش والأيادي الغير دستورية في الحكم أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نهاية الصراع القوي في هرم الحكم استقالته من رئاسة الجمهورية بعد 20 سنة قضاها في كرسي الحكم ورغم مرضه الشديد أرادت العصابة المقربة من السلطة والحزب الحاكم والمؤيدين السيطرة على الحكم والتمديد للعهدة الخامسة باسم الرئيس لكن الحراك الشعبي بداية 22 فبراير الفارط أخلط كل الأوراق المسطرة الرافض للعهدة الخامسة وأدخل الجزائر في أزمة أمنية وسياسية عميقة كشفت الكثير من العورات في عرش السلطة وتوالت الأحداث بسقوط تعنت الجماعة الحاكمة (جماعة بوتفليقة) وتذبذب في لغة الاتصال والخطاب لامتصاص غضب الشارع الجزائري وسقوط حكومة أحمد أويحي والكشف عن أسماء ثقيلة كان لها دور في تمديد الأزمة من بينهم رجال أعمال لكن سرعان ما استجاب الجيش بقيادة نائب وزير الدفاع، قائد الأركان أحمد قايد صالح لمطالب الشعب الجزائري وطلب بتطبيق المادة 102 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس بسبب مرض الرئيس وعدم قدرته على ممارسته مهامه. وكان أقوى رد فعل من الجيش بكشف المؤامرات التي كانت تحاك في الظلام موجها أصابع الاتهام لأيادي غير دستورية قرأها البعض بتهديد مباشر لشقيق الرئيس “سعيد بوتفليقة” ورجل المخابرات الأسبق “محمد مدين” المدعو “توفيق” وكذلك إقحام اسم الرئيس السابق “اليمين زروال” ورئيس المخابرات الحالي “بشير طرطاق” في وجود قادة من المخابرات الفرنسية. ليأتي رد “محمد مدين” في وسائل الاعلام في بيان رسمي أنه بريء من كل الاتهامات التي تحدث عنها الشارع الجزائري ولا دخل له في السلطة منذ رحيله من جهاز المخابرات لكن ردة الرئيس السابق “زروال” كانت سريعة صبيحة أمس الثلاثاء في بيان آخر أشار فيه لحقيقة الموضوع بأنه التقى رجل المخابرات “توفيق” وعرض عليه مشروع سياسي مقدم من طرف شقيق الرئيس “سعيد بوتفليقة” بقيادة زمام الأمور كمرحلة انتقالية، هذه الحقائق أغضبت كثيرا الفريق “قايد صالح” وفي اجتماع طارىء مع قادة النواحي لدراسة الأوضاع الراهنة خاصة مع انتشار إشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخطوة شقيق الرئيس على إقالة رئيس الأركان جاء بيان قيادة أركان الجيش الوطني شديد اللهجة لأول مرة منذ بداية الأزمة مشيرا إلى المحيطين بالرئيس بكلمة “عصابة”، كما اتهم هؤلاء بتكديس ثروات طائلة من أموال الشعب وجدد قيادة الجيش بضرورة تطبيق المواد 7 و8 و102 من الدستور لحل الأزمة في أقرب وقت دون تمديدها لأغراض لا يعلم مستقبلها.
وتصريح قائد الأركان “قايد صالح” فتح باب المواجهة مع جناح الرئاسة بشكل مباشر حين تحدث البيان عن “العصابة” و”القوى غير الدستورية” في تلميح لشقيق الرئيس. كما تحدثت قيادة الجيش الوطني الشعبي المجتمعة أمس عن البيان الأخير المنسوب لرئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بقيادة “نور الدين بدوي” جاء رد “قايد صالح”: “في الوقت الذي كان الشعب الجزائري ينتظر بفارغ الصبر الاستجابة لمطالبه المشروعة، صدر يوم الفاتح من أفريل بيان منسوب لرئيس الجمهورية، لكنه في الحقيقة صدر عن جهات غير دستورية وغير مخولة، يتحدث عن اتخاذ قرارات هامة تخص المرحلة الانتقالية، وفي هذا الصدد بالذات، نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلا”.
وتطرق أيضا الفريق “أحمد قايد صالح” لملف الفساد قائلا “وبخصوص عمليات النهب التي عاشتها البلاد، وتبذير مقدراتها الاقتصادية والمالية فقد تساءل نائب وزير الدفاع عن كيف تمكنت هذه العصابة من تكوين ثروات طائلة بطرق غير شرعية وفي وقت قصير، دون رقيب ولا حسيب، مستغلة قربها من بعض مراكز القرار المشبوهة، وها هي تحاول هذه الأيام تهريب هذه الأموال المنهوبة والفرار إلى الخارج، ويجدر التنبيه في هذا الإطار أن قرارات المتابعات القضائية المتخذة ضدها، صدرت عن العدالة من خلال النيابة العامة التي تحركت استجابة لمطالب شعبية ملحة، حيث تم اتخاذ تدابير احترازية تتمثل في منع بعض الأشخاص من السفر، لحين التحقيق معهم كما قامت الهيئات المخولة لوزارة النقل بتفعيل إجراءات منع إقلاع وهبوط طائرات خاصة تابعة لرجال أعمال في مختلف مطارات البلاد، طبقا للإجراءات القانونية السارية المفعول”.
ودون أن يسميه تحدث نائب وزير الدفاع عن تكذيب الفريق “محمد مدين” مشاركته في اجتماع مع “السعيد بوتفليقة” و”بشير طرطاق” وعناصر مخابرات أجانب كما جاء في بيان الفريق “محمد مدين”، قائلا “الاجتماعات المشبوهة التي تعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب وتبني حلول مزعومة خارج نطاق الدستور من أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة وبالتالي تأزيم الوضع أكثر فأكثر، كل هذا تم بتنسيق الجهات غير الدستورية، إلا أن بعض هذه الأطراف خرجت تحاول عبثا نفي تواجدها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة”.
وتعهد الفريق “أحمد قايد صالح” مخاطبا الشعب “لقد أكدت في العديد من المرات على أنني بصفتي مجاهد كافحت بالأمس المستعمر الغاشم وعايشت معاناة الشعب في تلك الفترة العصيبة، لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع، ومن أجل ذلك فأنا في صفه وإلى جانبه في السراء والضراء، كما كنت بالأمس، وأتعهد أمام الله والوطن والشعب أنني لن أدخر جهدا في سبيل ذلك، مهما كلفني الأمر”.
بعدها بساعات قليلة في حدود الساعة السابعة و20 دقيقة من مساء أمس أبلغ رسميا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قرار إنهاء عهدته بصفة رئيس للجمهورية إلى السيد رئيس المجلس الدستوري وذلك اعتبارا من تاريخ 02 أبريل الجاري، وكان نصه كما جاء في وكالة الانباء الجزائرية كالآتي:
“دولة رئيس المجلس الدستوري” يشرفني أن أنهي رسميا إلى علمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيس للجمهورية، وذلك اعتبارا من تاريخ اليوم، الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري الموافق ل2 أفريل 2019. إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا.
لقد أقدمت على هذا القرار، حرصا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، ويا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة. إن قراري هذا يأتي تعبيرا عن إيماني بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم. لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية. يشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا. أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي”.
لتطرح هذه الخطوة الجريئة من عبد العزيز بوتنفليقة (82 سنة) بعد ضغط الشعب والجيش الكثير من التساءؤلات حول مستقبل الشقيقة الجزائر فاستقالة الرئيس بوتفليقة تعني تفعيل المادة 102 التي تتطرق بالاضافة الى المانع الصحي الى الاستقالة.
وتنص المادة 102 في شقها المتعلق بالاستقالة “في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة. وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا. يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة. ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة”.
ما يعني أنه بعد اعلان حالة الشغور، فان رئيس مجلس الأمة “عبد القادر بن صالح” يصبح رئيسا للدولة.